خبر وتعليق التوفيق بين البنوك الربوية وأحكام الإسلام عمل سقيم
الخبر:
وجه نائب رئيس الجمهورية “الحاج آدم يوسف” البنوك بإعادة النظر في سياساتها في إدارة التمويل بتمليك من لا يملك المال، بدلاً عن النظر في الضمانات وكيفية إرجاع المال بمتابعة المشاريع التمويلية، وأضاف: (ليكون المال دولاً بين جميع الناس الأغنياء والفقراء وذلك بقاعة الصداقة في الاحتفال باليوبيل الفضي لبنك العمال الوطني، بوصول رأس مال البنك إلى (144) مليار جنيه و(17) فرعاً بمختلف الولايات، بعد أن كان قد بدأ برأسمال قدره (8) ملايين جنيه وفرع واحد في العام 1988م، صحيفة المجهر يوم الجمعة 11/10/2013.
التعليق:
إن تمويل المشاريع، لمن لا يملك مالاً هو واجب على الدولة وليس البنوك، والدولة في الإسلام تملك دائرة في بيت مال المسلمين للإقراض دون ربا، مما يبرهن عدم حاجتنا لمثل هذه المؤسسات التي يسوق لها البعض على أنها ركيزة للاقتصاد، فهي ركيزة الاقتصاد الرأسمالي المتهاوي، وليست ركيزة للاقتصاد الإسلامي؛ الذي يشكل منظومة فريدة ومتكاملة مع نظم الحياة الأخرى تطبق كلاً لا جزءاً.
وقبل أن نذكر بحقيقة هذه البنوك، وحكم الإسلام في طريقة تأسيسها ومعاملاتها، نريد أن نقف على الخطّ المستقيم، أي على المعاملات الشرعية المتعلقة بالأموال بشكل عام.. فالإسلام – كما تعلمون – قد بين الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات المالية؛ سواء أكانت مؤسسات لهذه الأموال، أم معاملات بين أفراد المجتمع، ومن هذه المعاملات الجامعة لشؤون المال والأعمال:
الصرف، والقروض، والبيوع بأنواعها، والإجارة، ومعاملات الشركات والهبات والعطايا، ومعاملات الرهن والودائع…
فهذه المعاملات المتعلقة بشؤون المال، قد فُصلت تفصيلاً دقيقاً، وتحدثت الأحكام الشرعية عن كل جزئية من جزئياتها، وبينت الطرق المعوجة التي تحيد عن الخط المستقيم فيها، وبالتالي فهذه الأحكام تضبط سلوك الناس في المجتمع، بحيث تكون معاملاتهم ضمن دائرة الشرع، ويكسب مالاً حلالاً طيبا، ويكون بعيداً عن المعاملات الرأسمالية التي يدخلها الخطأ في طريقة المعاملة، ويداخلها الربا من أبواب عديدة.. والذي لا يورث إلا حربًا من الله ورسوله.
والأصل في المسلم الذي يبتغي مرضاة ربه عز وجل، ويتحرّى الحلال في الكسب، والدقة في المعاملات المالية، أن يسأل عن حكم الإسلام في معاملته كبرت أم صغرت، لا أن يأتي بمغالطات قد أسّست على غير تقوى من الله عز وجل؛ تلبس على البسطاء دينهم، وتجعلهم يتوهمون أن هذه البنوك عندما تمول مشاريعهم تعمل ذلك بدافع مساعدتهم وإعانتهم.
أما محاولة التوفيق بين عمل هذه البنوك الربوية وبين الإسلام بذكر بعض الآيات من مثل (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)، لإعطائها صبغة إسلامية، فهذه الطريقة سقيمة في أصولها وفروعها، لأن أصلها خبيث فاسد، ولن يثمر إلا الفساد، فكل واعٍ يدرك أن تمويل المشاريع يقوم على قروض ربوية بحتة في كل البنوك، حتى تلك المسماة إسلامية، فهذه التسمية استهلاك رخيص لا ينطلي على من جعل العقيدة الإسلامية أساساً لحياته، والحلال والحرام مقياساً لأعماله.
أما المفارقة فهي أن يذكر رأس مال البنك 8 مليون جنيه لتصبح خلال فترة لا تتجاوز 15 عاماً 144 مليار جنيه، وهذا لم يكن لولا هذه المعاملات الربوية التي تسرق مجهود الناس بغير وجه حق. والحقيقة أن كلمة بنك أصلاً في المصطلح الغربي معناه وواقعه مؤسسة ربوية، ولا يوجد أي تجانس بين طلب نائب الرئيس من البنوك إعطاء المال للناس لكي لا يكون دولة بين الأغنياء وعمل البنك الأصلي؛ الذي يقوم على الربا، والمزج بينهما هو عملية تضليلية من أجل تحسين صورة هذه البنوك في نظر الناس، ومن أجل كسر الحاجز بين المسلمين وهذه المؤسسات الربوية. وقد وردت آيات صريحة تدل على تحريم الربا تحريما قاطعا لا ريب فيه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ).
ومفهوم الربا والبنوك أصله في النظم الغربية نابع من فكرة الحريات الاقتصادية؛ أي من حرية التملك، وتنمية الملك، والانتفاع والتصرف بهذا الملك بكامل الحرية، فلا مانع عند الرأسمالي إن نمّا أمواله بطريقة الربا، ولا مانع أن تقوم مؤسساته على فكرة الربا، لأن هذا حرية اقتصادية. أمّا الإسلام فلا يوجد فيه أيّ حرية بهذه المفاهيم السقيمة التي تمحق البركة وتوجب غضب الجبار. وهي تنسجم مع مبدئه الذي يقوم على فصل الدين عن الحياة.
إن محاولة كسب ثقة الناس ببعض الكلمات الدالة على القيم الإسلامية في عمل البنوك لا يجعل من تمويلها للمشاريع بالربا معاملة شرعية لأن حقيقة الجوهر هي فاسدة ابتداءً، هذا عدا عن المعاملات التي تتمّ داخل هذه البنوك وهى بمجملها معاملات فاسدة لا تراعي أحكام الإسلام؛ وتفصيلاته. والله لم نجنِ منها غير الحبس إلى حين السداد؛ والتي بسببها امتلأت السجون بالمستضعفين، ممن ضللوا عن أحكام دينهم السمحة، فوقعوا فريسة سهلة لهذه المعاملات التي تجني بها البنوك المال الحرام.
إن دولة الخلافة هي من يبعد عن الناس شبح هذه البنوك التي لا تخدم غرضاً، وذلك بتطبيق نظام الاقتصاد في الإسلام مع بقية أنظمة الحياة الأخرى، فتملأ الدنيا نوراً وعدلاً ربانياً، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب/ غادة عبد الجبار