خبر وتعليق الديمقراطية تَلفظ أنفاسها في جحيم من صُنع يدها
الخبر:
تجمع يوم الثلاثاء 03/09/2013م في كابل أكثر من ألف من أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس الأقاليم وزعماء القبائل وأصحاب النفوذ والتأثير. وقد طالب هؤلاء الحكومة الأفغانية النظر في الوضع الأمني في البلاد وتأجيل انتخابات مجلس الأقاليم والانتخابات الرئاسية لشهر نيسان 2014. وقد كان هؤلاء الحضور من الشيوخ والقادة والشباب الذين زعموا أن تحركهم هذا ليس مدعوما من أي طرف أو حزب وأنه تحرك نابع من قلب الأمة.
التعليق:
إن الديمقراطية لا قيمة لها في المجتمع الأفغاني وذلك منذ اليوم الأول الذي وطئت فيه أقدامها التراب الأفغاني. وما يثير السخرية هو هذا التحرك الذي رُتب له من قبل أولئك الذين يدعون ويرفعون شعار الحريات الديمقراطية والانتخابات خلال هذه الاثنتي عشرة سنة من الغزو. وفي الوقت ذاته وخلال تطبيق ما يُسمى الديمقراطية في البلاد، لم ير الأفغان إلا سفكا لدمائهم وامتهانا لعقيدتهم. هذا هو السبب الذي جعل النواب وأعضاء مجلس الأقاليم الذين أقسموا على تطبيق ودعم الديمقراطية الرأسمالية الغربية والدستور غير الإسلامي ينقلبون الآن على ذلك كله.
حقائق معينة هي ما وراء هذا السيناريو، وهي التي تفسر لماذا هم الآن يحاولون لفظَ القيم الديمقراطية والإلقاء بها بعيدا، وهذه الحقائق هي التالية:
إن الشعب الذي رفض الشيوعية ونبذها بل وقاتل ضد وجودها لزمن طويل في الماضي، لم يستطع تجاهل المزايا السياسية والكم الهائل من الأموال التي ضخها الغرب في البلاد. لذا ففي البداية بدأ بتطبيق النظام المستورد من الغرب والذي لم يجلب شيئا سوى الفقر والبطالة والزنا والفساد و”الفتنة” لمسلمي أفغانستان.
وهكذا، بعد فترة طويلة استيقظت هذه الفئة من الناس وانقلبت على الديمقراطية.
وخلال انتخابات العامين الماضيين الرئاسية والبرلمانية، أكدت اللجنة الانتخابية ومعها المستشارون الغربيون أن الانتخابات في ظل وجود الاستعمار لا تعني شيئا مطلقا. فبالنظر لحجم الفساد الكبير والتزوير في الانتخابات فإنه فقط أولئك الأكثر التزاما بالقيم الغربية والديمقراطية هم من ينجحون فيها ليصبحوا الرئيس أو أعضاء في البرلمان أو أعضاء في مجلس الأقاليم. لذلك فإن الناس لا يؤمنون بهذه العملية ولا بقيمتها أو أهميتها في حياتهم.
ونتيجة للصراع الفكري والسياسي الذي يقوم به حزب التحرير خاصة في الأقاليم ذات المستوى المنخفض في التعرض للحرب الدائرة في البلاد، مَهَّد ذلك الطريق للناس ليفهموا أحكام الشريعة وليفرقوا بينها وبين الديمقراطية والانتخابات والمفاهيم الغربية وليدركوا أن الحكومة الحالية ما هي إلا دمية بيد أمريكا وأنها تطبق وتنفذ الأجندة الغربية في البلاد. وإن هذا الصراع، مع ذلك، سيستمر بكل قوته وثقله متجها نحو إيجاد الصحوة الإسلامية في هذا الجزء من بلاد الإسلام.
وقد حولت المقاومة القوية والصعبة للاحتلال الأمريكي ولحلف النيتو أجزاء كبيرة رئيسية في البلاد إلى “مناطق لا انتخابية”. وتمتلئ الصناديق الانتخابية في عواصم الأقاليم لصالح أولئك المرشحين الذين يدفعون أكثر، والذين يفوزون بالتالي فيما يُسمى انتخابات.
