خبر وتعليق من يفوز بلقب عاصمة الاغتصاب في العالم
الخبر:
تناولت الصحف خبر تعرض مصورة صحافية هندية تبلغ من العمر 22 عاما لحادث اغتصاب يوم الخميس الماضي، في مومباي (أكثر مدن الهند أمانا بالنسبة للنساء) عندما كانت في مهمة صحافية مع زميل لها تعرض للضرب المبرح من قبل المغتصبين الخمسة. وقد أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان الاغتصاب الجماعي المروع كانون الأول الماضي في حافلة متحركة في نيودلهي والذي راحت ضحيته متدربة في مجال العلاج الطبيعي. تزامن هذا الخبر مع حادث وحشي تعرضت له امرأة في جنوب أفريقيا في منزلها حيث انتهك فيه عرضها وقتلها الجناة ثم مثلوا بجثتها بشكل تعجز الكلمات عن وصفه، وتعد هذه واحدة من جرائم الاعتداء الوحشي المتكرر على النساء في جنوب أفريقيا وهي حالة مثل 47 896 تم تسجيلها رسميا في العام الماضي (2011-2012) أي بمعدل 132 حالة يتم الإبلاغ عنها يومياً. ذكرت مؤسسة الدراسات الأمنية في بريتوريا (26 آب 2013) أن هذه الأرقام جزء بسيط ومجرد إشارة لحجم المشكلة والحالات التي لا يبلغ عنها كثيرة.
التعليق:
المتتبع لجرائم الاغتصاب الجماعي وحالات الاعتداء والتحرش التي تشتكي منها النساء عبر العالم يلاحظ خطأ النظرة النسوية التقليدية لأسباب الاغتصاب التي تصوره كناتج عن هيمنة الرجال على النساء وأن هذا النمط من العنف ينتشر في المجتمعات التي يختل فيها ميزان المساواة بين الرجل والمرأة. يصورون أن الاعتداء على النساء مرتبط بالموروثات الثقافية والدينية وأن العلمانية والليبرالية تحفظ للمرأة كرامتها وتدمجها في المجتمع بشكل كامل بحيث تكون الشراكة لا السيادة أساس العلاقة مع المرأة. وكلما تم تفعيل دور المرأة في المجتمع كلما ضمنت المرأة حقوقها وحظيت بالاحترام ونالت استقلاليتها. في ظل هذه الأجواء تسعى المرأة بكل ما أوتيت من قوة لنيل نصيبها من التعليم والعمل لكي تحقق الهدف وتحصل على الأمن والأمان محتمية بنماذج مروجة لنساء ناجحات يصورهن الرأي العام كقدوة. ولا شك أن المرأة سواء في الهند أو في جنوب أفريقيا قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال وأصبحت محل غبطة جاراتها في دول أفريقيا وشبه الجزيرة الهندية اللواتي يقفن متحسرات على وضعهن البائس مقارنة بالمرأة في الهند وجنوب أفريقيا. هذه المرأة المتعلمة العاملة التي لم تتأخر في تطبيق النموذج الليبرالي الغربي تصور على أنها نموذج إقليمي يحتذى به.
بالرغم من السعي الحثيث للمرأة في هذه البلاد للمشاركة في النمو الاقتصادي وتفعيل دورها في المجتمع إلا أن العنف ضد النساء وجرائم العرض التي تنفذ بوحشية ظاهرة لا يمكن تجاهلها وأصبحت كل من الهند وجنوب أفريقيا تلقبان بعاصمة الاغتصاب في العالم. ها هي أكبر ديمقراطيات العالم تسجل أعلى معدلات الاغتصاب الجماعي في العالم حتى أصبحت أقصى أماني الفتاة في مومباي أو نيودلهي أن تسير في الشارع دون أن يهددها شبح الاغتصاب فماذا جنت من المكاسب المزعومة؟ المجتمع الهندي يقف أمام المرآة ليرى قبح القيم التي تقوم عليها الدولة وأن الليبرالية أضافت لمعاناة المرأة الهندية الناتجة عن عادات بالية ومعتقدات تنافي العقل والفطرة عادت المرأة وقمعتها. فشلت كل المعالجات وبالرغم من سن البرلمان الهندي قانونا لتشديد عقوبة الاغتصاب، وإقرار عقوبة الإعدام في حالات معينة إلا أن الجرائم الوحشية في ازدياد مخيف.
