خبر وتعليق القضاء على سرد “المرأة كدافعة للاقتصاد” (مترجم)
الخبر:
في هذا الأسبوع اجتمع زعماء العالم في قمة أبيك الاقتصادية 2013 في بالي في إندونيسيا. هذا العام، اعتمدت “أبيك للمرأة” و”منتدى الاقتصاد” فكرة “المرأة كدافعة للاقتصاد” كموضوع رئيسي، ودعوا الحكومات والقطاع الخاص إلى اتخاذ تدابير وبرامج لتشجيع المزيد من النساء على الوظائف والأعمال، وكذلك للمساعدة في نمو الشركات التي تملكها النساء. إنه ببساطة مجرد ذراع آخر للحملة المكثفة التي تشنها الدول الغربية والمنظمات بما فيها الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي لدفع المرأة إلى العمل، في إطار السرد بأن هذا هو السبيل إلى تأمين النمو الاقتصادي المرتفع وتخفيف حدة الفقر، وخلق الرخاء الاقتصادي وتمكين المرأة وحتى قد صيغ مصطلح لها: “وومانوميكس”!
في نيسان/أبريل أصدرت الأمم المتحدة تقريرا بعنوان “حالة المرأة في المدن”، جاء فيه: “أن المرأة هي الدافع الرئيسي للنمو الاقتصادي والثروة في أيديهم تؤدي إلى نتائج أكثر إنصافا من حيث نوعية الحياة للأسرة والمجتمعات.”
وفي أيلول/سبتمبر من هذا العام، نشرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مقالاً بعنوان: “المرأة والاقتصاد العالمي” ناقشت فيه المكاسب الاقتصادية المحتملة من البلدان التي لديها قوة عاملة أكبر من الإناث. وذكرت أن في مصر، إذا زاد عدد النساء العاملات إلى نفس مستوى الرجال، فإن الناتج المحلي الإجمالي في البلاد قد ينمو بنسبة 34٪، وفي الإمارات العربية المتحدة سيرتفع بنسبة 12٪. ويجري الترويج لسرد ومناقشات مماثلة في تركيا وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي.
التعليق:
إن هذا السرد الذي يدفع المزيد من النساء للوظائف والعمل والذي هو وسيلة لرفع الفقر وتمكين المرأة في جنوب شرق آسيا وجميع أنحاء العالم الإسلامي هو كذب محض وتضليل. وقد استشهد بالبرازيل، والمكسيك، ونيجيريا كثلاثة بلدان للأسواق الناشئة التي توسعت فيها مشاركة المرأة في الاقتصاد في العقدين الماضيين. في الواقع، في البرازيل، ارتفع معدل قوة المرأة العاملة خلال السنوات الـ 20 الماضية من 45٪ إلى 60٪، ومع ذلك، فإن 26٪ من السكان ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر على الرغم من أن هذا البلد يتمتع بازدهار في النمو الاقتصادي،. وفي نيجيريا، البلد التي لديها أكثر من 6٪ من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، قد ارتفع الفقر عاما بعد عام بحيث يعيش اليوم 67٪ من النيجيريين في فقر مدقع. هذا الفقر هو نتيجة مباشرة لاقتصاد وسياسات السوق الحرة الرأسمالية، التي أثقل نموذجها القائم على الربا، وتحريره من الاقتصاديات بما في ذلك رفع لوائح التجارة الخارجية، وخصخصة الموارد الحيوية، والزراعة مع الشركات المرتبطة بها التي تستولي على الأراضي، وإزالة حماية الدولة عن الصناعات المحلية… كل هذه قد أثقلت كاهل الأمم بالديون الهائلة، وأصابت الأسواق والشركات المحلية بالشلل، وأضرت بالقطاع الزراعي المحلي، ورفعت تكاليف المعيشة، وبالتالي دمرت الاقتصاديات بطريقة مذهلة. كل هذا دفع بالملايين من النساء والأطفال في جنوب شرق آسيا وجميع أنحاء العالم الإسلامي إلى الفقر المدقع. وفي إندونيسيا كمثال، بين عام 2007 إلى 2010، فإن أكثر من 6100 من الشركات قد انهارت، ويرجع سبب ذلك في جزء كبير منه إلى تدفق الواردات الأجنبية الرخيصة إلى الأسواق المحلية، التي لا تستطيع الشركات والصناعات المحلية أن تنافسها. ويعزى ذلك إلى فساد سياسات السوق الحرة الرأسمالية التي تتلاعب بأنظمة التجارة الخارجية والنظام الضريبي لصالح الشركات الأجنبية على حساب التجار المحليين. مثل هذه السياسات قد أثرت أيضا في القطاع الزراعي الذي هو المجال الأساسي لعمل المرأة والذي يشكل 41٪ من مجموع العاملين في القطاع (وفقا لمنظمة العمل الدولية)، ما اضطر 5.17 مليون من المزارعين الإندونيسيين ما بين 2003 – 2013، إلى التخلي عن وظائفهم بسبب نقص القدرة الإنتاجية، مما أدى مرة أخرى إلى تدفق جزء كبير من الواردات الخارجية الرخيصة من الواردات الأجنبية، وإلى ملايين الفقراء من النساء المنخرطات في القطاع الإنتاجي. ومن هنا كانت فكرة أن مجرد دفع المرأة إلى العمل هو السبيل إلى تخفيف حدة الفقر وتمكين المرأة هي فكرة كاذبة بشكل واضح. بل إنه السرد الذي يصرف الانتباه عن حقيقة فساد نظام السوق الحرة الرأسمالي، وأنه السبب الرئيسي للفقر ومنهجية عدم التمكين للمرأة على الصعيد العالمي. وطالما تعيش المرأة في ظل هذا النظام وسياساته، فإنها ستظل تعاني من صعوبات اقتصادية هائلة، بغض النظر عن كونها عاملة، أو حتى أولئك اللواتي يُدِرْنَ شركات، فإنهن سيواجهن صراعا مستمرا للبقاء واقفات على أقدامهن. بالتأكيد، فإن هذه الحملة لزيادة عدد النساء في العمل في جميع أنحاء العالم الإسلامي هي ببساطة إضافة إلى الاستغلال الاقتصادي المنظم الذي يواجهْنَه بالفعل كعمالة رخيصة من قبل الشركات الرأسمالية والحكومات التي تسعى لزيادة الأرباح والإيرادات. وقد رأينا في المغرب على سبيل المثال أن عمالة الإناث قد زادت في العقد الماضي ولكن معظمها في العمل غير المنظم مع تدني الأجور. ومع تقدم اقتصاديات آسيان نحو التكامل الاقتصادي الكامل في عام 2015، ليس هناك شك في أنهم يقومون بالبحث عن المزيد من الإمدادات من الأيادي العاملة الرخيصة – التي تقدمها النساء – لإغراء المستثمرين الأجانب إلى بلدانهم.
إننا بصفتنا نساء مسلمات، ينبغي أن نرفض هذا السرد الفاسد المضلل، فضلا عن رفض نظام السوق الحرة الرأسمالية الذي ينظر إلى المرأة على أنها كائنٌ لتوليد الثروة. فمن خلال إجبار النساء على العمل فقد تم حرمانهن من قضاء الوقت اللازم مع أطفالهن. بل ينبغي أن نؤيد الدعوة لدولة الخلافة التي تنظر إلى المرأة كإنسان له كرامة. إن نظام الإسلام هو وحده الذي يملك المبادئ والسياسات الاقتصادية السليمة التي لديها القدرة على حل مشكلة الفقر وخلق الرخاء الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دولة الخلافة ملزمة بضمان حصول النساء على الأمن المالي، والرعاية التي أوجبها الشرع على أقاربهن من الذكور أو من قبل الدولة، في الوقت الذي تعطى فيه الحق في العمل، ولكن ليس تحت ظروف قمعية، بل بطريقة آمنة وكريمة، خالية من الاستغلال وسوء المعاملة. يقول الله سبحانه وتعالى:
((وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم))
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير