خبر وتعليق انقلاب مصر أو انتحار المسيح الدجّال
الخبر:
القاهرة (رويترز) – أكد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن مصر تجنبت حرباً أهلية كان يحتمل أن تعصف بها هذا الشهر، مما جعل من الصعب على واشنطن القول إن الإطاحة بالرئيس، محمد مرسي، كان انقلاباً عسكرياً.
وقال كيري للصحافيين، الأربعاء، أثناء زيارة للأردن حيث أجرى محادثات مع مسؤولين عرب، “بخصوص موضوع حدوث انقلاب (في مصر)، فمن الواضح أن هذا موقف صعب للغاية وبالغ التعقيد”، مضيفا أن “واشنطن لن تتسرع في اتخاذ قرار”.
وأضاف “كان هناك موقف غير عادي في مصر، مسألة حياة أو موت، مسألة احتمال اندلاع حرب أهلية وعنف هائل، والآن هناك عملية دستورية تتقدم للأمام بسرعة كبيرة”.
التعليق:
إنّ الانقلاب العسكري الذّي وقع في مصر هو حدث مشحون بدلالات قاصمة لظهر الغرب والعلمانيّة الماكرة في البلاد العربيّة والإسلاميّة:
1-إنّ الديمقراطيّة عند الغرب وفي النظام الرأسمالي ما هي إلاّ مخادعة كبرى للإبقاء على النفوذ والسّلطة بيد المستكبرين مع إيهام الجميع بالتحرّر والاختيار وتسيير الإرادة..
فالديمقراطيّة أشبه ما تكون بالمسيح الدجّال ظاهره الجنّة وباطنه النّار في ظلّها مورس الاستغلال الفاحش المقنّن والظلم المقنّن والحروب العالميّة والاستعمار الفظيع.. وفي ديمقراطيّتهم دوما متّسع لمعتقل “غوانتنامو” وللإبادة الجماعيّة بدعوى حماية الحريّة..
2-إنّ الديمقراطيّة باعتبارها من مستلزمات فصل الدين عن الحياة كان المقصود من إدخالها إلى بلاد الإسلام فقط إقصاء الدّين عن الحياة أي إقصاء الدين عن التشريع وتسيير شؤون النّاس العامة أما الشقّ الثاني وهو الانتخاب والاختيار تحت مستلزم فصل الدّين عن الحياة فالأمر لعبة كما يسمّونها مقدور عليها وتقتضي بعض الخبرة في التمويه والمكر والمخادعة بما قبل الانتخاب وعنده وبعده..
وعموما يظلّ مقياس قبول الديمقراطيّة عند النّاس هو مقارنتها بالدكتاتوريّة المرعبة لا قياسها من كونها حقّا أم لا أي قياسها بأحكام الإسلام العظيمة..
وبظلّ الاختيار (هذا الوهم المنظّم) إن سمح به في الدائرة الدوليّة المرضي عنها مع ضمان فصل الدين عن الحياة في الصغيرة والكبيرة وتأمين مصالح الكبار القذرة..
3-إنّ العلمانيّة بهذا المعنى لا تكون إلاّ مشروعا حربيّا دمويّا على الإسلام والمسلمين وديموقراطيّة الغرب لا تمكّن المسلمين إلاّ من اختيار الأشخاص والأسلوب الذي به يذبحون حضارتهم ودينهم أي كينونتهم وحين تنفلت الأمور قليلا أو توحي بمقدّمة الانفلات كما هو الشّأن في مصر ينقلبون مكرا وبغيا وحنثا بكلّ صفاقة ووقاحة..
لينفوا بذلك لا الحقّ فقط عن المبدأ الرّأسمالي الليبرالي بل والصّدق أيضا.. إذن ديمقراطيّتهم سجن فيه حديقة يوهم بالفسحة ولكنّ أسواره عالية جدّا وسميكة جدّا وحرسها شديد.
