خبر وتعليق الآثار المترتبة على هجوم أمريكا على سوريا
الخبر:
التقى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً للتوصل إلى مشروع قرار يخول الرئيس باراك أوباما تنفيذ ضربة أمريكية ضد سوريا مدتها 60 يوماً، قابلة للتمديد 30 يوماً. وسيتم التصويت قريباً على مشروع القرار من قبل الكونغرس استجابة لمطلب أوباما في الحصول على موافقة من صانعي القانون في الولايات المتحدة، حيث قال الرئيس أوباما في الأول من سبتمبر/أيلول 2013م: “الآن، وبعد دراسة متأنية، قررت أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات عسكرية ضد أهداف تابعة للنظام السوري… وبصفتي رئيس أقدم دولة دستورية ديمقراطية في العالم اتخذت قراراً آخر، وهو السعي لأخذ الإذن من ممثلي الشعب الأمريكي في الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية”.
التعليق:
مرة أخرى نجد الولايات المتحدة على وشك مهاجمة بلد مسلم آخر، بعد أن شنت بالفعل الحروب ضد أفغانستان والعراق وباكستان والصومال واليمن وليبيا خلال العقد الماضي أو نحو ذلك، ولم تكن هذه أول مرة تتدخل فيها الولايات المتحدة في سوريا، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2008م، شنت القوات الخاصة الأمريكية غارة على سوريا، مما أسفر عن مقتل 8 من المدنيين. ولكن هذه المرة لن يكون تدخل الولايات المتحدة لفترة قصيرة، وسيذهب ضحيته أكثر من المرة الأولى بكثير.
هناك العديد من التداعيات للضربة الوشيكة الأمريكية الثانية على سوريا، ومع ذلك فإنّ هناك مسألة وحيدة يمكن الوقوف عليها، وهي تأثير الهيمنة الأمريكية والأحادية على المنطقة وعلى النظام الدولي.
لقد كان العداء الذي يكنه المسلمون تجاه الولايات المتحدة سائداً حتى قبل اندلاع الثورات في البلدان العربية، وعند اندلاعها وصلت المعاداة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ولا توجد أيّة مؤشرات تشير إلى أنّ هذا العداء سيهدأ على المدى القريب، بل على العكس تماماً، فإنّ التدخل العسكري الأمريكي في سوريا سيؤدي إلى تعاظم هذه المشاعر، الأمر الذي يشكل خطراً على أمريكا، وعلى علاقة الغرب مع العالم الإسلامي أيضاً، فهذه المشاعر تشكل دافعاً للمسلمين للنهوض فكرياً وسياسياً فتدفعهم للبحث عن سبيل للاستقلال الفكري والسياسي عن الهيمنة الأمريكية والتدخل الغربي الدائم في شئونهم.
وثمة عامل آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشاعر المسلمين السلبية تجاه أمريكا، وهو تناقض أمريكا في تطبيق عقيدتها في العالم الإسلامي، فعلى سبيل المثال، لماذا تجاهلت أمريكا مقتل أكثر من 100,000 من المدنيين الذين قتلوا بالوسائل التقليدية على يد جزار الشام (بشار الأسد)، وارتفع صوتها بالصراخ والتباكي على الـ1429 سورياً الذين قتلوا بالأسلحة الكيماوية على يد الجزار نفسه؟! وبالمثل، لماذا اختارت أمريكا الوقوف إلى جانب الفريق السيسي وسمحت له باستخدام الأسلحة الأمريكية لقتل أكثر من ألف مصري، ثم عاتبته بلطف؟! بالإضافة إلى ذلك فإنّه لا توجد أية إشارة على تدخل أمريكا في فلسطين، وفي بورما حيث ترتكب جرائم الإبادة الجماعية ضد المسلمين، إنّ هذه ليست إلا بضعة تناقضات متصلة بقيمة الحياة البشرية التي تتبناها أمريكا. أما فيما يتعلق بالدعوة إلى الديمقراطية والحرية في بلدان العالم الإسلامي، فإنّ الانقلاب ضد الرئيس المصري المنتخب ديمقراطياً، والحلقة البشعة لممارسات أمريكا في سجن أبو غريب في العراق كلها فضحت النفاق الأمريكي، وفضحت أصنامها الإيديولوجية: الديمقراطية، والحرية.
إنّ مزيج المشاعر المعادية للولايات المتحدة والنفاق الأيدولوجي الأمريكي كان سبباً في عرض المسلمين للإسلام السياسي بوصفه علاجاً شافياً للديمقراطية الليبرالية السقيمة. كما أنّ ثقة المسلمين في الديمقراطية الليبرالية والحلول الغربية تقلصت إلى حد كبير؛ لأنهم يرون كيف أنّ الأنظمة الديمقراطية تعاني من أزمة اقتصادية مستمرة، ومن تمرد الناس من أوروبا إلى البرازيل ضد السياسات الرأسمالية. وعندما لم يتمكن الدعاة “الإسلاميون” أمثال حركة النهضة والإخوان المسلمين من مساندة الغرب في حملته الصليبية لتعزيز حضارته في البلدان الإسلامية، لفظتهم الجماهير لفظ النواة، ولم تعد تنظر إليهم إلا على أنّهم مؤيدون للرأسمالية والهيمنة الأمريكية متنكرين بعباءة الإسلام. وبالتالي فإنّ المسلمين في جميع أنحاء البلاد العربية والإسلامية قد احتضنوا الإسلام السياسي كحل وحيد لهم لتحرير أنفسهم من استعمار أمريكا والغرب.
لم يعد مستغرباً أن نجد مجتمعات العالم الإسلامي في صراع عميق بين المستبدين العلمانيين ممن يكافحون من أجل الحفاظ على الأنظمة القائمة التابعة لأمريكا والقوى الاستعمارية، وبين الداعين إلى تحرير أنفسهم من خلال الإسلام السياسي. وقد ساهم في زيادة الاستقطاب عدم الاستقرار والفوضى، فهذه الحالة هي المسؤولة عن زيادة الفراغ السياسي في العالم الإسلامي. وبالتزامن مع ذلك فإنّ الهالة الأمريكية قد تزعزعت، مما يعني أنّ على أمريكا اللجوء إلى استخدام مزيد من القوة للحفاظ على بعض مظاهر السيطرة التي بدأت تفتقد لها؛ من أجل حماية المصالح الحيوية لها.
لقد أصبح انعدام ثقة المسلمين في المفاهيم والحلول الغربية معيقاً لتنفيذ المشاريع السياسية الأمريكية في بلاد المسلمين، فعلى الرغم من أنّ أمريكا لديها قوة عسكرية في المنطقة، وانصياع الجنرالات العسكريين والسياسيين لها وخضوعهم تحت تصرفها، إلا أنّ أمريكا عندما تتخذ قراراً سياسياً فإنّه لا يمضي وقت طويل قبل أن يلقى في وجهها، لتجبر أمريكا على إعادة النظر فيه. فعلى سبيل المثال، بعثة المراقبين العرب إلى سوريا، ومن ثم خطة عنان ذات الست نقاط، ثم خطة الأخضر الإبراهيمي، ثم خطة جنيف للسلام كلها لم تتمكن الولايات المتحدة من فرضها على المسلمين في سوريا، حتى لجأت إلى توجيه ضربات عسكرية ليتم إعادة النظر في خطة جنيف 2 للسلام. كما أنّ أمريكا فشلت في فرض حل سياسي ناجح لمصر والعراق واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان وباكستان. وفي عام 2006م، قال بات بوكانان (من المحافظين الجدد) عن الإخفاقات السياسية الأمريكية المتكررة في العالم الإسلامي: “إن تمكن الإسلام من الحكم بين الجماهير الإسلامية، فكيف لأعظم جيوش الأرض أن يوقفه وقتئذ؟ فهل نحن بحاجة إلى سياسة جديدة؟”. وهناك العديد من السياسات الأمريكية التي لا تزال تكافح من أجل محاولة احتواء الإسلام.
وعلى الجبهة الدولية، فإنّ التهديدات الأمريكية المتكررة بالذهاب وحدها لضرب سوريا قد قوضت بشكل صارخ الثقة في النظام الدولي، وفي الحقيقة فإنّ التعنت الأمريكي لغزو العراق من جانب واحد عام 2003م كان بداية نهاية النظام الدولي، وكان بمثابة ضربة قاضية للأمم المتحدة، وتعيد العالم نحو تفاهمات عام 1920م، حيث كانت القوى العظمى تحكم العالم، وكان القانون الدولي مجرد فكرة. لذلك فإنّ الأمم المتحدة لم تعد قادرة على تسوية النزاعات بين الدول.
وأخيراً، لقد عملت أمريكا وحلفاؤها في الغرب دون كلل أو ملل لصياغة نظام دولي على مدار الـ 60 عاماً الماضية؛ لمنع المسلمين من إقامة دولتهم (دولة الخلافة). والآن، وبسبب سياسات أمريكا نفسها ضد المسلمين، في تعريضهم للهجوم مراراً وتكراراً، فإنها تكون قد قضت على أيّ أمل في استمالة المسلمين نحو الديمقراطية الليبرالية، وليس هذا فقط، بل وأشعلت حماسهم لإعادة إقامة الخلافة.
إنّ سابقة التدخل “الإنساني” الذي قامت به أمريكا، وما تبعه من فشل في نموذج الدولة القومية، جنباً إلى جنب مع تفسخ القانون الدولي، كل ذلك شكّل تربة خصبة لإقامة الخلافة وتوحيد 55 بلداً إسلامياً تحت قيادة خليفة واحد، قيادة تتدخل في جميع أنحاء العالم لحماية المسلمين ونشر الإسلام.
إنّ دولة الخلافة ستعمل على إصلاح العلاقات الدولية، وستضع وراء ظهرها النظام الدولي الذي يقوم على ازدواجية التعامل بين الأمم والذي يعطي الحق للقوى العالمية في تلفيق التهم وشن الحروب الوقائية، وسيتم التعامل مع العداء الأمريكي والأوروبي تجاه العالم مباشرة مع دولة الخلافة التي تمثل المسلمين، وهذه الجرائم ضد الإنسانية لا تحتاج لإثبات، فهي مثبتة بالصوت والصورة. وباختصار، فإنّ الغطرسة العمياء لأمريكا تمهد الطريق لتكون دولة الخلافة الدولة الرائدة للقرن الواحد والعشرين وما بعده.
((قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)). [التوبة 29].
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عابد مصطفى