الحيادية والنزاهة دعاوى باطلة لوسائل إعلام معادية
يعد الإعلام في زماننا الراهن أداة فاعلة في التأثير على توجه الرأي العام وعلى صياغته وتكوينه، فالإعلام في وقتنا الراهن يعد قوة مؤثرة حتى بدا للرأسماليين أن يطلقوا عليه اسم السلطة الرابعة لما له من أهمية وقوة وتأثير .
وأداة لها هذه الأهمية والقوة والتأثير لم يكن مستغرباً أو مستهجناً على الغرب أن يسيطر عليها ويسخرها لتمرير مخططاته ومؤامراته وحرب مشروع الأمة الحضاري الذي يراه تهديداً لوجوده الاستعماري وحضارته البالية، بل إن العديد من مؤسسات الإعلام في عصرنا الراهن كانت من إنشائه لتقوم بدور ريادي على مستوى قضايا العالم خدمة لمصالحه .
وظهرت أهمية وسائل الإعلام وتسخيرها لصالح مشاريع الاستعمار في ثورات “الربيع العربي”، حيث دأبت تلك الوسائل على الترويج لمشروع الدولة المدنية الديمقراطية، مشروع الاستعمار لإبقاء هيمنته ونفوذه على بلاد المسلمين، ومحاربة مشروع الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، مشروع الأمة التحرري النهضوي.
وفي مسعى منها للنجاح بالدور الموكل لها، ولإحراز قدر أعلى من التأثير على الرأي العام ومن تسويق المشاريع الاستعمارية، تلبس وسائل الإعلام لبوس النزاهة والحيادية، وحقيقتها خلاف ذلك، فما تدّعيه وسائل الإعلام من الحيادية والنزاهة والمهنية في نقل الخبر، هي دعاوى كاذبة ومحض خداع وتضليل، فهي لا تنقل الخبر إلا بعد تمريره على غرف التحرير (مطابخ الإعلام) ليظهر وفق السياسة المرسومة لتلك الوسائل بإعادة صياغته أو إظهار بعض جوانبه وطمس الأخرى أو حتى طمس الخبر بالكلية وذلك راجع لطبيعة الخبر وللسياسة المتبعة لدى تلك الوسائل.
إن ما تدّعيه وسائل الإعلام من حرية “الرأي” والنزاهة والحيادية وعدم الانحياز، هي دعوى باطلة للأسباب التالية:
أولاً: إن كبريات مؤسسات الإعلام هي مؤسسات مدعومة من قبل الدول التي توجهها أو تمتلكها أو تمولها وذلك كمؤسسة البي بي سي البريطانية، وشبكة الجزيرة، والعربية والحرة وغيرها، ومن البديهي أن من يملك المال يملك القرار.
ولنأخذ مثالين اثنين على موارد تلك المؤسسات:
• الجزيرة: فقد بدأت قناة الجزيرة الأصلية في عام 1996 بمبلغ 150 مليون دولار منحة من أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني. وتتلقى القناة دعم سنوي معلن من أمير قطر يقدر 30 مليون دولار وفق احصائيات عام 2004. ومن الجدير بالذكر أن القناة انطلقت في سنواتها الأولى بدون إعلانات تجارية.
• البي بي سي: فبالرغم من ادعائها بأنها لا تحصل على أي دعم حكومي لا من الحكومة البريطانية ولا من حكومة أخرى، إلا أن تمويلها الضخم لشبكة قنواتها التلفزيونية الفضائية والمحلية والإذاعات التي تديرها يأتي بشكل مباشر من خلال الضرائب التي تضعها الدولة على كل جهاز تلفاز في بريطانيا، تجمعها الحكومة البريطانية لتشكّل ميزانية عتيدة تذهب لتمويل البي بي سي بفروعها المختلفة. ولا يستقيم ذلك مع ادعائها عدم تلقي دعم حكومي، فمن يفرض الضريبة هي الدولة ومن يجنيها هي الدولة والقادر على الغاء هذه الضريبة هي الدولة، فالبي بي سي هي وسيلة إعلام تتبع ماليا للدولة البريطانية بصورة أو بأخرى.
ثانياً: عدم النزاهة وعدم الحيادية تثبت من خلال تتبع السلوك الإعلامي لتلك المؤسسات ويتمثل ذلك بالآتي :
أ . انتقاؤها للأخبار؛ وهذا يتم ضمن سياسة منهجية مرسومة ولا يكون ذلك كيفما اتفق، فالمؤسسة الإعلامية المعينة تنتقي أخبارها وفق توجهاتها السياسية لا الإعلامية، وهذا يفسر-على سبيل المثال- اهتمام مؤسسة إعلامية بخبر خروج عشرات في مسيرة في بلد ناءٍ وتسليط الأضواء عليها واعتبار هذه المسيرة تمثل رفضاً جماهيرياً لسياسات دولة ما بينما تتجاهل هذه المؤسسة خروج عشرات الآلاف في بلد يقع في قلب الأحداث وتعتبر هذا التحرك تحركاً فردياً لا يعول عليه ولا يلقى له بال.