4-بمعنى آخر إنّ هذا القسم التضليلي التمويهي (الانتخابات) حين يقدّمه الغرب ويباشره في العالم الإسلامي بكلّ طاقة التبشير يجده غير قادر على استيعاب واقع الإسلام وممكنه وواقع المسلمين وممكنهم فهو:
– مصادم للإسلام إذ إن طرحهم يظلّ واقفا في مكانه متوتّرا متحفّزا للغدر كلّ حين فالإسلام أعظم وأشمل وأكبر من الديمقراطيّة التي سرعان ما تتورّط في تشابك معرفي في الكليّات والجزئيات من قرآن وسنّة تنقضها نقضا.. وتتورّط من قبل في خصومة منهجيّة صارخة مع منهج الإسلام “إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا”..
– مصادم للمسلمين لا يستوعبهم فهمّتهم وإن كانوا مستغرقين بالواقعيّة العفنة وإن نظر إليهم مجرّد سكّان أو مواطنين وإن عطّلوا عن فهم دينهم الفهم المستنير.. فهمّتهم أعلى من أن يكونوا تابعين أو مدرجا من مدارج الرأسماليّة.. ويكفي النظر إلى مشاعرهم العامّة التي تترجمها بعض المقولات السارية مسرى العرف (الإسلام صالح لكلّ زمان ومكان) (عصمتنا في ديننا) (لو تمسّكنا بديننا لكنّا خير النّاس) (الإسلام رحمة للعالمين) الخ.. هذه المقولات وما يحفّها من مشاعر بمجرّد أن يتطلّع بها النّاس إلى شيء من العزّة بالمنازعة للموجود والسعي إلى التمكّن واستعادة ذاتية الأمّة ولو في دلالاتها العامة حتى ينقلب الغرب على ديمقراطيّته ليذبحها شاهدا على نفسه بالزّور والغدر وأعلى درجات النفاق ومثال الجزائر في أوّل التسعينات مرعب إذ حين اختار الناس الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ انقلبوا عليهم وانقضّوا عليهم وكلّفوا البلاد أكثر من 200 ألف قتيل وهم مستعدون للمزيد..
5 -إنّ الغرب لا يريد من الديمقراطيّة في البلاد الإسلاميّة مطلق الإرادة للنّاس لأنّ ذلك هو إبطال للديمقراطيّة ذاتها وتمايز عن الغرب وإنّما يريد من الديمقراطيّة أن تدجّن وتدجّل طاقة الإسلام القياديّة (الولاء لله ورسوله والطّاعة ثمرة الإيمان) ويريد أن تضمن له الديمقراطيّة نفس ما تضمنه الديكتاتوريّة (مع فارق وهم التحرّر): أي اعتماد المدوّنة القانونيّة الغربيّة والقيادة الفكريّة الغربيّة وعدم تولي الأمّة بل عدم مطالبتها بتولّي أمرها تحرّرا واسترجاعا للثروات والقدرات والوحدة التي تجعل ذمّة المسلمين واحدة.. وتحرير فلسطين.. واتّخاذ قرارات ذاتيّة مصيريّة..
بمعنى آخر يريدون أن تكون ثمرة الديمقراطيّة هي نفسها ثمرة الدكتاتوريّة: فصل الدين بل إزاحته عن الحياة وموالاة تامّة للغرب بمعنى آخر يريدون من الديمقراطيّة أن تكون أعلى تجليّات الدجل الفكري والسياسي والأيديولوجي أي قيادة فكريّة مخاتلة ومخادعة:
اختيار واهم مموّه بين موال وأكثر موالاة وبين علماني ومن هو أقلّ علمانيّة وبين عميل ومن هو أقذر عمالة لتكون الديمقراطيّة الحبل الذي تنتحر به الأمّة وذلك بجعلها استفراغا لطاقة الجهد وتعطيلا لطاقة الوحي مع تحويل وجهة الأمة تحت حماية فكر غربي مسلّح مهدّد بالانقلابات والمعتقلات.. ولكن هذا الانقلاب الواقع في مصر ومن قبله فلسطين ومن قبله الجزائر وغيرها يؤكّد أنّ مسيحهم دجّال وأنّه أكثر من ذلك جبان، بائس شرع في الانتحار..
عسى أن يردّ هذا الشاهد الواقعي بعض المسلمين المغرّر بهم إلى رشدهم إلى دينهم حيث الجنّة حقا هي الجنّة وجهنّم حقا هي جهنّم..
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رضا بالحاج / رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير تونس