خبر وتعليق ادعاءٌ بأن مصطفى هادم الخلافة أوصى بإقامتها بعد خمسين عاما
الخبر:
منذ فترة يتداول بعض كتاب الصحف والمؤرخين والباحثين في تركيا الادعاء القائل بأن مصطفى كمال الذي أعلن عن موته في 10 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1938م قد كتب قبل ذلك بشهرين تقريبا أي في 5 أيلول/سبتمبر عام 1938 وصية وصادق عليها لدى كاتب العدل. وكتب على المغلف أن تفتح بعد فترة 50 عاما.
وذكر في الادعاء أنه بعد مرور هذه الفترة أي في عام 1988 فتح رئيس الجمهورية آنئذ كنعان أفرين هذا المغلف ومن ثم أغلقه وأوصى بفتحه بعد مدة 25 عاما لأن المجتمع ليس مهيّأً لما تحتويه الوصية. والآن وفي ذكرى وفاة مصطفى كمال ستنتهي هذه المدة وينتظرون إعلانها. وأغرب ما في هذا الادعاء أن مصطفى كمال أوصى بإقامة الخلافة بعد 50 عاما!
التعليق:
نريد أن نذكر تفصيلا مختصرا لهذا الادعاء ونبين بطلانه والغرض منه:
1- أحد الباحثين على إحدى القنوات التركية من الذين يؤيدون هذا الادعاء ويسنده بقوله: إن “مصطفى كمال قال إن الجمهورية والخلافة هما بمعنى واحد”.
ولكنه اعترض على نظام السلطنة والذي يعني فيه ألا تكون الخلافة وراثية، وذلك للحفاظ على الخلافة. نعم؛ إن مصطفى كمال ذكر في قانون إلغاء الخلافة في البند الثالث ما يلي: “الخلافة والجمهورية والحكومة كلها تحمل معنى واحدا، ولذلك تلغى الخلافة”. فإذا كانت هذه المصطلحات الثلاثة تحمل معنى واحدا، فلماذا تلغى الخلافة ويؤتى بمفهوم أجنبي له معنى يخالف مفهومها؟! فالخلافة رئاسة عامة لجميع المسلمين لتطبيق شرع الله عليهم وحمل الدعوة الإسلامية للعالم. وقد وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على هذا المعنى وطبقها الخلفاء الراشدون من بعده. وأما الجمهورية فمفهومها أن الحكم للشعب ينتخب رئيسه لفترة معينة ليطبق عليه ما يشرعه الشعب أو ممثلوه في البرلمان ويسقطه متى شاء. والحكومة تابعة لهذا المفهوم أيضا. وأما الخلافة؛ فالخليفة ينتخب من قبل الأمة ويبايع على تطبيق شرع الله فقط ولا يحق للأمة أن تسقطه، بل إنه يسقط عندما يظهر عليه ما هو مخالف لشرع الله عند المسلمين فيه برهان من الله، والذي يقرر ذلك هو محكمة المظالم. وأما الخلفاء الذين أتوا بتوصية أو بترشيح من آبائهم أو إخوانهم مثل خلفاء بني عثمان فقد كانوا يأخذون البيعة من الأمة وكانوا يطبقون شرع الله. وأما الخطأ فيها فهو حصر المرشحين في أبنائهم وأقاربهم، وهذه تعتبر إساءة تطبيق، والأصل أن يرشح الخليفة الأصلح بصرف النظر عن أبنائه أو أقاربه، كما فعل عمر رضي الله عنه عندما رشح ستة بناء على طلب الأمة؛ لأن حصر المرشحين للخلافة من حق الأمة أو من تنيبه عنها مثل مجلس الأمة الذي سيتألف من المنتخبين من قبلها بعد إقامة الخلافة.
2- مصطفى كمال بعدما هدم الخلافة لم يُبق على أحكام الشرع في ظل الجمهورية والحكومة التي أقامهما، بل أزال أحكام الشرع كلها وحاربها وجلب دستورا وقوانين من الغرب وأعلن العلمانية، وحارب دعاة الخلافة بشراسة وأقام لهم ما سمي بمحاكم الاستقلال لتصدر أحكام الإعدام فورا على كل من يريد الخلافة أو لا يخضع للنظام الجمهوري. فأعدم الآلاف من الناس ومنهم علماء. وقام بشن الحرب على الذين حملوا السلاح لإعادة الخلافة. فيروى أنه دمر قرى بكاملها وقتل ما يزيد عن مئتي ألف من الناس. ومنع مجرد ذكر الخلافة، وأصدر ما أطلق عليه بانقلابات مصطفى كمال، مثل منع اللباس الشرعي للمرأة، فأجبرها على خلع الخمار والجلباب بالقوة، ومنع إطلاق اللحى للرجال، ومنع استخدام الأحرف العربية في الكتابة واستبدلها بالأحرف اللاتينية، وأباح الخمور والزنا، فأسس في كل مدينة بيت دعارة ويطلق عليه البيت العام وهو مرخص من قبل الدولة وما زال ذلك قائما، وألغى مهمة الجيش التي كانت محصورة في الجهاد لنشر الإسلام والدفاع عن المسلمين وأراضيهم في كل مكان، وحصرها في المحافظة على النظام الجمهوري وعلى الحدود الوطنية لتركيا فقط. وربط تركيا بالغرب وخاصة بالإنكليز الذين كانوا يشرفون على الدولة، وقطع كل صلة له بالإسلام وبما يمت إليه من عرب وعربية.