وفي غضون ذلك، فإن عدم وجود تقدم صناعي واقتصادي إضافة للافتقار إلى حزب حقيقي ذي أيديولوجية مدعوم من الناس مهد الطريق لأولئك المرشحين الذين يَقْبَلون بالقيم والمفاهيم الغربية ويَقِفون أمام السفارات الأجنبية استجداء للدعم السياسي جاعلا من الفائزين منهم دُمىً حقيقية.
وفي مشهد آخر فقد أثار الغرب قبل الانتخابات الكثير من القضايا ليحافظ من خلالها على احتلاله واستعماره للبلاد.
فقد حاول إبراز أفراد وأحزاب بعينها قبل الانتخابات وعمل على جمعها تحت مظلة واحدة تُسمى “الإجماع الوطني”، ليكون لدى مرشحين معينين الفرصة للتصريح بالتزامهم بالفكر الغربي. وقد قدَّم هذا التصور وحمله زلماي خليل زاد السياسي الأمريكي من أصل أفغاني. وعلى صعيد آخر فقد تم تطوير هذا التصور لاحقا على يد تكنوقراطيين غربيين كأشرف غاني أحمد زاي، وعلي أحمد جلالي، وأنوار الحق أحادي.
وكما هو مذكور في الخبر أعلاه، فإن هنالك أجندة غربية أخرى تسعى لإيجاد بديل من خلال جماعة كرزاي. وهذه ستكون بمثابة حكومة مؤقتة إذا ما ووجهت الانتخابات بالمقاطعة من قبل الناس وهذا ما سيُعَبَّر عنه من خلال لويا جيرغا أو وسائل أخرى. وهذا ما يمكن الوصول إليه في حال انعدم الأمن. وبهذا، فإن هذه وسيلة محتملة أخرى ستؤدي في النهاية لحالة طوارئ من شأنها أن تُنتج حكومة مؤقتة.
والقضية الأخرى المنشودة في كلتا الحالتين هي عملية السلام مع القوات المسلحة المناهضة للحكومة. فالمحاولات ستكون لإيجاد قاعدة ثابتة دائمة من أجل إقامة سلام معها قائم ومبني على الشروط الأمريكية وكذلك على جعل الطريق نحو أي تغيير في الدستور مفتوحا متاحا. ويبدو أن هذه القضية تتم متابعتها في كلتا الحالتين.
ولذلك، فإن هكذا تحالفات انتخابية مكونة من مجاهدين سابقين وبعض المجرمين، تأثيرها صفر على العامة من الناس وتعتبر بمثابة شركات مساهمة تحاول التلاعب بمصير المسلمين في أفغانستان. فهم يحاولون فقط جني مكاسب سياسية واقتصادية، ولذلك لا يُصدقهم أحد. وفي الوقت ذاته، فإن حظوة التكنوقراطيين الغربيين عند عامة الناس هي صفر أيضا بعد أن أظهروا أقصى قدراتهم وإمكانياتهم في الوزارات. وفوق ذلك كله، يحاولون المحافظة على مصالح الغرب فقط ولا يهتمون بحال الناس ومستوى معيشتهم.
وعلى الرغم من النقاط المذكورة أعلاه فإن الحكومة الأفغانية تدعي أنها لا تستشعر أي خطر أمني في 3435 مركز اقتراع من أصل سبعة آلاف. فالمراكز المتبقية هي تحت السيطرة الكاملة للعناصر المسلحة المناهضة للحكومة.
وختاما، فإن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل 21 عاما قد حول أفغانستان إلى جحيم للأفغان. وقد وصلنا لذلك عبر القوانين والأحكام والمفاهيم والخطط الوضعية، والتي تم تطبيقها عن طريق عمليات القصف الوحشي والاحتلال المباشر. لكن الوقت قد حان لتلفظ الديمقراطية أنفاسها الأخيرة في جحيمٍ من صُنع يدها، ولن يكون لدى أي مسلم الرغبة في العيش تحت ظل الديمقراطية في المستقبل.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سيف الله مستنير
كابل – ولاية أفغانستان