خبر وتعليق السيول والفيضانات تفضح سنوياً تقاعس حكومة “اللاإنقاذ” عن القيام بدورها في رعاية شؤون الشعب
الخبر:
شهد السودان في الأسبوعين الأولين من شهر آب/ أغسطس فيضانات أدت إلى مقتل نحو 53 شخصا وتشريد أكثر من مائتي ألف شخص.
ووفق إحصائيات الحكومة السودانية، فقد أدت السيول إلى تضرر نحو 21 ألف أسرة وانهيار عشرات الآلاف من المنازل. وقد تضررت من هذه الفيضانات عدة ولايات سودانية أبرزها الخرطوم ونهر النيل.
وكانت الحكومة السودانية قد رفضت إعلان حالة الطوارئ في البلاد قائلة على لسان وزير الداخلية إبراهيم محمود حامد إن الأوضاع ما زالت تحت السيطرة.
وكان العديد من المتضررين من الفيضانات قد انتقدوا بطء الحكومة السودانية في إيصال المساعدات الإنسانية لهم.
التعليق:
تعيش السودان أوقات حرجة كغالبية بلاد المسلمين فالشعب مقهور من غلاء أسعار المواد الغذائية وغلاء مواد البناء وتكاليف التعليم والتطبيب والمواصلات وتدني الخدمات العامة؛ حيث لم تصل مياه الشرب إلى مناطق داخل العاصمة، والحال أسوأ في الأقاليم فالمياه شحيحة – إن وجدت – والناس تعاني من العطش في بلد يجري فيه أحد أطول الأنهار في العالم، نهر النيل! فمن أكبر المشكلات انعدام مياه الشرب؛ ولتوفير المياه يضطر الناس للمشي ساعات لشراء الماء والعودة به لبيوتهم أو شرائها بأسعار باهظة، وأصبح الناس يدعون الله تعالى لنزول المطر للزراعة وللشرب وللكهرباء، وقد هطلت أمطار الخريف غزيرة حتى صاحبتها سيول وفيضانات في عدد من الولايات بينها العاصمة الخرطوم ومنطقة شرق النيل، شمال وجنوب دارفور، نهر النيل، الشمالية، البحر الأحمر، الجزيرة، بجانب ولايتي النيل الأزرق وشمال كردفان، وتتدنى الخدمات العامة بشكل أكبر في الصيف فمياه الشرب التي تصل لمن تصل له تكون مياه بها طين وغير معالجة صحياً وتختلط بمياه المجاري وتنتشر الأمراض الخطيرة كالدسنتاريا، أما في الخريف فتصبح مهمة تحصيل الماء مستحيلة لامتلاء الشوارع بمياه الأمطار والوحل وتعسر حركة السير والسيارات والشاحنات، فيصبح تأمين أبسط مقومات الحياة واحتياجاتها شبه مستحيل.
وهذه المأساة تؤثر على حياة الآلاف؛ فمياه الأمطار تتجمع وتصبح بحيرات متفرقة في أنحاء البلاد، وتمتلئ ضفاف النيل حتى يفيض، وتتحول الأمطار التي تهطل بدون توقف لمدة ساعات طوال إلى سيول جارفة فتهدم بيوت الطين والجالوص البسيطة التي يعيش فيها أغلب السكان، ويموت كثير من الناس بسبب الصعق الكهربائي الذي تتسبب به المياه وتحاصر الناس في بيوتها وتحبسهم من الخروج لقضاء حاجياتهم، وتتحول البلد إلى منطقة كارثية؛ ينام الناس في العراء أو في بعض خيم الإغاثة، وتتشرد الأسر وينام الأطفال مع أمهاتهم في الشوارع، ويقف الآباء في حيرة من أمرهم ولا يجدون ما يسد رمق أهليهم وليس لديهم مأوى!
ويتلخص رد فعل الحكومة السودانية على هذه الكارثة في بعض النقاط:
– تتكرر المأساة في كل سنة وبدون أي حلول أو تدابير تتخذ من جانب الحكومة لمنع هذه الكارثة التي تحصد أرواح الأطفال والنساء والرجال وتلوث الأجواء وتنشر الأمراض الفظيعة بسبب الناموس والحشرات التي تتوالد بسبب المياه الراكدة، وتبقى بنية الصرف الصحي التحتية ضعيفة ومهلهلة، وتبقى ميزانيات السدود والخزانات المائية منهوبة تفضح فشل حكومة اللا إنقاذ!