ومثله أيضا تسليط الأضواء على اعتقال نظام لشخص مغمور لكنه عميل وتابع، وتجاهلها لاعتقال المئات لا بل آلاف الأشخاص في نفس البلد كونهم ينتمون لتيار إسلامي غير مرغوب به سلطوياً وإعلامياً.
ومثله كذلك تسليط الأضواء على مبادرات وأطروحات تكرس تبعية سوريا لأمريكا والغرب مثلا، وتجاوزها لميثاق الخلافة الذي وقعته عشرات الكتائب، وتجاهلها لهذا المشروع النهضوي المخلّص لسوريا والمسلمين من هيمنة الغرب، وعدم الإتيان على ذكره أو مناقشته ولو لدحضه أو معارضته.
ب. الشخصيات المستضافة في اللقاءات الصحفية والمقابلات التلفزيونية؛ إذ تعمد وسائل الإعلام إلى استضافة شخصيات تم إبرازها من خلال وسائل الإعلام هذه لإعطائها دوراً في الساحة السياسية، ويكون انتقاء هذه الشخصيات انتقاءً مدروساً موجها وليس عشوائيا بدليل توافق هذه الوسائل على شخصيات معينة ذات توجهات سياسية معينة وربما لا يكون لها أية صفة رسمية، كما حدث في تغطية تلك الوسائل لثورات مصر واليمن وسوريا وغيرها.
ج . تهميشها للحركات النهضوية الصحيحة الداعية لمشروع الأمة، الخلافة، وذلك تمشياً مع سياسة الحكام في حرب فكرة الإسلام والخلافة، ومثال ذلك تجاهلها لنشاطات حزب التحرير في العالم بأسره، في خضم الثورات وغيرها، وهي فعاليات ضخمة ملأت أصداؤها سمع الدنيا وبصرها، ومع ذلك تصر وسائل الإعلام باعتبارها طرفاً رئيساً وهاماً في حرب مشروع الخلافة على تجاهل هذه النشاطات والفعاليات خوف إبرازها وإظهارها للأمة لئلا يسرّع نشرها من تكون الرأي العام المناصر لفكرة الخلافة. وإذا ما اضطرت أن تتحدث عن الخلافة أو حزب التحرير لجأت الى الحديث مع شخص مناهض للحزب معادٍ لفكره وتوجهه لأجل التشويه والتضليل، بالرغم من أن المتحدثين الإعلامين والناطقين الرسميين والمكاتب الإعلامية للحزب منتشرة في جميع دول العالم، وهذا يدل على مدى الانحياز الذي تمارسه وسائل الإعلام ضد فكرة الخلافة والساعين لها.
هذه بعض الإشارات والأمارات الدالة على عدم صدق دعوى النزاهة والحيادية وعلى موقف وسائل الإعلام المعادي لمشروع الأمة وفكرها، مجسداً بمحاربتها لفكرة ومشروع الخلافة، وهي حقائق ملموسة وليست تكهناً أو رجماً بالغيب أو تأثراً بعقلية المؤامرة كما يسمونها بل هو قول يطابق الواقع بالكلية، والشواهد عليه أكثر من أن تحصى في هذا المقال، ويكفي للمرء أن يتابع نشرة إخبارية لقناة أو فضائية أو برنامجاً حوارياً ليدرك كم هي وسائل الإعلام غارقة في التآمر على فكر الأمة ومبدئها حتى أنها لم تعد تطيق أن تسمع صوتاً لدقيقة أو دقيقتين من أفراد الأمة هنا وهناك يتحدث عن الخلافة أو حزب التحرير، وكل ذلك يؤكد ضلوع وسائل الإعلام ومشاركتها للكافر المستعمر في حربه على الإسلام والمسلمين .
إن على وسائل الإعلام إن أرادت الخير- وأنّى لها ذلك وهي مملوكة وممولة من حفنة متآمرة على الأمة ومبدئها- أن تنحاز لقضايا الأمة فتبرز قضاياها وتسلط الأضواء على قادتها الحقيقيين وتقلع عن بث سمومها وأفكارها الخبيثة . فهل هي فاعلة؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
علاء أبو صالح