Take a fresh look at your lifestyle.

أفريقيا بين نور الإسلام وظلام الرأسمالية جمهورية الفساد في نيجيريا

 

إرتبطت صورة القارة الأفريقية ولعقود طويلة بالفساد الممنهج على جميع المستويات وتصدرت دول القارة مؤشرات الفساد العالمية وآخرها الإستطلاع الجديد لمنظمة الشفافية العالمية الذي أصدرته بتاريخ 9-7-2013 حيث احتلت تسعة دول أفريقية المراتب العشر الأولى من حيث الفساد. ولعل الكثيرين لم يفاجئوا بهذا الخبر لما تركز في أذهانهم عن القارة السوداء من انتشار لمطالبة المسؤولين والشرطة للرشاوي وانتشار للفساد الإقتصادي والصفقات المشبوهة. تفشي هذا الفساد استغله الساسة الغربيون لتبرير تعثر النمو الإقتصادي ومعاناة الملايين من الجهل والفقر والمرض. هذه المعاناة في دول متعثرة تنموياً زادت من تفشي الإفساد وتغلغله في كافة مؤسسات الدولة حتى أصبح هو الأصل لا الإستثناء.

 

من أبرز النماذج على هذا الفساد المتغلغل في مؤسسات الدولة نيجيريا، التي من المفترض أن تكون دولة غنية ينعم أهلها بالرفاهية ورغد العيش وتواكب العالم في التطور المدني ولكن الواقع مخالف لذلك. الفساد في نيجيريا ظاهر معرفته لا تحتاج لمتخصص فالمشاريع التنموية المتعثرة منتشرة وآثار الملايين التي تصرف دون أي جدوى ظاهرة للعيان والتلاعب بالأرقام أصبح حرفة يتنافس فيها الكثيرون والثقة في الدولة ومؤسساتها شبه منعدمة. ذكرت إحصائية لمعهد جالوب نشرت في 2012 أن 94% من النيجيريين يشكون من انتشار الفساد في البلاد وذكر استطلاع منظمة الشفافية العالمية أن 44% قد دفعوا الرشوة لتسسير أمورهم. إن الفساد في نيجيريا كما في غيرها يبدأ من أعلى الهرم ويكون على أشده في القطاع النفطي لأكبر دولة مصدرة للنفط في أفريقيا حيث تتعرض صفقات النفط لمراحل متعددة من النهب والتبديد، تارة على شكل رشاوي وعمولات لأطراف خارجية وتارة صفقات مشبوهة أو وهمية مما يقلص الدخل ويحول أموال النفط لمجرد أرقام وهمية محلياً وحسابات متضخمة للبعض في بنوك سويسرا ونيويورك. هذا الحال أدى لخسارة تفوق 129 مليار دولار في الفترة بين 2001 و2011 فقط ويقدر الخبراء أن الأرقام الحقيقية غير معروفة وتفوق هذا الرقم بأضعاف.

 

الملفت في الموضوع أن الفساد في نيجيريا عم لدرجة أصبحت الحكومة نفسها تظهر الشكوى من انتشاره وتأثيره السلبي على كل مناحي الحياة ومن ذلك إعلان الحكومة عجزها عن تحقيق أهداف معينة بالرغم مما رصد لهذه الأهداف من ميزانيات ضخمة وهو عجز يعرف المتابعون ما وراءه من تلاعب بأرواح الناس وخيانة للأمانة. ولعل أبرز مثال على هذا هو إعلان وزير الصحة النيجيري يوم الأربعاء 10/7/2013 عن فشل أكبر دولة مصدرة للنفط في أفريقيا في القضاء على مرض شلل الأطفال ولعل الخبر فاجىء الكثيرين ممن ظنوا أن شلل الأطفال أصبح ذكرى من زمن مضى. الجدير بالذكر أن وزير الصحة النيجيري شارك في قمة اللقاحات التي انعقدت في أبوظبي في نيسان 2012 ولم تخجل الحكومة النيجيرية من أن تقبل بمنحة من بيل جيتس وأمثاله للقضاء على مرض شلل الأطفال في نيجيريا.

 

انتشار الفساد وتغلغله في مؤسسات الدولة أجبر الناس على التعايش مع الوضع القائم خصوصاً وأن المؤسسات التي يلجأ إليها الأفراد للحصول على حقوقهم هي الأكثر فساداُ والتذمر في نظر الكثيرين لن يؤدي إلا للمزيد من المعاناة. تكيف الناس مع تكرر انقطاع الكهرباء بالإعتماد على المولدات الصغيرة في بيوتهم وأنشطتهم التجارية وهم يستمعون للوعود الجوفاء المتكررة من الحكومة بأن تعالج مشكلة الكهرباء. لكن كيف تعالج الحكومة مشاكل هي المتسببة فيها بفسادها وإفسادها. إن الوعود لا تجدي مع وضع مستفحل ومشكلة ضخمة كمشاكل نيجيريا لا تحل إلا بعلاج جذري وحاسم. وهذا ظاهر لكل ذي لب فبالرغم من الملايين التي تضخ في قطاع الكهرباء إلا أن نيجيريا التي يقدر عدد سكانها بحوالي 160 مليون نسمة تنتج أقل من 5000 ميغاوات من الكهرباء أي ما يكفي بالكاد لتغطية احتياجات واحدة فقط من المدن الكبيرة. وقد وقع الرئيس النيجيري في شر أعماله في شهر نيسان من هذا العام عندما نقلت الوكالات الأنباء العالمية أن الرئيس النيجيري غودلوك جوناثان الذي ظل يؤكد أن خدمة تزويد بلاده بالكهرباء تشهد تحسنا تعرض لموقف محرج حين انقطع التيار الكهربائي أثناء إلقائه كلمة رسمية في العاصمة الاقتصادية النيجيرية لايجوس ولم يتسن تصليح العطل حتى نهاية الكلمة. واعترب الرئيس النيجيري في تعامله مع ذلك الوضع المحرج أن التيار الكهربائي تم قطعه عمدا لتذكيره بالضرورة العاجلة لمعالجة هذه المشكلة في البلاد!!

إن الفساد ليس حكراً على البلاد الأفريقية ولا على نيجيريا ولكنها ظاهرة مقلقة وتؤدي إلى معاناة الملايين من الفقراء كما أن الفساد الظاهر في نيجيريا يدل على فشل الرأسمالية وقهرها للشعوب ويعطي أدلة ملموسة لمعاناة الناس مع مبدأ يحقيق قانون الغاب. يقول لوارنس كوكروفت في كتابه “الفساد العالمي: المال والسلطة والأخلاق في العالم الحديث” إن المحركين الرئيسيين للفساد – ويشمل الاقتصاد غير الرسمي والتمويل السياسي – هما دور الشركات متعددة الجنسيات والجريمة المنظمة وهما عاملان مشتركان بين العديد من دول أفريقيا” كما يشير الكاتب إلى أنه لا توجد قصص نجاح قاطع في مكافحة الفساد في أفريقيا إذ أن زعماء المعارضة السابقين الذين جاءوا للسلطة من أجل مكافحة الفساد انحرفوا عن المسار نتيجة الرغبة في البقاء في السلطة ولم ينتبه الكاتب لكون المعارضة نفسها ضالعة في الفساد ولا تترك الحكومة دون مشاركة في النهب والإختلاس وأنها تفتقر لأي رؤية أو سبيل لتخرج الناس مما هم فيه وتصلح ما أفسدته الرأسمالية المفسدة. يتحدث الكاتب في كتابه عن هيمنة ثقافة المستعمر ونظرته وتأثيرها على المستعمرات، عن الشركات متعددة الجنسيات وإفسادها للإقتصاد وعن الإنفتاح الإقتصادي الذي أدى لنهب موارد البلاد الفقيرة ولكنه يغض الطرف عن شركات النفط والدول الغربية التي وراءها ودورهم في نشر الفساد وإفقار العباد. تناسى الكاتب أن يذكر أن ما تنهبه الحكومات الأفريقية لا يتعدى سرقة الفتات بينما تركت الحكومات العميلة المتعاقبة المائدة عن رضا وطيب خاطر لأسيادهم المستعمرين.

 

المتتبع للتعليقات على ما نشر في الإعلام العالمي والعربي حول تقرير استطلاع منظمة الشفافية العالمية يرى تكرار نفس الأسئلة من عقول احتارت من حجم الفساد وتغلغله في المجتمعات: “ألا توجد دولة واحدة خالية من الفساد”، “ألا توجد حكومة واحدة نظيفة تتمتع بمصداقية وشفافية بدون مراقبة حثيثة”، “ألا توجد مراقبة ذاتية” نعم هناك دولة تحارب الفساد وتقضي على جذوره وهي دولة الخلافة الإسلامية التي ملأت أركان أفريقيا عدلاً ونوراً لمئات السنين.

 

نعم هناك حل وعلاج لكل داء وهو الحكم بشرع الله سبحانه وتعالى والإحتكام لنظام يرتكز بالدرجة الأولى على تقوى الله ونبذ كل ما يغضب الله عز وجل، نظام ينبذ الراشي والمرتشي والرائش بينهما، نظام قائم على أسس ثابتة لا تخضع لأهواء البشر، نظام رباني يخشى الحاكم والمحكوم فيه يوماً لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى لله بقلب سليم.

 


(( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ))

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

أم يحيى بنت محمد