خبر وتعليق الخلافة هي وحدها التي تجلب الاستقرار والانسجام إلى القطاع الصناعي
الخبر:
قام عمال من قطاع الملابس الجاهزة في بنغلاديش باحتجاجات عنيفة في 21 من أيلول/ سبتمبر 2013م، مطالبين فيها بزيادة الحد الأدنى للأجور، من (38.5) إلى (104.0) دولار أمريكي. وقد أصيب المئات من هؤلاء العمال جراء قمع الشرطة للمتظاهرين، كما تم تخريب ونهب الممتلكات، وتم إيقاف العمل في مئات المصانع في دكا لأكثر من أسبوع.
لقد شكلت الحكومة مسبقاً، في تموز/ يونيو من هذا العام، لجنة لبحث الحد الأدنى للأجور، واستمعت اللجنة إلى ممثلي العمال ومطالبهم في أغسطس/آب. وفي 17 أيلول/ سبتمبر، اقترح ممثلو أصحاب مصانع الملابس الجاهزة أن يكون الحد الأدنى للأجور الشهرية 47 دولاراً أمريكياً، ويبدو أن هذا الاقتراح هو الذي أثار العمال وكان سببا في هذه الاحتجاجات.
من المعلوم أنّ بنغلادش هي في المرتبة الثانية بعد الصين في سوق تصنيع الملابس الجاهزة في العالم، حيث تجني بنغلادش أكثر من 21 مليار دولار من عائدات التصدير السنوية من هذا القطاع، ويتوقع خبراء القطاع الصناعي تضاعف عائدات التصدير خلال السنوات الخمس المقبلة. وهذا القطاع يشغل حالياً نحو 4 ملايين عامل، 80% منهم من النساء.
التعليق:
لقد أصبحت احتجاجات العمال في مختلف القطاعات الصناعية والخدماتية ظاهرة عادية ومشهداً متكرراً في بنغلادش، وبغض النظر عن التحريض الأجنبي وراءها، فإنّ هناك قضايا حقيقية تحتاج إلى معالجة، تمسّ كلاً من أصحاب المصانع والعمال، كقضية تحديد الأجور، وتأخر المدفوعات وانخفاضها وعدم سدادها في بعض الحالات، وسلامة مكان العمل، وتشكيل الجمعيات، وغيرها من القضايا المتصلة بالعمال بشكل عام. لقد بدأ أصحاب المصانع يشعرون بالقلق على سلامة وأمن مصانعهم، جراء علاقة الابتزاز بين العمال وأصحاب المصانع بشكل عام، مما يجعل العلاقة متناقضة وغير مستقرة كما هي طبيعتها في ظل النظام الرأسمالي.
لقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى مبادئ محددة لحل هذه القضايا، بحيث تكون العلاقة مستقرة ومنتجة، فدولة الخلافة تضمن حقوق كل من العمال وأصحاب المصانع، مما يضمن استقرار الاقتصاد ونموه. وأعرض أدناه وجهة النظر الإسلامية في عدد من القضايا الأساسية ذات الصلة، استناداً إلى واقع العلاقات العمالية مع أصحاب المصانع في الوضع الحالي في بنغلادش:
1- تحديد الأجور: إن الإجارة هي عقد على منفعة مقابل عوض، والإسلام يجيز لأصحاب المصانع استئجار الموظفين والعمال للعمل عندهم، قال سبحانه وتعالى في سورة الزخرف: ((أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)).
والشريعة الإسلامية نصّت على وجوب تحديد أجر العامل ومدة العمل ونوعه، وفيما يتعلق بأجور العمال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» [رواه ابن مسعود].
إنّ توفير الحاجات الأساسية اليومية للعامل هو الأساس الذي يدفع بالعمال إلى المطالبة بتحديد الأجور في بنغلادش. ولكن تحديد الأجور في الحقيقة يشبه إلى حد ما تربية الحيوانات المنزلية، حيث يُقدم لها الغذاء بما يكفي فقط لإنتاج البيض والحليب واللحوم، كما أنّ تحديد الأجور يولد بعض الممارسات الفاسدة، فعندما يتم تحديد حد أدنى للأجور من قبل الحكومة، فإنّ العديد من أرباب العمل يعملون على توظيف جميع العمال عندهم ضمن الحد الأدنى للأجور، وبالتالي يتم غبن العمال المهرة الذين يستحقون أجوراً أعلى، وبدلاً من ذلك يتم توظيف العمال غير المهرة أو شبه المهرة.
إنّ الإسلام يرفض بتاتاً مفهوم الرأسمالية في تحديد الأجور على أساس أدنى مستوى يعيش المرء عليه، وبالمثل، فإنّ الإسلام يرفض الأساس الشيوعي الذي يحدد الأجر بناء على إنتاج العامل، كما أنّ أجور العاملين في البلدان الأخرى، أو ما يسمى بالحد الأدنى ضمن المعايير الدولية، ليس معتبراً عند الإسلام ولا ينفع لأن يكون أساساً لتحديد الأجور، بل إنّ الأساس الذي يجب أن تحدد به الأجور هو منفعة جهد العامل، وسيكون في الدولة الإسلامية خبراء يقدرون أجر العامل وفقاً لمنفعة جهده في المجتمع الذي يعيش فيه.
