خبر وتعليق لا ولاء إلا لله
الخبر:
ملأت في الآونة الأخيرة الشوارع التونسية لافتات كبيرة لافتة للنظر مخطوط عليها شعار: لا ولاء إلا لتونس وذلك تناسبا مع ما تعيشه تونس من أزمة سياسية تتضافر الجهود لحلها بإيجاد أرضية مشتركة تجمع الشركاء المتشاكسين على أرضية واحدة للحوار والتشارك والتوافق.
التعليق:
الحمد لله أن جعلنا مسلمين وأن جعل ولاءنا خالصا لوجهه الكريم ولرسوله والمؤمنين. إلا أن الغرب بعدائه الظاهر والباطن للإسلام وأهله، عمل على حصر ولاء المسلمين في الرقعة الترابية التي ينتمون إليها بعد أن أوجد بينهم حدودا وصنع لهم أوطانا ودفعهم للحفاظ عليها بالتنازل والرضا بالقليل، ثم أمام تنامي الصحوة الإسلامية في فترة ما بعد الثورات، ابتكر الغرب لتكريس نفس الحدود بين الأمة الواحدة فكرة التوافق والحل التشاركي بما يمكّن العلمانيين من المشاركة في الحكم إلى جانب الإسلاميين المتنازلين فينغمسان سويا في ما تعلق بشؤون الرقعة الجغرافية الموجودين عليها.
وهكذا، ينتهج المسلمون بفعل فاعل اليوم مسارا جديدا بعنوان قديم خادع هو الولاء للوطن؛ السقف الذي يراد للجميع العيش في ظله غير متطلعين إلى ما وراءه.
ولهذا فإن على حملة دعوة الإسلام المبدئيين كشف سوء هذا المسار ببيان:
أولا: بالفكر بتفهيم الأمة أن رابطة الوطن رابطة منحطة تنشأ كلما هبط الفكر، حيث يغيب الفكر المبدئي في المجتمع ويتعلق أفراده بالرابطة الوطنية ويحصر انتماؤهم في الرقعة الترابية بطريقة تنسيهم رابطة العقيدة الاسلامية وقيمة الأخوة في دين الله، ولذلك فإن فكرة التوافق كمعيار مغلوط لحل مشاكل الناس هي فكرة خادعة خاطئة، تغيّب البحث عن المبادئ والأفكار الصحيحة التي يتم بها معالجة مشاكل الحياة معالجة جذرية، بل تدفع كلا الطرفين المتوافقين إلى التخلي عن الأفكار والمبادئ التي يؤمنان بها، وإلى النزول من مستوى إيجاد الرابطة الفكرية الصحيحة إلى مستوى انعدام الفكر والانقياد إلى الرابطة الوطنية بوصفها رابطة مشاعرية عاطفية ومظهراً من مظاهر انقسام الأمة وتشرذمها.
وهكذا يضيع الولاء للمبدأ في المجتمع ويحل مكانه الولاء للوطن الذي صنعه أعداء الأمة.
ثانيا: سياسيا: من خلال توضيح أن التوافق فكرة خبيثة لا يصح البتّة أن تكون أساسا لبناء المستقبل السياسي لخير أمة أخرجت للناس، ولا يجدر أن تكون منطلقا لأي مسار سياسي فيها، لذلك نجد الكافر المستعمر يراهن على وجود وكلاء له في بلاد الإسلام يوظفهم لتمرير مشاريعه وخططه الماكرة تحت عنوان التوافق وتغليب المصلحة الوطنية ضمن مسارات مفتعلة مصطنعة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.
ثالثا والأهم: شرعا: بترسيخ مفهوم أن القبول بإمكانية التقاء الكفر بالإيمان في منتصف الطريق قول باطل عقلا وشرعا لا ينادي به إلا من ضعف حمله للعقيدة الإسلامية.
فهم لم يكتفوا بالتطاول على الله بأن جعلوا من أنفسهم أندادا له في الحكم بل جاهروا بالمعصية واعتدوا على عقيدة أهل هذا البلد التي بقيت راسخة ثابتة رغم الغبش الذي يكتنفها والغبار الذي يعلوها، عقيدة الولاء والبراء، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراء من كل من حادّ الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين، قال تعالى “قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ” قال تعالى “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ”.
وعليه يبطل تباعا ما بني على باطل، ومنه الولاء لغير الله. ذلك أن مفهوم التوافق يقتضي أن يوالي المرء عدوه من أجل المصلحة فجاء الخطاب القرآني محذرا المؤمنين من موالاة الكفار “لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ”.
وأختم قولي، أمن أجل تونس يعطل الحكم الشرعي؟؟ أمن أجل تونس يصبح التشريع للبشر؟؟ أمن أجل تونس تلتقي مصالح الكفار والمسلمين؟؟ أمن أجل تونس يلفظ القرآن لأنه لا يعترف به العلمانيون؟؟ من أجل تونس يقنن الشذوذ: الشذوذ الجنسي والشذوذ السياسي؟.. إلخ، فعن أي وفاق يتحدثون؟ وقد رأينا رأي العين أن غاية السياسيين هي إرضاء أسيادهم ابتداء ثم تحقيق مصالحهم لا مصالح هذه الأمة المسكينة.
يا أمة الإسلام ألم تستفيقي بعد من هذا السبات العميق؟ إلى متى ترضين بهذا الذل والهوان؟ آستنكارك لتلك الشعارات واللافتات وما فيها من مس لحضارة الإسلام تكفيه مسح ومحو؟؟ .. ألا يستحق إسلامنا العظيم وشريعتنا الربانية الخروج من أجلها ومكافحة هؤلاء الرويبضات وفك زمام السلطة من يد الأعداء وإعلاء صوت واحد:
إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زينب الدجبي/ تونس