مع كل جريمة تتعالى أصوات المناشدين للتغيير في المجتمع والمسيرات المنددة بالعنف ضد المرأة حتى ظهر للجميع أن الأزمة في القيم السائدة في المجتمع وفشلها في حماية المرأة لا القوانين التي تطبق على المخالفين والمجرمين. هذا العنف الممنهج ضد المرأة نتيجة طبيعية للهث وراء الحلم الرأسمالي الذي يخرج أسوأ ما في النفس البشرية وأحطه، نتيجة واقع يرى فيه الفقراء والبؤساء غلبة رأس المال في المجتمع وقهر كل قوي لمن هو دونه وتكالب الأقوياء على الضعفاء. العنف الجسدي تجاه المرأة هو نتيجة مفاهيم دونية وتأهيل اجتماعي فاسد تسوده قوانين الغاب ولا قيمة فيه للإنسان إلا بأمواله ونفوذه، سلسلة ملتهبة من الظلم والقهر يبحث فيها كل فرد عن من هو أضعف منه. هذا العنف المبالغ والتمثيل بجثث ضحايا الاغتصاب في جنوب أفريقيا نتيجة اغتصاب شعب وأرض عبر عهد التمييز العنصري (الأبارثايد) حتى انهار المجتمع وأصبحت القوة هي الفاصل والعنف سيد الموقف. وبالرغم من الصورة الإعلامية المتماسكة فقد فشلت المصالحة الوطنية في جنوب أفريقيا في معالجة شق عميق يحتاج لعلاج للجذور بدلاً من الاهتمام بتلميع أوراق الشجر. ذكر تقرير لمجلس البحث الطبي في جنوب أفريقيا (2009) أن واحداً من أربعة من الرجال في جنوب أفريقيا يقرون بارتكاب جريمة اغتصاب وأغلبيتهم ارتكبوا أول جريمة في فترة المراهقة كما ذكر التقرير أن جرائم الاغتصاب الجماعي ينظر لها كمظهر من مظاهر توثيق الروابط بين الشباب. الاغتصاب حدث يومي يتعايش معه الجميع لدرجة أن الضحية لا ترى جدوى من الإبلاغ عن الحادث وقد تناولت الصحف الجنوب أفريقية في العام الماضي حادثة امرأة فرت من بيتها في منتصف الليل بعد الاعتداء عليها ووصلت بعد عناء لمركز الشرطة لتبلغ عن الحادث فاغتصبها الضابط المناوب. إن مثل هذه الأوضاع لا تعالج بقوانين ولا تردعها هيبة دولة أياً كانت هذه الدولة بل تحتاج لما هو أقوى من القانون، تحتاج لبصيص أمل بعد أن وصلت طريقاً مسدوداً لن ينفع معه أي ترقيع، تحتاج لوقفة ومراجعة، تحتاج لميثاق يستند إلى نظرة كلية للكون والحياة والإنسان (بغض النظر عن كونه ذكراً أو أنثى)، تحتاج لنبذ الرأسمالية والليبرالية البغيضة التي عكست نظرية داروين فانحطت بالإنسان الذي كرمه الله إلى درك الحيوان.
إن هذه المجتمعات وغيرها بحاجة لأنظمة ربانية تحفظ حق الضعيف قبل القوي ويستشعر المرء فيها عظمة خالق الكون ومدبره فيكون باعثاً على قمع الشهوة في النفس ودرئها عن تجاوز الحد، وبدلاً من الحرية العبثية يخاف الله ويتقيه وتنقاد جوارحه لكل ما يرضيه عز وجل، يخاف الحرام خوفه من الهلاك حياءً من الله وامتناناً على آلائه ظاهرها وباطنها، قال ابن سيرين: “إني أرى المرأة في المنام فأصرف بصري عنها”. ما أحوج الإنسانية لمجتمع يحث على الفضيلة والتراحم تُنظم فيه علاقات الرجال والنساء بنظام من لدن خبير لطيف ويُنشئ الطفل على تعظيم حرمات الله وتُغرس فيه قيم العفة منذ نعومة أظفاره فُتحارب مقدمات الإثم وتشنع في المجتمع حتى تكون العين مُسخرة لطاعة الله ولا تجرؤ على محارمه فإن ابتلي أحدهم بالحرام كان مصاباً جللاً، يغضب لحرمات الله كل مسلم، بل ويكره فعلته أهل ذمتنا ينكرونه كما ننكره، ويشجبه كل ذو عقل وفطرة سليمة، وتطبق حدود الله جزاءً بما فعل نكالاً من الله وموعظة للمتقين. إن أمثال هذه الشعوب المغلوبة على أمرها لا علاج لجراحاتها سوى الإسلام الذي بعثه الله رحمة للعالمين فلا عجب من تهافت غير المسلمين للعيش تحت ظل دولة الخلافة الإسلامية أيام كانت لنا دولة.
((الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِبِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ))
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد