خبر وتعليق أيتها الجماعات الإسلامية تعالوا إلى كلمة سواء
الخبر:
تتردد في الفضائيات والإذاعات تخوفات وتهديدات من البعض بإمكانية كفر جماهير المسلمين باللعبة الديمقراطية جراء ما حدث ويحدث في أرض الكنانة والذي ما زلنا نتابع فصوله حتى كتابة هذه الكلمات.
التعليق:
من كانوا- وبحمد الله ما زالوا- يصدرون في أحكامهم على الأفكار وصحتها من قاعدة رد كل فكر إلى الكتاب والسنة ومعرفة مدى مطابقته لهما أو إمكانية بنائه عليهما قالوا منذ وقت طويل أن الديمقراطية، والتي تعني قولا وفعلا أن البشر هم الذين يملكون حق التشريع والتقبيح والتحسين، نظام يخالف الإسلام ويناقضه في الأس الذي بني عليه، وفي الفروع التي انبثقت عنه. وللأسف الشديد أنكر عليهم دعاة الواقعية ممن ينتسبون للإسلام السياسي قولهم هذا وهاجموهم ووصفوهم بالجهل والجمود. أما وقد رأينا فيما مضى من أيام نحسات كيف انقلب وتنكر دعاة الديمقراطية في مصر الكنانة ومن خلفهم، بل وأمامهم، دعاتها في العالم الغربي لأفكارهم وآليات ديمقراطيتهم البائسة لها. وبدأوا يبررون بأقوال تفضح أكثر مما تغطي، وتحسب عليهم لا لهم، وتضحك أكثر مما تقنع، كقول أحدهم: إن ما حدث، يقصد استيلاء العسكر على السلطة علانية لا خفاء كما كان على أيام مرسي، كان ديمقراطية خلاقة (وهذا يعني وجود أخرى غير خلاقة!)، وكحديثهم عن شرعية الصندوق وشرعية الشارع، وغيرها الكثير من المقولات السمجة التي لا تنطلي على المتابع الحصيف المنصف وكلها تظهر مدى الارتباك والحرج اللذين أصابا دعاة حكم الشعب للشعب. إننا وإن كنَا نُصاب بالكمد والحزن الشديدين لرؤية أخواتنا وإخواننا يسحلون ويقتلون ويحرقون بدم بارد ظلما وعدوانا، ولكنَا نحس في نفس اللحظة بدنو ساعة النصر وقرب انبثاق الفجر، مصداقا لقوله تعالى: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }. كيف لا نستشعر ذلك وقد بدأ الأسد يأكل أبناءه وجد بني علمان في الغرب والشرق بتخريب منظومتهم الفكرية والعقدية بأيديهم مما يؤذن ببداية النهاية. ونحن بدورنا وطلبا للأجر وطمعا في رضى الخالق نود أن نعمل معاولنا في هدم هذه المنظومة الفكرية الغربية اللا إنسانية الظالمة السادية التي تتعطش وترقص طربا لرؤية أدمغة أبناء هذه الأمة تحمل على الأيدي بعد أن حطمت الجمجمة ولا يجد قائلهم في جريدة الأوبسيرفر غير هذه الكلمات ليعبر بها عن مدى كرهه للإسلام والمسلمين: بالرغم من كرهي لقتل المحتجين، إلا أني لا أحس بأي تعاطف مع الرجال والنساء الرجعيين في جماعة الإخوان المسلمين.
لما تقدم فإنَا نعزم على إخوتنا في جماعة الإخوان المصرية وحركة النهضة التونسية وكل الجماعات الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها أن يراجعوا سيرهم بإخلاص وتجرد وأن لا يدفنوا رؤوسهم في الرمال وأن يثوبوا إلى رشدهم. فقد شاركوا في اللعبة الديمقراطية وربحوها وها هم دعاة الديمقراطية ينقلبون عليهم ويقتِلون أبناءهم ونساءهم ويرمون بقياداتهم في غياهب السجون، ورضوا بالحريات ودعوا لها وسمحوا بالفسق والفجور في قنوات الدولة وها هي حرياتهم تصادر ويمنعون حتى من مجرد رؤية أهليهم وذويهم، عاهدوا والتزموا لعدو الله أمريكا بالحفاظ على كامب ديفيد وها هي أمريكا تتنكر لهم ويدعوهم ماكين لأن ينسوا إمكانية عودة مرسي للحكم. والحال في تونس القيروان تسير في نفس الخط والله المستعان! أيها الإخوان لا مكان للدولة القطرية في عقل المسلم شرعا، فاجعلوا دعوتكم وحزبكم للأمة فعلا لا قولا ووجهوا جهدكم للتمكين لمشروع الإسلام لا لأعضاء الجماعة. حرروا عقولكم ومشروعكم من واقعية الذل والهوان التي لا ترى إمكانية للنهوض الاقتصادي وللانعتاق المالي مثلا إلا بأخذ القروض الربوية من صندوق النقد الدولي واتباع وصفاته المميتة، واجعلوا عقولكم تبحث في كتاب الله وسنة رسوله عن حلول لمشاكلنا بعيدا عن فكر الغرب ورأيه فقد جربنا كل ذلك فما زادنا إلا خسارا. وقبل ذلك وأثناءه وفي كل حالكم اجعلوا ثقتكم بالله وإيمانكم به الحافز على العمل والمسير له، واحرصوا على فهم حال الأمم والشعوب من حولكم وافهموا وادرسوا الوقائع والأحداث كما ينبغي لراعي الأمة والمسؤول عنها. ولا تجعلوا للكافر الغربي والشرقي أي مكان بينكم، لا استشارة ولا وساطة ولا غيرها، فكيف تتهمونه بالإيقاع بينكم ثم تبحثون عن الحل عنده!، وانبذوه نبذ النواة هم العدو فاحذروهم. ولا تجعلوا لمن ظلم وسعى في الأرض بالفساد أي حظوة ومكانة، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار. واعلموا أن الله معكم ولن يتركم أعمالكم.
لا شك بأن ما سبق غيض من فيض ما ينبغي عمله، ولكن تسارع الأحداث ووقعها على النفس تجعل الأفكار تتداعى في الذهن فلا يسعها المكان فيخرج بعضها مسرعا ويستقر على لوحة المفاتيح!
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وعودا إلى ذي بدء أقول: أيها الإخوان، أيتها الجماعات الإسلامية: تعالوا إلى كلمة سواء:
أن نكفر بالديمقراطية وما انبثق عنها من حريات ولا ندعو لها أبدا،
أن نتبنى حق المسلمين في اختيار حكامهم ومحاسبتهم على أساس الإسلام
فإن توليتم فاعلموا أنكم توردون الأمة موارد الهلاك وأن الغرب وعملاءه السياسيين والفكريين والعسكريين لن يتركوكم إلى أن تنقلبوا على أعقابكم خاسرين
والله نسأل أن يعجل لنا بنصره الذي وعد، وأن يستخدمنا في طاعته فإنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلِّ اللهم وسلم علي نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو يحيى عمر بن علي