2- توقيت الدفع: نتيجة لتأخير دفع أجور العمال من قبل أصحاب المصانع، ونتيجة لتراكم الأجور لبضعة شهور، أصبح العامل أسير صاحب العمل، يفاوض على حقه. ويحتج أصحاب العمل في تأخيرهم هذا بأنهم إذا ما دفعوا الأجور بالكامل في الوقت المحدد فإنّ العمال سيتغيبون وقتئذٍ عن عملهم أو يتركون وظائفهم! ولذلك يقوم العمال بالتظاهر كل عام، قبل عطلة عيد الفطر، للحصول على أجورهم، في حين يحظر في الإسلام عدم دفع الأجور في وقتها. روى البخاري، عن أبي هريرة، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ». وفي حديث آخر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ».
3- السلامة والأمن: لم ينسَ أهل بنغلادش بعد انهيارَ مبنى “رنا بلازا”، واندلاع النار في مصنع “تازرين” للأزياء العالمية، السنة الماضية، حيث قتل وأصيب الآلاف من العمال. وبالمثل في هذه السنة، تقوم أجهزة الدولة بالتعامل مع تظاهرات العمال الروتينية واعتدائهم المتكرر على الممتلكات العامة والخاصة، بقسوة شديدة، ولكن مثل هذه الإجراءات ممنوعة منعاً باتاً في الإسلام، فالدولة الإسلامية تتعامل مع مشاكل القطاع الصناعي بطريقة تضمن عدم حدوث أيّة مظاهرة أصلاً، حيث تلتزم الدولة الإسلامية بضمان أمن وسلامة مكان العمل وممتلكات العمال. عن أبي بكر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: «…فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ… » [متفق عليه].
4- النقابات العمالية: المفترض في النقابات العمالية – في النظام الحالي – أن ترعى شئون العمال، وتعمل على تحصيل حقوقهم، ولكن نظراً لتأثيرها الضار في الماضي، فإنّ الأنشطة النقابية تقتصر على قطاعات الملابس الجاهزة ومناطق تجهيز الصادرات، كما أنّ الجمعيات التابعة لهذه النقابات تقوم على أساس المصلحة الذاتية، فلقد كانت هذه الجمعيات أدوات للاستغلال من قبل الأحزاب السياسية والقوى الأجنبية على مر السنين. إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب في مختلف القطاعات، فالله سبحانه وتعالى يقول: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).
ولذلك سيُسمح بوجود الجمعيات بشكل عام في دولة الخلافة، ولن يسمح بوجود النقابات بصورتها الحالية. وفي حال وجود أي ظلم، فإنّ للعامل الذهاب إلى المحكمة، التي ستحكم له بحسب أحكام الشريعة العادلة، التي وردت أدلتها في القرآن والسنة.
5- التدخل الأجنبي: تقوم العديد من المؤسسات الدولية، من مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والقوى الأجنبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بالمشاركة المباشرة في عملية صنع سياسات القطاع الصناعي في بنغلادش، من خلال مختلف المنظمات، من مثل الوكالة الأمريكية للتنمية، ووزارة التنمية الدولية، وغيرها. حيث تقوم هذه المؤسسات بتمويل العديد من المنظمات غير الحكومية؛ لبناء ما يسمى بالوعي على حقوق العمال، مُخفين هدفهم الحقيقي في تعزيز الصناعات التي تكمل احتياجات البلدان الغربية، مما يجعل بنغلادش سندهم في هذه العملية. فهم يستغلون القضايا الحقيقية، ويثيرون مشاعر الناس؛ حتى تظل الصناعات في هذا البلد عرضة لأهوائهم ورغباتهم. بينما دولة الخلافة لا تسمح أبداً لأي بلد أجنبي أو مؤسسة أو شركة أجنبية بالتدخل في قطاعنا الصناعي، وغيره من القطاعات، والهيمنة عليها، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة النساء: ((…وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)).
وبدلاً من ذلك، فإنّ دولة الخلافة لديها سياستها الخاصة في بناء اقتصاد قوي وقاعدة صناعية متينة، بشكل يمكنها من أن تصبح قوة عظمى في الساحة العالمية، وسوف تكون الدولة الإسلامية دولة قوية ذات رؤية لحكم العالم بأسره على أساس الإسلام، ووفقاً لذلك سيتم بناء المجتمع والاقتصاد والسياسة والصناعة والسياسة العسكرية لدولة الخلافة ضمن هذه الرؤية والهدف.
وفي الختام: إنّ الحلول الحقيقية والشاملة للمشاكل يقدمها الإسلام فقط، ولا يمكن لنا أن نتوقع تغيير حال أي قطاع دون تطبيق أحكام الإسلام كاملة عليه. وعموماً، فإنّه عند تطبيق الإسلام كاملاً في ظل دولة الخلافة، فإنّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية ستكون ملائمة للعمل والنمو، وخالية من الاستغلال وفرض الضرائب على الناس وكل أنواع الابتزاز، وسيتم تعليم الناس المهارات الضرورية والقيم الإسلامية التي تضمن الحاجات الأساسية من قبل الدولة. لذلك فإنّ علينا للحصول على حياة كريمة، والفوز بالآخرة، واجب إقامة دولة الخلافة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد حسن الريان / بنغلاديش