خبر وتعليق المرأة في الحجاز، بين حقها والمساومة
الخبر:
نشرت جريدة اليوم السابع بتاريخ الاثنين، 23/9/2013م مقالا تحت عنوان: “نشطاء سعوديون ينظمون حملة لرفع حظر قيادة المرأة للسيارة”، وتقول هذه الحملة أن مجموعة من النشطاء السعوديين أطلقوا حملة جديدة لرفع حظر قيادة المرأة للسيارات في المملكة ودعت النساء لتحدي حظرهن القيادة يوم 26 أكتوبر،
وفي فيديو نشر على موقع الحملة دعت امرأة سافرة السعوديات لقيادة السيارات يوم 26 أكتوبر تشرين الأول
وعبرت المرأة عن أملها في مشاركة عدد كبير من الفتيات هذه المرة حتى يتمكن من إنهاء الحظر مضيفة، أنه لا الشريعة ولا القانون يمنعان المرأة من القيادة.
وعن “رويترز” أن الأمير السعودي الوليد بن طلال كتب الأحد على حسابه على تويتر أن “قيادة المرأة للسيارة يؤدي للاستغناء على الأقل عن 500 ألف سائق وافد مما له مردود اقتصادي واجتماعي للوطن”، معتبرا أن ذلك سيوفر الكثير من الدخل للعائلات السعودية لأنها لن تضطر إلى دفع أجور للسائقين.
التعليق:
مرة أخرى يعمل أعداء الإسلام على المساومة في موضوع “المرأة”؛ فجعلوها قضية مزايدة وسفور بغض النظر عن التباس (مفهوم الحضارة والمدنية) لدى هؤلاء وتجاهلهم للمصطلحيْن، ومرة أخرى تتعالى الأصوات وتكثر الكلمات لتشويه الإسلام والمسلمين بالانطلاق من مسألة فرعية إلى تشويه الأصل وإبعاده عن الأذهان.
فجعلوا قيادة المرأة للسيارة في خضم ما يُقترف بحق المسلمين في بورما ومصر وسوريا وغيرها من مجازر، قضيةً ترفع لأجلها وبسببها اللافتات وتهتف للنّضال من أجلها وفي سبيلها أصوات الإعلام وأقلامه المسمومة.
كل هذا لصرف النظر عما هو أهم وأعمق من ذلك، والغريب في الأمر أنّ آخر صيحات العالم منذ قرنٍ تقريبًا، تدور حول ذلك المخلوق الذي رأوه عجيبا، والذي يُسمّى: “المرأة” مخلوق؟ أم ظاهرة!!
للأسف كان ذلك المخلوق محور نقاشٍ وتساؤلٍ كبيرين في أوروبا خلال قرونها “المُظلمة”!!!
لقد ادّعى بعضهم أنّها “شيطان” وجب التّخلّص منه، وادّعى آخرون أنّها مخلوق لم يوجد إلاّ للقيام ببعض المهامّ ولا يحقّ له إبداء رأيه أو التّعبير عن رغباته… وليس الوقت هنا وقت تفصيلٍ في معاناة المرأة عند “الغرب” طوال القرون الماضية، يكفي أن يطّلع أحدنا على مُؤلّفات الكُتّاب الفرنسيين [من القرن 15 إلى القرن 19] حتّى يكتشف، وعلى لسانهم، حال ذلك “المخلوق”.
ثمّ جاءت النّهضة الأوروبيّة، وهي نهضة فصلت الدين عن الحياة والدولة والمجتمع بالدّرجة الأولى، وصارت أوروبا بحاجة لليد العاملة لِتُكثّف من نشاطها وتنمو.
وهنا… وفجأةً؛ صار ذلك “الشّيطان” بشرًا!! وصار ذلك “المخلوق المنبوذ” إنسانًا كامل الحقوق! وأوّل مزاياه التي سيحصل عليها، هو أن يخلع التّنانير الطّويلة الفضفاضة وينزع “الفواليت” (غطاء الوجه آنذاك، كانت تلبسه الأوروبيّات مع القبّعات) ويلبس بذلة الشّغل، وينزل للعمل في المصانع وسط الآلات والصّخب.
أخيـرًا تحرّرت المرأة عند الغرب وخرجت للعمل وقادت السيارة!!
ثمّ شيئًا فشيئًا صار العلم يتقدّم أكثر فأكثر، وصارت الاختراعات تتابع الواحدة تلو الأخرى، وها هو عصر الكاميرات والتّلفزيون والسينما يَعُمّ، وبات من الضّروري تسويق بضائع أكثر ومنتجات أعمّ وأضخم من خلال الشركات العابرة للقارات!!
