Take a fresh look at your lifestyle.

جواب سؤال واقع المؤسسات التي تعمل لخدمة الدولة القومية

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن  الرحيم

 

جواب سؤال واقع المؤسسات التي تعمل لخدمة الدولة القومية

 

 

 

 

 

السؤال:

 

نَتحدّثُ عادة عن مراكز “القوة/السلطة” بأنها متمثلة في الدولة القوميةِ، ذاكرين مثلاً المصالح الأمريكية باعتبارها اليوم الدولة الأولى الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية. ولكن هناك من يرون بأن قاعدة “القوة/السلطة” الحقيقيةَ تَتجاوزُ حدود الدولة القوميةَ، ويعنون بذلك جمعيات سرّية من القوى المتحدة ذات “قوة/سلطة” عالمية نذكر منها – على سبيل المثال – منظمات مثل اللجنة الثلاثية، ومجموعة بيلدربيرغ (Bilderberg) ومجلس العلاقات الخارجيةِ. كُلّ هذه القوى قَد تتحد أحياناً تحت أسماء عامّة مثل النخب العليا Illuminate) ( والمصرفيين العالميين والمؤسسات المالية والتجارية الكبرى…

 

ويقول البعض بأنّ مراكز القوى هذه لا تَحْمل ولاء لأيّ دولة قومية، حتى وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية، بل هي مستعدة لأن تنتقل خارج الولايات المتّحدةِ إلى هياكلِ قوى جديدة وفق “نظرية النظامِ العالمي”. وقد توجد تحولات مذهلة نتيجة ذلك يدخل فيها تَرْك الدولارِ والتوقف عن تجارة النفطِ بالدولار لصالح عملة جديدة تستند إلى سلة من السلعِ أَو اتحاد عملات.

 

والسؤال هو: ما مدى صحة ذلك؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هي وجهة النظر التي يراها الحزب حول مراكز “القوة/السلطة” التي تتعدى حدود الدول القومية إلى سلطة عالمية؟

 

 

الجواب:

 

1- إن المبدأ الرأسمالي لم يعمل على إلغاء الفكرة القومية، بل اعترف بها واعترف بالحدود القائمة بين الدول. ولذلك أقرت الدول الرأسمالية استقلالية الشعوب في دول منفصلة ضمن حدود مرسومة في معاهدات دولية منها معاهدة فينا عام 1815، وحدثت حروب بين هذه الدول بسبب الدافع القومي… فالدول الرأسمالية اتخذت الصفة القومية والوطنية وحافظت عليها استنادا إلى المبدأ الرأسمالي، وقاتلت بعضها بعضا من أجل السيادة القومية والوطنية والمصالح الاستعمارية مع أنها كلها مبنية على الفكرة الرأسمالية وتحملها للآخرين. حتى إنهم عرفوا الدولة تعريفا مغلوطا قائلين بأنها تتكون من السلطة والشعب والإقليم المحدود. فمنذ نشوء هذا المبدأ والحروب الدامية مستمرة بين هذه الدول. وأما الاتحاد الأوروبي فهو لم يُلغ الدولة القومية، بل ما حدث هو أقرب إلى التعاون بين كيانات قومية، وهو بعيد عن كينونة الدولة الواحدة، وتعتريه على فترات أزمات حادة تكاد تعصف به، بل إن عددا من دوله مهددة بالانقسام، فهناك دعوات الانفصال في العديد منها مثل بلجيكا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا. ونظام الحكم الفدرالي الذي تتبناه الدول الرأسمالية عامل مساعد لحدوث الانقسام، خاصة في الدول التي تتكون من قوميات مختلفة. وأمريكا الفدرالية تحمل العوامل نفسها المساعدة على الانفصال، وقد حدثت فيها هذه الحالة عام 1860 واستمرت الحرب بين ولايات الشمال وولايات الجنوب خمس سنوات. فمن هنا لا يمكن إلغاء الدولة القومية عند أصحاب الفكر الرأسمالي. فالمبدأ الرأسمالي فاشل في صهر الشعوب والأقوام في بوتقة واحدة، بل هو فاشل في صهر الأقوام المختلفة التي تعيش في دولة واحدة. فمن هنا كان الحديث عن إلغاء الدولة القومية عند أصحاب الفكرة الرأسمالية بعيدا كل البعد عن الواقع. وأصحاب رؤوس الأموال الكبرى في كل دولة جزء من شعوبهم يعملون على دعم دولهم القومية وتقويتها، بل هم الذين يقودونها مباشرة أو غير مباشرة. ولذلك نرى العديد من الذين يتبوءون المناصب في الدولة إما هم من أصحاب رؤوس الأموال وإما لهم علاقة بهم أو عملوا في إدارات الشركات الكبرى.

 

2- أما ما ذكر في السؤال من قوى، والقول بأنها تتجاوز الدولة القومية إلى سلطة عالمية، فليس الأمر كذلك، بل هي مؤسسات تعمل لخدمة الدولة القومية، وبخاصة أمريكا، والأمر كما يلي:

 

أ- بالنسبة لنادي بيلدربيرغ فقد تأسس في 1954/5/29 في فندق بيلدربيرغ في أوستربيك بهولندا فأخذ اسمه من هذا المكان. وقد تم تأسيسه من قبل بعض أصحاب رؤوس الأموال الأمريكيين مثل ديفيد روكفلر واشترك معهم بعض الأوروبيين المؤيدين لسياسة الدعم الأمريكي لأوروبا الغربية. وكان منهم أمير هولندا بيرنهارد الذي عين كأول رئيس لهذا النادي، وكان معه في لجنة إدارة النادي جون س. كولمان رئيس غرفة التجارة في الولايات المتحدة. وذكر أن الهدف من تأسيسه هو معالجة ظاهرة ارتفاع مشاعر العداء للولايات المتحدة في أوروبا بسبب مخطط مارشال الذي فرض هيمنة واشنطن واستعلاءها على أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية مستغلة مساعداتها لأوروبا… وكان الشيوعيون وكذلك الديغوليون يلعبون دورا مهما في إثارة هذه المشاعر. وذكر أيضا أن الهدف من تأسيس النادي هو “تبني خطة للتقليل من هذه الظاهرة العدائية للولايات المتحدة لتعزيز الروابط بينها وبين أوروبا ولتعزيز الكتلة الغربية في مواجهة الكتلة الشرقية والشيوعية والمحافظة على الحضارة الغربية وعلى النموذج الرأسمالي الاقتصادي الحر”. وكان يحضر لقاءات النادي العديد من قادة الغرب من ضمنهم ملوك وإعلاميون وصناع رأي وسياسيون من اليمين المحافظ واليسار الديمقراطي.

 

فهذا النادي الذي يعقد اجتماعاته مرة في السنة منذ تأسيسه حتى اليوم هو ناد أمريكي التأسيس وأمريكي الأهداف وأمريكي التوجه والتوجيه. ولكن هناك من امتد خياله على طريق الأفلام فصوّره على أنه حكومة عالمية سرية تدير العالم كما كتب أحد الروس كتابا بهذا الخصوص فباع منه ملايين النسخ! ولكن المفكرين السياسيين والواعين سياسيا يدركون ماهية هذا النادي كبعض الفرنسيين الذين كتبوا قائلين: (إن هذا النادي “نادي بيلدربيرغ” المؤلف من شخصيات مؤثرة ليس إلا أداة ضغط مؤثرة يستخدمها حلف الأطلسي لترويج مصالحه… والعمل على بسط نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية) وقد اتضحت قوة أمريكا في هذا النادي من خلال اجتماعه الذي عقد بقصر فرساي في فرنسا ما بين 15 إلى 18 أيار/مايو 2003 والخلافات التي حدثت بين الفرنسيين والأمريكيين في الاجتماع عندما حضر الرئيس الفرنسي شيراك هذا الاجتماع… فاحتج عليه الأمريكيون لأنه عارضهم في غزوهم للعراق وعملوا على إهانته في المؤتمر الذي حضره أهم رجالات الإدارة الأمريكية في عهد بوش الإبن منهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفويتز وعضو لجنة سياسات الدفاع الأمريكية ريتشارد بيرل وكذلك وزير خارجية أمريكا السابق هنري كيسنجر بينما كان يقوم وزير خارجية أمريكا كولن باول بجولة أوروبية لحشد التأييد لسياسة بلاده. واشتعل نقاش حول العقود الكبيرة التي عقدتها الشركات الأمريكية في العراق مثل شركة بكتل وشركة هالي بيرتون وتساءل عضو أوروبي متهكما “أي الشركات الأوروبية ستحصل على عقود سمينة كهذه؟”. وكذلك نوقش موضوع تأسيس جيش أوروبي وقد اعترض الأمريكيون عليه وجرى نقاش حاد بين الأوربيين والأمريكيين حول ضرورة تأسيس مثل هذا الجيش، وفي النهاية أحبطت أمريكا فكرة تأسيس هذا الجيش.

 

فمن هنا يتبين أن نادي بيلدربيرغ هو عبارة عن وسيلة من وسائل أمريكا للدفاع عن سياسة هيمنتها على أوروبا، وتسويق المشاريع الأمريكية بحيث تعمل على إقناع الأوروبيين بأن سياستها لا تتصادم مع سياستهم وإنما هي لصالحهم ولصالح الغرب عموما في الوقت الذي هي فيه مخططة لمصلحة أمريكا ومشاريعها في الدرجة الأولى…

 

ب- وأما نادي اللجنة الثلاثية فقد تأسس سنة 1973 من قبل ديفيد روكفلر وزبغنيو بريزنسكي مع مجموعة أخرى من مفكرين وسياسيين وأكاديميين أمريكيين، وكان يشترك في النادي عند تأسيسه زعماء المناطق الثلاث أمريكا وأوروبا الغربية واليابان. أما أهدافه فهي: “تعزيز التعاون بين هذه الدول فيما يخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية والسيادية في باقي مناطق العالم. ووضع حلول للمشاكل العالقة والناشئة بين هذه الدول، وتبادل الخبرات ووجهات النظر بينها، ومراقبة تطور العلاقات بين الشرق والغرب”. فيلاحظ أن الأمريكيين أسسوا هذا النادي لضمان الهيمنة الأمريكية على أوروبا واليابان أيضا.

 

ج- أما المؤسسات الغربية المالية والتجارية الكبرى الخاصة ومنها التي تملكها عائلات مثل عائلة روكفلر أو روتشيلد أو بلومن بيرغ فإنها تعمل لتحقيق مصالحها ضمن سياسة هذه الدول وبالتنسيق معها ولا تكاد تخرج عن أية جزئية منها وقد رأينا نشاط روكفلر في تأسيس نادي بيلدربيرغ ونادي اللجنة الثلاثية من أجل خدمة هيمنة الدولة الأمريكية على أوروبا واليابان وباقي دول العالم. وهذه المؤسسات تدرك إدراكا تاما أن الدولة هي التي تحميها وتقف خلفها وتؤمن لها تحقيق مصالحها وجني الأرباح. والدولة الرأسمالية ترى أن الشركات هي التي تقوم بدور كبير لجلب الأموال والأرباح من الخارج وهي التي تقوم بالمشاريع وتشغل الأيدي العاملة في الداخل. فتعتبر الشركات كأنها مؤسسات حكومية تقوم مكانها بدور مهم لخدمة مواطنيها وتعمل لصالح البلاد وتعتبرها أداتها في تحقيق الأهداف الاستعمارية في الخارج. فقديما دخلت بريطانيا الهند عن طريق شركة الهند الشرقية ومن ثم بدأت باستعمارها مباشرة. والشركات والمؤسسات المالية الأمريكية الكبرى الخاصة تقوم بدور فعال لصالح الدولة الأمريكية. فمثلا مؤسسة غولدن ساكس المالية الأمريكية لعبت دورا معينا ضد الاتحاد الأوروبي لصالح أمريكا. فقد زوَّرت حقيقة الوضع الاقتصادي لليونان عام 2001 لتجعلها تدخل منطقة اليورو حتى توجد المشاكل المالية والاقتصادية في هذه المنطقة بغية إضعافها أو إسقاطها. فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز: “أن صفقة واحدة أدارها بنك جولدن ساكس عام 2001 بمقدار 15 مليار دولار ساعدت في إخفاء مليارات الدولارات من ديون اليونان عن مراقبي الموازنات بمقر الاتحاد الأوروبي”. (الجزيرة الوثائقية وول ستريت متورط بأزمة أوروبا المالية 2010/2/14). باعتبار أن هذه الأموال صفقة تجارية وليست قرضا. فأظهرت أن مستوى الديون لا يتخطى مستوى الدخل القومي أو الناتج المحلي، وأن التضخم لا يزيد عن المستوى المقبول أوروبيا. وكان غرض أمريكا إضعاف الاتحاد الأوروبي وتفتيته وضرب اليورو حتى لا ينافس الدولار، وذلك لضمان استمرار الهيمنة الأمريكية على الأوروبيين وعلى اقتصادهم وعلى العالم كافة. فتقوم الشركات والمؤسسات المالية الأمريكية الكبرى الخاصة بدور معين لصالح بلادها وبالتنسيق مع الدولة الأمريكية. وقد أظهرت ألمانيا انزعاجها من ذلك، واتهمت اليونان بالكذب والتزوير عندما انفجرت الأزمة المالية في اليونان عام 2010 مما أثر ذلك على تماسك منطقة اليورو وعلى ألمانيا، وما زالت تداعيات الأزمة مستمرة.

 

د- مع أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية أقيمت كمؤسسات دولية إلا أنها لم تتمكن من أن تكون مؤسسات مستقلة تفرض إرادتها على الدول كحكومة عالمية. بل إن أمريكا أصبحت فيها صاحبة الكلمة الأولى والتأثير وتستغلها لفرض سياستها على الدول الأخرى. ففرضت هذه المؤسسات الدولية قوانين الخصخصة والعولمة الأمريكية وكذلك سياسة اقتصاد السوق على الدول الأخرى. وقد فرضت أمريكا بواسطة هذه المؤسسات عملتها الدولار على العالم وجعلته العملة التي يقدر بها سعر النفط والغاز والذهب وغيرها من المعادن والسلع، وجعلته السعر العالمي لصرف العملات لتحكم سيطرتها على العالم. فأصبح الدولار العملة الرئيسة في العالم، وربط به كثير من عملات الدول، وكذلك جعل الدولار الاحتياطي المالي لكثير من الدول. فهذه من أساليب سيطرة الدولة الأمريكية على العالم.

 

ولذلك فالحديث عن حكومة عالمية تدير العالم وتلغي الدولة القومية هو ضرب من الخيال، والذي يتحكم في العالم هو الدول الكبرى وخاصة الدولة الأولى.

 

3- إن الدول الرأسمالية يهيمن عليها أصحاب رؤوس الأموال ففي كل دولة رأسمالية يقوم هؤلاء بانتخاب الحكام لخدمة مصالحهم دون إلغاء الدولة وهؤلاء يحافظون على دولهم لتحفظ لهم مصالحهم ولتسيطر دولهم على دول العالم الأخرى ليزيدوا من أرباحهم. فكلما كانت دولتهم قوية كانت تجارتهم أوسع وأرباحهم أكثر. ولكن لا يمكن أن تصبح الشركة أو المؤسسة المالية دولة لأن هدفها الربح، ولا يمكن أن يقبلها الناس، ولا تقدر على تشكيل أجهزة الدولة وتسييرها والقيام برعاية شؤون الناس. فعندما بدأت الدول الرأسمالية بسياسة الخصخصة باعت مؤسسات حكومية تؤدي خدمات ومصالح الناس للشركات الخاصة مثل الكهرباء والهاتف وقسم من السكك الحديدية ومن طرقات الخطوط السريعة بين المدن والدول وغير ذلك… وهذه الشركات الخاصة التي اشترت هذه المصالح محتاجة للجهاز التنفيذي أي للدولة، فعندما يعجز الناس عن دفع ما عليهم أو يرفض بعضهم دفع ما عليهم تلجأ الشركات إلى الأمن وإلى القضاء في الدولة. وإذا قام أناس وهاجموا مؤسسات الشركة أو احتجوا عليها كما حصل في حملة احتلوا وول ستريت فإنها تلجأ إلى الدولة لتحميها. وهي محتاجة لتشريعات حتى تتمكن من تسيير أعمالها والقيام بمشاريعها. وعندما تفجرت الأزمة المالية في أمريكا ومن ثم في أوروبا لجأت الشركات والمؤسسات المالية إلى الدولة لتنقذها بشراء أسهمها المتعثرة أو الهالكة تحت ما يسمى ضخ الأموال التي جمعتها من عامة الناس كضرائب. ولذلك لا تملك الشركات والمؤسسات المالية سلطة تنفيذية ولا قضائية ولا تشريعية في الدول الرأسمالية التي تفصل هذه السلطات عن بعضها نظريا. وإنما هي تعمل لتؤثر على هذه السلطات لحماية نفسها ولتحقيق مشاريعها في الداخل والخارج وتحقيق مستحقاتها وجني أرباحها وإنقاذها حين حدوث الأزمات.

 

4- إن جميع المؤسسات لا تخرج أعمالها عن خدمة الدول القومية التي تنتمي إليها، ولا تتورع عن أي عمل حتى وإن كان هابطاً أخلاقياً أو إنسانياً، وما كشف من فضيحة التجسس الأمريكية يكشف ذلك، فقد قامت أمريكا بالتجسس على الدول الأخرى وعلى رأسها حلفائها الدول الأوروبية وعلى حكامها وسفاراتها وشركاتها وعلى أفرادها مستعملة أجهزتها الإلكترونية الخاصة التابعة لأجهزة مخابراتها وتشترك معها شركاتها المسيطرة على الشبكة الإلكترونية مثل شركة غوغل وياهو الأمريكيتين، وهذه الفضيحة تكشف حقيقة الصراع على السيادة القومية بين الدول الرأسمالية. وقد اعترفت أمريكا على لسان وزير خارجيتها جون كيري في مؤتمر صحفي بلندن قائلا: “ان تجسس وكالة الامن القومي تجاوز الحدود المقبولة في بعض الحالات”. (بي بي سي 1\11\2013) وادعى أن: “أعمال التجسس هذه أحبطت هجمات ارهابية”. مع العلم أنهم كانوا يتجسسون على قادة أوروبا مثل ميركل مستشارة ألمانيا التي تجسسوا على هاتفها المحمول لمدة عشر سنوات. وتقوم أمريكا بكل ذلك للمحافظة على سيادتها القومية وعلى مصالحها في العالم، ولرصد كل حركة من الدول الأوروبية الساعية للتخلص من الهيمنة الأمريكية، ومن أجل منع نشوء أية قوة يمكن أن يكون لها شأن دولي ينافسها، أو أن تعرض هذه الهيمنة للخطر.

 

وجميع شركات أمريكا تقوم بخدمة الدولة القومية وثقافتها وقيمها، وظهر هذا جلياً عندما نشب خلاف بين الصين وشركة غوغل الأمريكية قبل ثلاث سنوات، حيث قالت وكالة الأنباء الصينية شينخوا في 23\3\2010 “للأسف أن غوغل لا تسعى فقط إلى توسيع أنشطتها التجارية في الصين بل إلى ترويج القيم والأفكار والثقافة الأمريكية”. بل روجت أمريكا لقيمها وأفكارها وثقافتها الخاصة في أوروبا التي تشترك معها في الفكر الرأسمالي، وذلك بغية جلب الاحترام والتقدير للإنسان الأمريكي وللدولة الأمريكية حتى تضمن الهيمنة الأمريكية على أوروبا.

 

5- ومن هنا يتبين أنه لا يوجد ما يسمى بجمعيات سرية لها سلطة عالمية تلغي وجود الدول القومية القائمة على أساس المبدأ الرأسمالي. وأن نادي بيلدربيرغ واللجنة الثلاثية هما عبارة عن نواد أقامها الأمريكيون لضمان استمرار هيمنة بلادهم على العالم. وأن الشركات الكبرى في أمريكا من مالية وتجارية وإلكترونية وعقارية وشركات قائمة على الصناعة العسكرية وغيرها من الصناعات الكبرى وكبار رجال المال والصرافة والمضاربة في البورصات كل هؤلاء يعملون لصالح بلادهم، ولكنهم يقومون بالتأثير على سلطات بلادهم للحفاظ على مكتسباتهم المالية وزيادتها وتوسيعها في الداخل والخارج، ويلعبون دورا في الخارج لخدمة سياسة دولتهم ضد الدول الأخرى وتأمين بسط نفوذها على هذه الدول. وبجانب ذلك تعمل أمريكا على استمرار هيمنتها العسكرية بإقامة القواعد العسكرية في كل بلد وعقد التحالفات الاستراتيجية مع كل بلد، وتستخدم الناتو لتنفيذ سياستها وتعمل على تقويته تحت قيادتها وعرقلت إقامة جيش أوروبي حتى لا تخرج أوروبا من تحت قيادتها. وتقوم بأعمال التجسس على الآخرين ولو كانوا من حلفائها لرصد حركاتهم. وتعمل على استمرار هيمنتها الاقتصادية والمالية بالحفاظ على الدولار كعملة عالمية واستمرار هيمنتها على المؤسسات المالية والتجارية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وتعمل على استمرار هيمنتها السياسية بسيطرتها على الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي، واستمرار سيطرتها على الدول الأخرى بكسب العملاء وربط أنظمة الحكم في البلاد الأخرى بها. وكل ذلك يصب في الحفاظ على الدولة الأمريكية وعلى صفتها القومية وعلى مركزها العالمي كدولة أولى في العالم، ولذلك قامت بالصراع مع “أخواتها” الدول الراسمالية الاستعمارية الأخرى من بريطانيا وفرنسا إلى غيرهما حتى تحل محلها في مستعمراتها ومناطق نفوذها وقد استطاعت أن تنجح إلى حد كبير في ذلك وعملت على إسقاط تلك الدول من الموقف الدولي لتبقى وحدها سيدته وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في العالم وقائدة للعالم الغربي وأصحاب الفكر الرأسمالي وقوامة عليه، وحاملة لواء الحرب على كل من يحمل فكرا آخر يريد أن يجعله يحل مكان فكرها، أو يريد أن يقيم عليه دولة أية دولة مهما كانت صغيرة. ولذلك لا تتحمل الدعوة إلى إقامة دولة الخلافة، ومراكز الأبحاث فيها والمعاهد الاستراتيجية تعد الدراسات والخطط من اليوم وقبل قيام الخلافة لإحباط أية أعمال لقيامها بل أية أفكار في هذا المجال… لكنهم سيدركون عاجلاً أم آجلاً أن الخلافة ليست كالدول الرأسمالية الحاضرة التي استطاعت أمريكا بقليل من الخسائر الهيمنة عليها، بل إن أمريكا ستخسر نفسها وليس القليل من الخسائر في مواجهة الخلافة بإذن الله القوي العزيز… ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

 

 

 

2013_11_15_Jawab.pdf