Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف النقود

 

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

روى أبو داوود في سننه قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ يَعْلَى ابْنَ مُنْيَةَ قَالَ: آذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَزْوِ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ لِي خَادِمٌ فَالْتَمَسْتُ أَجِيرًا يَكْفِينِي وَأُجْرِي لَهُ سَهْمَهُ فَوَجَدْتُ رَجُلًا فَلَمَّا دَنَا الرَّحِيلُ أَتَانِي فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا السُّهْمَانِ وَمَا يَبْلُغُ سَهْمِي فَسَمِّ لِي شَيْئًا كَانَ السَّهْمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَسَمَّيْتُ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَلَمَّا حَضَرَتْ غَنِيمَتُهُ أَرَدْتُ أَنْ أُجْرِيَ لَهُ سَهْمَهُ فَذَكَرْتُ الدَّنَانِيرَ فَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَهُ فَقَالَ مَا أَجِدُ لَهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا دَنَانِيرَهُ الَّتِي سَمَّى
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:

( السَّيْبَانِيّ ): بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَالْمُوَحَّدَة وَبَيْنهمَا تَحْتَانِيَّة وَسَيْبَان بَطْن مِنْ حِمْيَر. كَذَا فِي الْخُلَاصَة

( أَنَّ يَعْلَى اِبْن مُنْيَة ): بِضَمِّ الْمِيم وَسُكُون النُّون بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة مَفْتُوحَة وَهِيَ أُمُّه، وَفِي بَعْض النُّسَخ يَعْلَى بْن أُمَيَّة وَهُوَ أَبُوهُ

( أَذَّنَ ): ضُبِطَ بِتَشْدِيدِ الذَّال الْمُعْجَمَة مِنْ التَّأْذِين. وَقَالَ الْقَارِي: بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمَ أَوْ نَادَى.

(بِالْغَزْوِ ): أَيْ بِالْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ.

( فَالْتَمَسْت ): أَيْ طَلَبْت .

( وَأَجْرَى ): مِنْ الْإِجْرَاء أَيْ أَمْضَى.

( لَهُ سَهْمه ): أَيْ كَسَائِرِ الْغُزَاة.

( فَلَمَّا دَنَا ): أَيْ قَرُبَ.

( أَتَانِي ): أَيْ الرَّجُل.

( مَا ): اِسْتِفْهَامِيَّة مُبْتَدَأ

( السُّهْمَان ): بِالضَّمِّ جَمْع سَهْم خَبَر الْمُبْتَدَأ

( فَسَمِّ ): أَمْر مِنْ التَّسْمِيَة أَيْ عَيِّنَ.

( أَمْرَهُ ): أَيْ أَمْرَ الرَّجُل.

فِي شَرْح السُّنَّة: اِخْتَلَفُوا فِي الْأَجِير لِلْعَمَلِ وَحِفْظ الدَّوَابّ يَحْضُر الْوَاقِعَة هَلْ يُسْهَم لَهُ، فَقِيلَ لَا سَهْم لَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِل إِنَّمَا لَهُ أُجْرَة عَمَله، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاق وَأَحَد قَوْلِيّ الشَّافِعِيّ. وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد: يُسْهَم لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِل إِذَا كَانَ مَعَ النَّاس عِنْد الْقِتَال، وَقِيلَ يُخَيَّر بَيْن الْأُجْرَة وَالسَّهْم اِنْتَهَى.

وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ.

من الحديث نفهم أن الإسلام ترك للناس أن يتفقوا على الأساس الذي يقدرون به قيم السلع والمنافع والأجور فيما بينهم، ولم يفرض أساسا معينا يعتبر وَحْدَهُ مقياساً لقيم الأشياء, ففي حين قدر يعلى أجرة الأجير بسهمه من الغزوة رفض الأجير ذلك التقدير وطلب تحديده بمبلغ معين من النقود. واتفقا بعدها على تعيين الثلاثة دنانير قيمة للأجرة, فلما رفعا الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإنفاذ ما اتفقا عليه . مما يدل على أن المعول عليه في التقدير هو رضى الطرفين.

لكن من المهم ملاحظة أن الإسلام وإن لم يعين أساسا معيناً يفرضه على الناس لتقدير قيم الأموال والجهود، إلا أنه تدخل في تعيين نوع النقد الذي يتخذ مقياسا ثابتاً لقيم الجهود والأموال فجعلها محصورة في جنس معين هو الذهب والفضة.

صحيح أن وحدات الذهب والفضة كانت متداولة قبل ظهور الإسلام لكن هناك أدلة تدل على أن الإسلام لم يكتفِ بإقرار هذه الوحدات المتداولة أصلا بل حصر النقد فيها دون غيرها, فحين حرم الإسلام كنز المال خص الذهب والفضة بمنع كنزهما ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))
كما ربط الذهب والفضة بأحكام ثابتة لا تتغير، فحين فرض الدية جعل لها مقدارا معينا من الذهب قال عليه الصلاة والسلام: “وأن في النفس الدية مائة من الإبل … وعلى أهل الذهب ألف دينار ” وحين أوجب قطع يد السارق عين المقدار الذي يقطع بسرقته بمقدار من الذهب …قال عليه الصلاة والسلام: ” تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا “.

وحين أوجب الله تعالى زكاة النقد أوجبها في الذهب والفضة وعين لها نصاباً من الذهب والفضة

حين جاء بأحكام الصرف وهو بيع عملة بعملة, فقد جاءت هذه الأحكام بالذهب والفضة وحدهما قال عليه الصلاة والسلام: ” الذهب بالوَرِق رباً إلَّا هاءً وهاء ” …وقال أيضاً : “بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد ” ويجري الصرف في النقد كما يجري في الذهب والفضة.

عدا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عين الذهب والفضة نقدا وجعلهما وحدهما المقياس النقدي الذي يرجع إليه مقياس الأموال والجهود وعلى أساسهما تجري جميع المعاملات … فقد حدد ميزان الذهب والفضة بميزان معين هو ميزان أهل مكة, عن ابن عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ” الوزن وزن أهل مكة “.

لهذا كله فإن الذهب والفضة هما النقدان المعترف بهما في الإسلام وهما نقدا الدولة الإسلامية القائمة قريباً بإذن الله, ولا يجوز أن يتخذ أي نقد آخر أساسا للتقدير سوى الذهب والفضة فكون الشرع قد نص على هذا النقد بهذه الأحكام المتعلقة به وحده والمرتبطة به أنه الذهب والفضة دليل واضح على أن النقد يجب أن يكون من الذهب والفضة أو أساسه الذهب والفضة. فكان لا بد من التزام ما عينته الأحكام من نوع النقد فيجب أن يكون النقد في الإسلام هو الذهب والفضة.

ومع أنه يجوز التبادل والتقدير بين الناس بغير الذهب والفضة إلا أنه لا يجوز أن يكون المقياس النقدي إلا الذهب والفضة وهذا معنى أن الإسلام لم يتدخل في وسائل التبادل والتقدير إلا أنه تدخل في تحديد المقياس النقدي لها.

لعل الطريقة المثلى لفهم أحكام شرعنا الحنيف من قبل الناس، العامة منها والخاصة هو بتطبيقها في المجتمع وتسيير أمور حياتهم حسبها فهي الطريقة العملية لفهم الأحكام وإحسان تطبيقها … جعل الله ذلك اليوم قريباً بإذنه تعالى.

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.