3- فهل يعقل إذن أن يكون مصطفى كمال الذي فعل كل ذلك أن يوصي بإقامة الخلافة؟ لا قطعا. ولكن يظهر أن الترويج لذلك الادعاء وراءه قوى معينة، وربما الحكومة لها ضلع فيه، لأنها لا تمنع مناقشة ذلك بشكل علني وعبر وسائل الإعلام التي تحت إشرافها ورقابتها، فيظهر أن للحكومة ومن ورائها أمريكا أغراضا معينة من ذلك، وأهمها تمييع فكرة الخلافة، بعدما استطاع حزب التحرير أن يؤثر في الرأي العام بتركيا وفي العالم بإحياء هذه الفكرة والعمل على إقامتها، وأصبح موضوع إقامتها قاب قوسين أو أدنى بإذن الله، وخاصة ما ظهر في سوريا من دعوة كثير من الثائرين لإقامة الخلافة. وما يؤكد ذلك أن المروجين لمثل هذا الادعاء يريدون أن تقام خلافة يحكمها الأتراك، أي تغلب عليهم الناحية القومية، وهم مشبوهون ليس لهم علاقة بالعمل للإسلام، عدا عن أن الأفكار التي تتعلق بالخلافة التي يدعونها وما يتعلق بنظامها ودستورها وقوانينها كلها غامضة. مع العلم أن حزب التحرير منذ ستين عاما يعمل على إقامة الخلافة وقد وضح كافة الأفكار المتعلقة بها، وأصدر مشروع دستورها وشرحا لمواده بالأدلة الشرعية، وكتبا تتعلق بأنظمتها وسياستها الداخلية والخارجية، وبين أنها إسلامية خالصة لا توجد لها أية صبغة وطنية أو قومية أو مذهبية أو طائفية. وهم لا يشيرون لهذا الحزب ولدعوته، بل يحاربونه ويقومون بحظره واعتقال شبابه وإصدار أحكام سجن قاسية عليهم.
4- إن أكثر ما يخشى منه أثناء العمل على نهضة الأمة وإقامة خلافتها هو عملية تمييع الإسلام وأفكاره وما يتعلق به، وعملية التوفيق بين نظمه وأفكاره والنظم والأفكار الغربية. مثل أن الديمقراطية هي الشورى أو أنها تساوي الانتخابات في الإسلام، وأول من نشر ذلك هم الغربيون عن طريق عملائهم وإعلامهم وسفاراتهم بعد مؤتمر برلين عام 1878 الذي قررت فيه الدول الغربية العمل على إسقاط الخلافة وتمزيق الدولة الإسلامية ومن ثم تقاسم أراضيها. فقد قرأت لأحد أعضاء حزب الاتحاد والترقي مقولة بالتركية كتبها عام 1881 يقول فيها بأن الديمقراطية من الإسلام وتعني الشورى. وقام هذا الحزب الذي تأثر بأفكار الغرب بانقلاب على الخليفة عبد الحميد الثاني عام 1908 ليقيم النظام الديمقراطي عندما أصدر دستورا أشبه بالدساتير الغربية، ومن بعده جاء مصطفى كمال وهدم الخلافة وأعلن النظام الجمهوري الديمقراطي ومن ثم أعلن العلمانية. وما زال هناك أناس مضللون ومشايخ مضلون يروجون لهذه الفكرة تمادوا في غيهم إلى أن قالوا إن الديمقراطية توبة وتقرب إلى الله! وانخدع كثير من الناس بها، وتقوم جماعات يطلق عليها إسلامية معتدلة بالترويج لذلك، وهي واقعة في مستنقع الديمقراطية وتصطلي بنارها وتذوق ويلاتها وتتجرع مرارتها. ولكن وجود المخلصين والواعين من الأمة كشباب حزب التحرير هو فضل من الله ورحمة منه حتى ينقذ الأمة ويحفظ دينه ويعلي من شأنه ويعيد مجد الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور