خبر وتعليق أمريكا لم تعرف يوما خطوطا حُمْرًا
الخبر:
بعد ساعات من تصريح لوزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم الاثنين (9-9-2013) قال فيها: “إن نظام الأسد يمكن أن يتجنب عملا عسكريا إذا سلم الأسلحة الكيميائية للمجتمع الدولي الأسبوع المقبل”، فقام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنقل هذا الاقتراح إلى وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي أعلن أن النظام السوري يرحب بالمقترح الروسي بوضع الأسلحة الكيميائية تحت رقابة دولية، وفي أول رد فعل دولي على موقف نظام الأسد، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون “إذا كان الأمر كذلك فإنه سيكون موضع ترحيب كبير”، مضيفا أنه إذا وضع النظام أسلحته الكيميائية خارج الاستخدام وتحت إشراف دولي “فمن الواضح أن هذا الأمر سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام ويجب تشجيعه”.
التعليق:
سبق هذا التصريح لجون كيري تصريحٌ آخر قال فيه “إن الضربة العسكرية ستكون محدودة جدا ولمدة ضيقة جدا” (unbelievably small, limited” military strike) وكافية للتسريع في الحل السياسي “للحرب الأهلية” في سوريا. كما أنه شدد على أن أمريكا لا تريد التورط في حرب برية ولا طويلة الأمد كما جرى في العراق وأفغانستان.
وقد سبق لجريدة الحياة أن نقلت عن مصدر فرنسي (4-9-2013) قوله إن التدخل العسكري في سوريا شرط أساسي للحل السياسي.
كل هذه المواقف والتصريحات و”الإخراج” السريع لوضع ترسانة السلاح الكيماوي تحت المراقبة الدولية أو نزعها بالكلية، تكشف عن حقيقة المسعى الأمريكي من الضربة العسكرية المزعومة لمعاقبة بشار على تجاوزه “الخط الأحمر” باستعماله للسلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في 21-8-2013.
فأمريكا نفسها لم تعرف يوما خطوطا حُمْرًا أو غير ذلك في مسعاها الاستعماري لاستعباد البشرية، وهي الدولة التي بُنيت على جماجم وأشلاء الهنود الحمر من أول يوم وطأت قدما المستعمر الأوروبي القارة الأمريكية فعاث فيها فسادا وتقتيلا، وصولا إلى استعمالها للقنابل النووية ضد الشعب الياباني “الأصفر” في الحرب العالمية الثانية، واستعمالها السلاح الكيماوي المشهور بالأورانج ضد الشعب الفيتنامي الثائر ضد استعمارها في الحرب الفيتنامية الشهيرة…
فالغرض الحقيقي من المكر الأمريكي هو ما كشف عنه كيري بالقول “إن الضربة تهدف إلى فرض الحل السياسي”، ليس على بشار الأسد الذي خدم أمريكا بإخلاص، شأنه في ذلك شأن أبيه الهالك حافظ، ولكن على الثوار الصادقين المخلصين الذين أعجزوا أمريكا عن قمع ثورتهم رغم تسخيرها لكافة ما تستطيع من قوى وإمكانيات عبر الدعم الروسي – الإيراني المطلق والزجّ برجال النصر الإلهي أبطال حرب تموز 2006 لتحرير القصير وحمص والسيدة زينب، بزعمهم الفاسد، فما كان منها إلا أن رفعت “الخط الأحمر” المزعوم لتبرر لنفسها التدخل المباشر، ليس لضرب عميلها بشار وعصابته من المجرمين، بل لتفرض نفسها طرفا مباشرا في سوريا، وهذا ما يبيح لها لاحقا، بعد ثاني صاروخ يسقط على كومة من الرمال الصحراوية، أن تدعي أنها أُمّ الصبي، وأن لها الحق في تأديب كل من تسول له نفسه رفض الحل السياسي، وأنها الأم الحنون الساعية لتخليص الشعب السوري من سطوة بشار الكيماوي المجرم… وكان سبق لها أن أرسلت موفدها فيلتمان (26-8-2013) إلى شركائها في طهران ليشرح لهم أن فرض الحل السياسي قد يتطلب توجيه ضربة محدودة طالبا منهم الهدوء وعدم التحرك، لا هم ولا أداتهم في لبنان.
نعم إن الغرض الحقيقي من هذه الزوبعة هو تبرير التدخل الأمريكي السافر لتصفية كل من يقف عقبة في طريق فرض الحل السياسي المطبوخ في البيت الأبيض، والذي يضمن لأمريكا التحكم بمفاصل الحكم بعد رميها لعميلها بشار جانبا.
ولكن يأبى الله سبحانه إلا أن يحبط مكرها بفضل وعي الثوار الصادقين المخلصين، وبفضل ثبات أبطال الشام الطامحين لأن تعود الشام فتكون عقر دار الإسلام كما بشَّرهُم رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ» أخرجه أحمد.
إن أهل الشام لم يبذلوا الدماء الزكية الطاهرة، ويُضحّوا تلك التضحيات العظيمة، ويخرجوا من المساجد، وصيحاتُ التكبيرِ تُظلُّهم، ونداءُ الحق نداؤهم… إنهم لم يفعلوا ذلك ليعودوا كما كانوا يُحكمون بأحكامٍ وقوانينَ ما أنزل الله بها من سلطان! إنهم لا يقبلون أن تضيع دماؤهم سُدىً وتضحياتُهم عبثاً، بل هم لن يرضوا عن حكم الإسلام بديلاً.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عثمان بخاش