Take a fresh look at your lifestyle.

مقالات رمضانية حرمة التسعير والاحتكار والغبن الفاحش

1-التسعير:- وهو أن تأمر الدولة أو من ولي أمر المسلمين أهل السوق أن لا يبيعوا السلع إلا بالأسعار التي تضعها الدولة ويمنعوا من الزيادة على هذه الأسعار أو النقصان عنها حتى لا يضاربوا غيرهم .

 

وقد حرم الإسلام التسعير مطلقاً لما روى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله لو سعّرت فقال:- (إن الله هو الخالق القابض الباسط, الرزاق المسعر, إني لأرجو أن ألقى الله, لا يطلبني أحد بمَظلِمةٍ ظلمتها إياه في دم ولا مال ). ولما روى أبو داوود عن أبي هريرة قال:- أن رجلاً جاء فقال يا رسول الله, سعّر. فقال:- بل ادعوا. ثم جاءه رجل فقال:- يا رسول الله سعّر.فقال: ( بل الله يخفض ويرفع ).

 

فهذه الأحاديث أدلة على تحريم التسعير, وعلى أن التسعير مظلِمة من المظالم التي ترفع الشكوى بها على الحاكم لمحكمة المظالم لإزالتها والحاكم بوضعه تحديداً للأسعار يكون آثما عند الله لأنه فعل حراماً.

 

وتحريم التسعير عام لجميع السلع, لا فرق في ذلك بين ما كان قوتاً وما لم يكن كذلك لأن أحاديث النهي عن التسعير مطلقة فهي عامة ولا يوجد ما يخصصها بالقوت أو بغيره.

 

وضرر التسعير من أشد الأضرار على الأُمة في جميع الظروف سواء أكان ذلك في حالة الحرب أم في حالة السلم لأنه يفتح سوقاً خفيةً -السوق السوداء-. فترتفع الأسعار فيشتريها الأغنياء ولا يقدر عليها الفقراء.

 

فلا يجوز تحديد الأسعار من قبل الدولة لأن تحديد الأسعار يؤثر في الاستهلاك وبالتالي يؤثر على الإنتاج وربما يسبب أزمة اقتصادية.

 

2-الاحتكار:- وهو في اللغة مأخوذ من حَكََرَ وهو في اللغة بمعنى استبد ومنه الاستبداد بحبس البضاعة كي تباع بالكثير, واحتكر الشيء جمعه وحبسه انتظاراًً لغلائه فيبيعه بالكثير.

حكم الاحتكار:- الاحتكار حرام شرعا لورود النهي الجازم عنه في صريح الأحاديث فقد روى مسلم في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا يحتكر إلا خاطئ). وروى الأثرم عن أبي أمامة قال (نهى رسول الله أن يُحتكر الطعام).

وروى مسلم بإسناده عن سعيد بن المسيب أن معمراً قال:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من احتكر فهو خاطيء). فالنهي في الحديث يفيد طلب الترك وذم المحتكر بوصفه أنه خاطيء – والخاطئ هو المذنب العاصي – وهذه قرينة تدل على أن هذا الطلب يفيد الجزم, ومن هنا دلت الأحاديث على حرمة الاحتكار.

 

ويشترط أن ينطبق على الاحتكار أن يبلغ حداً يضيق معه على أهل البلد شراء السلعة المحتكرة, لأن واقع الاحتكار لا يحصل إلا في هذه الحال, فلو لم يضق على الناس شراء السلعة لا يحصل جمع البضاعة ولا الاستبداد بها كي تباع بالكثير, وعليه فليس شرط الاحتكار شراء السلعة بل مجرد جمعها انتظاراً للغلاء حتى تباع بالكثير وضاق ذلك على الناس يعتبر احتكارا.

 

وسواء جمع ذلك بالشراء أم جمعها من غلة أراضيه الواسعة لانفراده بهذا النوع من الغلة أو لندرة زراعتها أو جمعها من مصانعه لانفراده بهذه الصناعة أو لندرة هذه الصناعة.

 

فالحُكرَةُ والاحتكار هو حصر السلعة أو السلع عن البيع انتظاراً لغلائها. فيبيعها بالكثير.