فتحصّلت المرأة على حقوق أكبر وأكبر؛ صار من “حقّها” أن تفرط بجسدها الذي أصبح ملكًا للتقدم الاقتصادي وأصبح مفهوم المرأة هو أنها “المُتاح”.
فليس من شيء يضاهي منظر فتاة شابّة في عرض سينمائي أو بالقرب من بضاعةٍ ما، ذلك أفضل “حقّ” لها وأفضل ما يزيد في الأرباح التّجاريّة لتلك الشركات، حتّى صارت تستمتع بعرض نفسها أمام “مكنسة” و”أكل للكلاب” وغير ذلك من العُلب والقوارير لأنّها الآن أصبحت “حُـرّة!!!”.
نعم، لا غرابة فإنّ للحريّة عند الغرب ثمنًا
واليوم أصبحت المرأة موضوعًا للمساومة على شاشات التلفاز والصحف؛ فالكل يحاول أن يَظهَر ويتألق ويتاجر بموضوع حقوق المرأة، وكعادة العملاء الذين يخدمون الكافر المستعمر في بلادنا الإسلامية.. يلجأون إلى مسألة “تقزيم القضايا” في محاولة يائسة بائسة لصرف الأمة عن التفكير بقضيتها المصيرية فيخرجون علينا بالمساومة في شكلها الجديد تحت بند تجارة الدين، وحرمة قيادة السيارة، وأصبح لقيادتها السيارة مردود اقتصادي حسب زعم الأمير صاحب قنوات الفجور المعروفة على الفضائيات “الوليد بن طلال”، وليس لأنه حق من حقوقها، فكان الأجدر به أن يتحدث في موقعه على التويتر حول مسألة “نهب ثروات المسلمين!”
وما الأمر في النهاية إلا مهزلة للتهكم ومجلبة للسخرية بالأمة الإسلامية ككل وليس بالمرأة فقط.
اعلَمي أختاه أن قضيتك أعمق من قيادة السيارة، وأن المرأة المسلمة عندما تواجه مثل هذه المشكلات، فإن ذلك يذكرها بأن الإسلام “فكرة وطريقة”، وهو النظام الوحيد السوي لتنظيم الحياة، فهو وحده يوفر للمرأة الأمن الاجتماعي والاقتصادي الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم. إنه النظام الذي لم تضطر النساء فيه إلى التخلي عن دورهن في الحياة السياسية ومحاسبة الحكام، وهو الذي ارتقى بها بعيدا عن صفاتها الجسدية واستغلالها كموارد اقتصادية، الإسلام الذي يتعامل مع المرأة على اعتبار أنها أمّ وربة بيت وعرض يجب أن يُصان، وأن فكرها المنبثق من عقيدتها الإسلامية هو منبع رقيها وليس قيادتها للسيارة أو حسب نوع السيارة
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال»
وبهذه الطريقة يمكننا أن نرى أن الخطر الحقيقي لتقدم المرأة ليس في الإسلام، لكنه في تلك الأنظمة السياسية الغربية التي تم فرضها على العالم، وفي اتخاذ مبدأ تجارة الدين وسيلة للتشويه والتضليل؛
لذلك فإن أساس العمل لا بد أن يكون مطلبا لكل نساء العالم، فضلا عن رجاله، هو إزالة هذه الأنظمة من بلداننا، وليس المطالبة بقيادة سيارة، وإن استئناف الحياة الإسلامية لا يكون إلا بإقامة دولة الخلافة التي يجب أن تكون القضية المصيرية المطروحة على الصعيد الدولي.
هذا هو أساس القضية التي يجب أن تكون مدار بحثنا
أختي المسلمة في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي
إن هذه الأمة المسلمة قد تعرضت لأقسى حملات الترهيب والتغريب والتلويث الفكري خلال عقود من الزمن، وما ترَينَه إنما هو بعض نتائج هذه الحملات، فلا تكوني عونا للشيطان على أمتك بل كوني درعا حاميا لها وشعلة مضيئة تنير لها الطريق ونقطة بيضاء في صفحة تاريخها الحاضر، ولكِ في رسول الله والسيدة خديجة حامية بيضة الإسلام الأولى والصحابيات الجليلات خير أسوة، فاعملي مع حاملات الدعوة من أجل استئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
فأنتِ مهندسة بفكرك الذي أنعم الله سبحانه وتعالى به عليك، ولستِ موضوع مزايدة للتلاعب تحت شتى العناوين ولا تحت تجار الدين، فعلى كاهلكِ أعمال لا يقوى عليها غيركِ؛ فأنتِ المنبت الطبيعي لجيل الخلافة القادم بإذن الله تعالى سواء قدتِ السيارة أم لم تقوديها.
يقول الله سبحانه: ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون)) [الصف: 8]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم أم مهدي – تونس