– عدم التحرك لمساعدة المنكوبين والتنصل من رعاية شؤون الناس وترك الأمر كله للمنظمات الخيرية المحلية والدولية واستجداء البلاد الأخرى لإغاثة المتضررين كقطر والكويت!
– رد فعل الحكومة معدوم ولم يرتقِ لمستوى فداحة الحدث؛ فلم تقم باستنفار الناس وتحذيرهم عن طريق وسائل الإعلام المحلية وإرشادهم للتصرف الصحيح في ظل الأوضاع!
– لا يعلم أحد أين تذهب أموال النفط والضرائب والجمارك والجبايات المنهوبة، إلا أن المجتمع يفاجأ بأخبار من مثل تبرع البشير المجرم بمبلغ 2 مليون دولار لبناء حديقة وقصر بالقرب من قبر الرئيس الأثيوبي الراحل ملس زناوي!
إن هذا الإهمال المتعمد لرعاية الشؤون وسد احتياجات المتضررين ليس بجديد بل ومتوقع؛ فالبلاد تعيش في حالة من الفوضى وعدم الأمن والأمان، وكأن النظام قد “باع” الدين والشعب والأرض بالخصخصة الرأسمالية ورمى مسؤوليته عن الناس بعيدا، وليس هذا بغريب؛ حيث إن البشير ونظامه لا يحكم بما أنزل الله تعالى، فلا يهتم للمنكوبين بل بالنسبة إلى النظام فإن هذه الكوارث هي تخفيف أعباء عنهم، كأنما القصد تقتيل الناس! فالتقديرات تقول أن عدد المنازل التي جرفتها السيول أكثر من عشرة آلاف وأصبح أكثر من نصف مليون شخص مشردا!
وفي بلد قد وصلت نسبة الفقر فيه – باعتراف الحكومة – إلى 48% (والنسبة التي نشرتها المنظمات الإنسانية وصلت إلى 78%) يقوم النظام بقتل المسلمين فعلياً بالجوع والعوز، ومعنوياً بالتبلد وعدم الاهتمام وسوء رعاية الشؤون لدرجة الموت، فتنقلب النعمة إلى نقمة بسبب نظام مجرم لا يحكم بما أنزل الله تعالى. فالناس يجأرون بالشكوى إلى المولى عز وجل حتى يخلصهم من هذا النظام الرأسمالي الذي امتلأت كروش رموزه ومن والاهم بأنواع مختلفة من الأكل والشرب وينامون في قصور مترفة ويركبون سيارات غالية، ثمن الواحدة منها يتكفل بإيواء عشرات الأسر المشردة في الشوارع، ولَكَفَتْهُم الجوع والتسول لمعونات تباع في الأسواق ولم تصل للمنكوبين ونهبها التجار بمعرفة الحكومة، فبسبب غياب الراعي الذي يحكم بالإسلام جاعت وغرقت سلة غذاء العالم. فالواجب على المسلمين في أنحاء السودان العمل الجاد من أجل إقامة النظام الذي يرعى شؤونهم، والذي يضمن لهم محاسبة الحاكم على تقصيره، وليس غير دولة الإسلام دولة الخلافة وخليفة المسلمين الذي يطبق الإسلام كاملاً فتنعم البشرية بالعدل والطمأنينة.
فشتان بين عمر البشير ونظامه العلماني الذي تخصص في فرض الجبايات، من ضرائب وجمارك وخدمات مزيفة، وبين نظام الإسلام الذي جعل من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا ينام خوفاً من محاسبة الله تعالى له في بغلة، فماذا عن الناس!
فقال قولته المشهورة (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر).
وكان يحاسب من يقصر من المسؤولين فقال “أيُّها الناس، إنِّي والله لا أرسل إليكم عمَّالاً ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أعْشاركم؛ ولكن أرسلهم ليعلِّموكم دينكم وسُننكم، فمَن فُعل به شيءٌ سوى ذلك، فليرفعه إليَّ، فوالَّذي نفس عمر بيده، لأقتصّنَّ له منه.”
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم أم حنين / ولاية السودان