 

والاحتكار حرام في جميع الأشياء من غير فرق بين قوت الآدميين أو قوت الدواب أو غيره. ومن غير فرق بين الطعام وغيره ومن غير فرق بين ما هو من ضروريات الناس أو من كمالياتهم. وذلك لأن معنى احتكر في اللغة جمع الشيء مطلقاً ولم تأت بمعنى جمع الطعام أو القوت أو ضروريات الناس بل جمع الشيء , فلا يصح أن تخصص بغير معناها اللغوي. ولأن ظاهر الأحاديث التي وردت في الاحتكار يدل على تحريم الاحتكار في كل شيء. وذلك لأن الأحاديث جاءت مطلقة من غير قيد, وعامة من غير تخصيص فتبقى على إطلاقها وعمومها. حتى الروايات التي ذكرت الطعام هي أحاديث مطلقة وعامة فيشمل النهي عن الاحتكار كل شيء مطلقاً.

وواقع المحتكر أنه يتحكم في السوق ويفرض على الناس ما يشاء من أسعار فيضطر الناس لشرائها منه بالثمن الذي يفرضه ويحدده لعدم وجودها عند غيره. وهذا حرام لما روي عن معقل بن يسار قال:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم, كان حقاً على الله أن يقعده بعُظم ٍمن النار يوم القيامة ).

 

3-الغبن الفاحش:-

الغبن في اللغة هو الخداع, يقال غبنه غبناً في البيع والشراء خدعه وغلبه. وغبن فلاناً نقصه في الثمن. فهو غابن وذاك مغبون. والغبن هو بيع الشيء بأكثر مما يساوي, أو بأقل مما يساوي.

 

حكمه:- الغبن الفاحش حرام شرعاً لأنه ثبت في الحديث الصحيح طلب ترك الغبن طلباً جازماً. فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا ً ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال صلى الله عليه وسلم ( إذا بايعت فقل لا خلابة ).

 

وروى أحمد عن أنس أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع, وكان في عقدته- يعني في عقله ضعف -, فأتى أهلُه النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله, أُحجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعفا. فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع, فقال يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع, فقال صلى الله عليه وسلم ( إن كنت غير تارك للبيع فقل ها وها ولا خلابة ).

 

وروى البزار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه( نهى عن بيع المحفلات) .

والخِلابة بكسر الخاء- الخديعة -. فهذه الأحاديث قد طلب فيها ترك الخلابة أي الخديعة, والخديعة حرام. ومن هنا كان الغبن حراماً. إلا أن الغبن الحرام هو الغبن الفاحش لأن علة تحريم الغبن هو كونه خديعة في الثمن. ولا يسمى خديعة إذا كان يسيراً. لأنه يكون مهارة في المساومة. وإنما يكون خديعة إذا كان فاحشاً, فإذا ثبت الغبن الفاحش, فإن للمغبون الخيار, إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه. فان كان المغبون هو البائع جاز له أن يرد الثمن ويسترد السلعة وإن كان المغبون هو المشتري جاز له أن يرد السلعة ويسترد الثمن. وليس له أن يأخذ الفرق بين ثمن السلعة الحقيقي وبن الثمن الذي بيعت به السلعة. أي ليس له أن يأخذ (الأرش). لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار بين أن يفسخ البيع أو يمضيه فقط, ولم يجعل له غير ذلك.

 

وروى الدار قطني عن محمد بن يحيى بن حبان قال:- قال عليه الصلاة والسلام ( إذا بعت فقل لا خلابة, ثم أنت في كل سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليال, فان رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها ) وهذا يدل على أن المغبون يثبت له الخيار إلا أن هذا الخيار يثبت بشرطين أحدهما:-عدم العلم وقت العقد. والثاني:- الزيادة أو النقصان الفاحش الذي لا يتغابن الناس بمثلهما وقت العقد. والغبن الفاحش هو ما اصطلح التجار على كونه غبناً فاحشاً وهو يختلف باختلاف البلدان والسلع والأسواق.

 

 

 

الشيخ صالح ابو الضياء