التغيير والإصلاح وما يحدث في البلدان الثائرة
التغيير لغة من غيَّر الشيء أي حوَّله، وجعله غير ما كان في قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد:11، والتغيير لا يربط بالتحول من السيء إلى الحسن، بل قد يكون العكس، فأي تحول أو جعل السيء على غير ما كان هو تغيير.
أما الإصلاح لغة فهو: من أصلح ضد أفسد، فالإصلاح ضد الإفساد، وقد وردت مادة أصلح في القرآن الكريم في قوله تعالى:{ وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف:142) وقوله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} (الأعراف:56). فهذه المواضع وغيرها تبين أن الإصلاح لا يكون إلا تحسينا لوضع فاسد، وتغييرا إلى الحسن دائما بخلاف التغيير, وبهذا يمكن أن نحدد الإصلاح اصطلاحا بأنه كل تغيير إلى الأحسن.
إن طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحكم طريقة انقلابية, يعني أن تطبق الأحكام دفعة واحدة، بصورة شاملة لجميع نواحي الحياة. وبعبارة أخرى ترفع نظاماً فاسداً وتضع بدله نظامها الصحيح، ولا ترى الترقيع في الإصلاح إلا تعويقاً للإصلاح, وليس التدرج من الطريقة الإسلامية، لا في التشريع ولا في التوجيه، فإذا حرّم الإسلام شيئاً أو أوجبه، فإنّما يحرمه أو يوجبه دفعةً واحدةً، أي تحريماً وإيجابا انقلابياً.
ولما أنْ تَخلَّفت الأُمَّة الإسلاميَّة بِبُعدها عن مصدر سعادَتِها، ومنبع هدايتها وعزها، وقَع عليها مِن ألوان الذُّل ما وقع, فالمتأمِّل إلى الواقع المعاصر للعالَمِ الإسلاميِّ والعربي، يرى بِوُضوحٍ أنَّ كل”الحكومات” و”الأنظمة” و”الأحزاب” التي تَحْكم شعوبَه إنَّما هي أنظمة مُوالِيَةٌ للغَرْب وتدين بالعلمانيَّة، وهي تستمدُّ قوَّتَها في إنشاء القوانين والدساتير منها.
إنَّ الذي وقع على أرض تُونُس وغيرها لَهُو أمر حَتْم، لأنَّ تاريخ العالَمِ الإسلاميِّ والعربي مُشْرقٌ، فحضارتنا الإسلاميَّة إنَّما قامت على الإسلامُ ببعثة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
إن الطَّريق إلى الإصلاح والتغيير لا يتم إلا بناء على فكرة سياسية واضحة مستمدة من المبدأ الذي تدين به الأمة, فإن طرأ خلل في الفهم فيمكن إصلاحه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأما إن كان الأصل مخالفا لأمر الله ونهيه فلا يسمى ترقيعه إصلاحا لفساد أصله, فأي حزب أو حركة تدعو أو تعمل للإصلاح والتغيير فاشلة إن جعلت الديمقراطية أساسا أو مصدرا.
إن الأَمْر لا يترك فضاءً للعابِثين والمتسلِّقين على أكتاف الحقِّ؛ ليصلوا به إلى أطماعهم وغاياتِهم الرَّخيصة عبر شعار (الإسلام هو الحل)، وإنَّ ما نراه في البلاد الثائرة أن هذه الثورات تتقاذفها أمواج مصالح الكافر المتضاربة والمتقاطعة والتي لا تنتج إلا الفوضى, والعداء للإسلام عبر الصورة السيئة التي يعطيها من ركب الإسلام عن الإسلام, أو يقال بأن الإسلام السياسي قد فشل وأنه لا يصلح, وهذا ينذر بأن تعود الأمور كما كانت أو أسوأ، ولكن بثوبٍ آخَر، ووَجْه آخر.
إنَّ هذه الثَّورة لن تعود بفائدةٍ تُذْكَر، ولا تغيير مؤثِّر، في حياة النَّاس وواقعِهم إذا فقدت الثورة بوصلتها أو اختار أصحاب هذه الثورات أن يَحْملوا معهم مناهِجَ وتصوُّراتٍ بشريَّةً مهجنة تزاوج بين الإسلام والعلمانية، وهذا يجعل الأُمَّة تدور في دوَّامة مفرغة وخاوية، ليس لَها من دون الله كاشِفَة.
إن المستفيد الأوَّل من هذا كلِّه هو العالَمُ الغرْبِيُّ واليهود الصَّهاينة، نعَم هم من سيَجْني ثَمرة هذه الثَّورة بِخَلْق عُمَلاء آخَرين، وسياسات عربيَّة أخرى تُذْعِن لَهم وتعطيهم بعض الذي مُنِعوا مِمَّن سبقها، وكذلك الاستفادة الْمُرَّة من فوضى تعمُّ العالَم الإسلاميَّ لا يَحْكمها ضابِطٌ ولا منهجٌ ولا فكرة سياسة، وكما يُقال عندهم: “فوضى خلاَّقة”.
جواد عبد المحسن