Take a fresh look at your lifestyle.

الفرق بين السلطان للأمة والأمة مصدر السلطات

 

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } النور51

إن قضية تحكيم الشريعة هي من تراث أمة الإسلام الخالد, وقبل ذلك هي ركن العقيدة المتين, في وجوب العبودية لله رب العالمين, والاستقامة على شرعه القويم, والأخذ فقط عن سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.

لكن على الرغم من وضوح هذا الأمر في الشريعة الغراء والتاريخ المشرق, فإنه قد صار ملتبساً على العامة, ومن المتشابه ومختلفا فيه عند الخاصة من المشايخ.

وفي هذه السنوات الحبلى بالأمور العظام, والأحداث الجسام, وأمة الإسلام تنتفض من رقدتها, وتستقيل من عثرتها, فتطيح بطواغيت, فيتصدع بنيان نظام الكفر والتبعية للغرب الكافر المستعمر, أمريكا وأوروبا في بلادنا, عند كل هذا تزداد الحاجة لوضوح الطريق والأهداف, في النهضة والتمكين والاستخلاف.

إن من أولى الحقائق في حياة الأمم, أن لله فيها سننا ثابتة, كما في الكون والحياة, وما على العاملين للتغيير وإنهاض أممهم وشعوبهم, إلا الاهتداء إليها, ثم التمسك بها, والعمل على أساسها, حتى يكون النجاح, وإلا كان كمن يصنع طائرة مثلا أو صاروخا , دون أن يعرف أو يأخذ في الحسبان حقائق الجاذبية, والعوامل التي تتحكم في حركة الأجسام, عندها لن يجني شيئا إلا الفشل والخسران, لكل ما بذله من جهد ووقت ومال.

قال الله تعالى {اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً } فاطر43

لقد خلق الله الإنسان وأكرمه, ثم سخر له ما في الأرض جميعاً واستخلفه فيها, وجعله كائناً اجتماعياً, يعيش في جماعات وشعوب وأمم, لا تقوم حياتهم إلا باجتماعهم, حتى يتبادلون المصالح والحاجات بينهم, ويحفظوا أنفسهم من الأخطار والمهالك.

ولما كان الإنسان قد حباه الله العقل, وخلقه حر الإختيار والإرادة, فإن المجتمعات تتشكل من مجموع إرادة الناس وعقولهم, وهو ما يعبر عنه بالسلطان والسيادة وأشباهها من المصطلحات, وكلها تدل على واقع حقيقي في البشر.

هذا في الأساس, لكن هذا الواقع وهو إرادة المجموع ثم جعلها نافذة في الحياة, يتشكل ويختلف ويتنوع, حسب معتقدات الناس ومبادئهم, ثم القوى المحيطة بهذه الجماعة الإنسانية, فإن كانت محتلة من قوى خارجية تسلبها إرادتها أو قل سلطانها, وتصادر سيادتها وفكرها, فتحكمها بمبادئ وأفكار غريبة عنها, وهذا ما يسمى في هذا الزمان بالاستعمار, بصوره المتعددة العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي وغيره.

فكل شعب وأمة وحتى قبيلة, لهم سلطان يتشكل من مجموع إرادة أفرادهم وهم الذين يعطونه لأحدهم, كالرئيس أو الملك أو زعيم القبيلة, أو لبعضهم فيما يسمى بالديمقراطية, للوزراء وسائر من لهم سلطان, في تصريف شؤون الجماعة.

كذلك فإن العقل وحرية الاختيار, التي وهبها الله سبحانه للبشر, تجعلهم يظنون أنهم يملكون الأهلية, في تحديد شكل الحياة ونظامها, وهو ما يعبر عنه بالسيادة, وهي الطريق أو النظام الذي تسير به الإرادة أو السلطان, ومن هنا قال الغرب, أن الشعب مصدر السلطات, يقصدون بذلك التشريع والحكم, أي بعبارة أدق أن الشعب يملك السلطان والسيادة, وهما له دون غيره.

لا شك أن هذا الوصف, فيه صحة من جانب, وفيه مغالطة وتضليل من جانب أخر, وهو الأهم.

ذلك أنه صحيح, أن الناس قد خلقهم الله سبحانه أحراراً ويفكرون, ففيهم السلطان, ويظنون أنهم قادرون على وضع النظام, بما أوتوا من عقل وتفكير, لكنهم هم أولاً, عباد لله رب العالمين خالقهم, وبناء على هذه الحقيقة الكبرى التي لا يماري فيها بشر, فإنه يجب عليهم أن يضعوا سلطانهم, ولا يجادلوا في سيادتهم بأن يضعوها حيث يأمرهم ربهم.

فقد يأمر الله سبحانه, أمة أن تسمع وتطيع لرجل منهم, يرسله إليهم فيصبح عندها سلطان الأمة تعطيه لهذا النبي أو الرسول, وتصبح سيادة الأمة تتمثل في الشريعة السماوية, التي يحكمها ويقودها بها هذا النبي أو الرسول.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فو ببيعة الأول فالأول, وأعطوهم حقهم, فإن الله سائلهم عما استرعاهم) رواه مسلم عن أبي حازم.

لكن شريعة الإسلام قد جعلت السلطان للأمة تملكه هي وتضعه حيث تشاء, فهي التي تختار رئيسها وهو الخليفة, أو كما يقال اليوم هي التي تنتخبه, من بين من يملكون الأهلية, من المرشحين للخلافة, كما حصل في انتخاب وبيعة الخلفاء الراشدين جميعهم, أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.

فنحن المسلمين يحكمنا الخلفاء المنتخبون, ولسنا مثل ما كان عليه حال بني إسرائيل, تسوسهم الأنبياء, فليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي ولا رسول.

كذلك فإن شريعة الإسلام الكاملة والخاتمة والخالدة, قد ألزمت الناس جميعاً بها, مسلمهم وكافرهم, فالإسلام يعلوا ولا يعلى عليه, والسيادة للشرع لا للشعب, ولا للعقل ولا للهوى ولا لغير ذلك, وهي لنظام الإسلام وحسب, لا سواه, ولا معه غيره.

قال الله تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يوسف40

لذلك كانت قواعد نظام الحكم في الإسلام مبنية على هذا الأساس, وهو أن السيادة للشرع لا للشعب وأن السلطان للأمة, ثم ثالثاً وجود خليفة واحد فرض على المسلمين, والرابع والأخير أن تبني الأحكام الشرعية وسنها دستور وقوانين حق للخليفة وحده.

وهذا النظام في الحكم لا يشبه أي نظام آخر فهو ليس مثل النظام الديمقراطي بصوره المتعددة, الجمهوري أو الملكي والبرلماني, فهذه الأنظمة تجعل التشريع للشعب فهو الذي ينتخب نواب عنه ليشرعون ويضعون القوانين وهو الذي ينتخب الحكام, ويعبرون عن كل هذا بقولهم أن الشعب مصدر السلطات, يريدون السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية, وهذا يجعله نظام آخر, يخالف نظام الإسلام في الحكم كل المخالفة ,في الأصل والفرع.

بقيت ملاحظة هامة لا بد أن نشير إليها, وهي أن هناك مغالطة كبيرة في حقيقة أن الشعب هو مصدر السلطات, ذلك أن الواقع في الدول الديمقراطية, أمريكا وأوروبا, أن من يتحكمون بها, إنما هم فئة قليلة جدا, وهم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والشركات, وذلك ظاهر في الحملات الانتخابية عندهم, وفي انتخاب الرؤساء وأعضاء البرلمانات.

وأما في الأنظمة التابعة, في بلادنا نحن المسلمين وغيرها, فإن الديمقراطية تعني, بقاء التبعية للغرب في كل شيء, وإذا نقص شيء من التبعية للغرب, أو خيف أن ينقص شيء, عندها تلغى الديمقراطية, كما يجري في مصر, وكما كان من قبل في الجزائر فتلغى الانتخابات, وتحل البرلمانات المنتخبة ديمقراطيا, ويسجن الرئيس ووزراؤه, ولا تسأل عن كيف؟, ولماذا؟, فهناك ألف طريقة وألف تبرير لذلك؟!.

فكل هذه الحقائق, تنطق بحاجة الناس جميعاً, المسلمين وغيرهم, إلى نظام الإسلام في حياتهم وذلك يتحقق بتطبيق نظام الحكم في الإسلام في دولة الخلافة.

وها هي الأمة الإسلامية تصر على التغيير الحقيقي, ولن يكون هذا إلا بالخلافة, ومهما زورت أمريكا ومكرت, ومعها أوروبا, فإن أحدا من هؤلاء الأعداء أو عملائهم, لا يستطيع أن يأتي بالتغيير الحقيقي, ويباشر فعلا حل مشاكل الناس, المتراكمة منذ عقود, وسوف يزداد سعي الناس ويكبر إصرارهم, حتى يتحقق هذا التغيير الحقيقي, بإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية الموعودة.

{ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } الطلاق3

 

 

برهان ( أبو عامر )