الملتقى الاقتصادي الثاني بالخرطوم معالجات رأسمالية تتخفى في ثوب الإسلام الذي لا يليق بها
حضّ الرئيس السوداني عمر البشير مجموعة من الخبراء على وضع معالجات جذرية للأزمة الاقتصادية التي تكاد تعصف بالبلاد، في وقت ألمح فيه حزبه إلى إمكانية التراجع عن الزيادات التي فرضتها الحكومة مؤخراً على المحروقات.
وكان البشير قد خاطب الملتقى الاقتصادي الثاني الذي عقد بالخرطوم يومي 23- 24 تشرين الثاني/نوفمبر2013م، والذي سبقته تحضيرات ودعوات لعدد من الأكاديميين والاقتصاديين، قيل أنه إتاحة فرصة للخبراء لتقديم مقترحاتهم وأوراقهم في الشأن الاقتصادي في السودان، ولعل القليلين يذكرون الملتقى الاقتصادي الأول وتوصياته وقراراته، التي عقّدت المشهد الاقتصادي، مما يفرض تساؤلاً حول المشكلة الاقتصادية هل تحل عبر هذه المؤتمرات والملتقيات التي يُحشد لها الاقتصاديون والخبراء، أم أن هنالك أساسًا يجب النظر إليه بعين الاعتبار لتتم رؤية المشكلة الاقتصادية على حقيقتها فيوضع العلاج الشافي على ذلك الأساس فيكون متناغماً يؤتي أُكله وهذا ما لم يوضع أبداً في الاعتبار؟!
يواجه السودان عجزاً كبيراً في ميزان مدفوعاته بجانب انخفاض متوالٍ لقيمة عملته المحلية مقابل الدولار، في ظل معالجات اقتصادية تخفض الصرف الحكومي على الخدمات، وترفع الدعم (المزعوم) عن السلع الاستهلاكية، مما يزيد أطناناً من الأعباء على المواطن الذي أرهقت كاهله الأزمات الاقتصادية.
وبدا واضحاً أن الحكومة غير راضية عن الانتقادات التي واجهت سياساتها خلال الملتقى، إذ عمدت وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة إلى إزالة أخبار الملتقى من واجهاتها الإلكترونية بينما ذهب بعضها إلى إزالتها تماماً.
حسب صحيفة “سودان تربيون” وفي خطوة لا تخطئها العين عمدت الوكالة الرسمية (سونا) إلى عدم وضع خبر الملتقى في صفحتها الرئيسية على غير العادة، في وقت أزالت فضائية الشروق المحسوبة على المؤتمر الوطني الخبر تماماً من موقعها على الإنترنت وهذا يبين الفشل الواضح في التعاطي مع المشكلة.
وقد تمت دعوة الأحزاب السياسية سوى حزب التحرير؛ الحزب الوحيد الذي يمتلك حصرياً رؤية شرعية على أساس الإسلام تعالج المشكلة الاقتصادية، سلّمها للحكومة عبر مشروع دستوره الإسلامي وهو ما يتناقض مع زعم رئيس الجمهورية عمر البشير لدى مخاطبته الملتقى الاقتصادي، حيث أكد بأن الملتقى يهم كافة الناس وهو جهد وحراك يشترك فيه كل المجتمع أفراداً وجماعات، مما يؤكد أنهم لا يبحثون عن حل، وإنما يذرون الرماد في العيون، وينفذون ما يطلبه صندوق النقد الدولي.
وفي تناقض آخر في الطرح، يبين عدم وجود أساس متبنى للمعالجات، قال الرئيس البشير: “مفهومنا عن الاقتصاد يصدر من مشكاة متقدة بنور الإسلام ومبادئ ديننا الحنيف وأنه المحرك للنشاط الاقتصادي، لأنه يرتبط بوازع الدين ويتجاوز نزاعات الأنانية والذاتية ويميز بين حق الله وحق المجتمع وحق الفرد”، (صحيفة آخر لحظة)، وهذا الطرح الذي تعودنا عليه يكشف عن التناقض المزري بين القول والفعل، في الوقت الذي دعا فيه الرئيس المشاركين في الملتقى لتحقيق أهداف الملتقى، والنظرة الموضوعية للأداء ومستقبل الاقتصاد الوطني لا بد لها أن تتفحص بعناية العوامل الداخلية المحيطة بحالة الاقتصاد وارتباطاته العضوية بالاستراتيجيات الدولية.
وهذا تناقض آخر، إذ كيف تطرح شعارات ومفاهيم الإسلام للاستهلاك، وفى نفس اللحظة يحض الرئيس على مراعاة ارتباطات الاقتصاد العضوية بالاستراتيجية الدولية التي ذكرها في كلمته بأنها تشجع الاحتكار والاستعمار؟!
وفي تسويق لمعالجاته الاقتصادية، فإن وزير المالية والاقتصاد الوطني على محمود، أكد على أهمية الملتقى الذي يأتي من أجل التفكير لإزالة المعوقات التي تعرقل المسيرة الاقتصادية وتقدمها إلى الأمام، حيث قال إن هذا التجمع يعكس للعالم مدى رغبة أهل السودان في توحيد الكلمة وجمع الصف لإحداث تنمية حقيقية متوازنة عبر (برامج الإصلاح الاقتصادي) والتوافق حول مشاركة الجميع في وضع التصورات والرؤى المستقبلية، وأشار إلى ضرورة أن يتجه أبناء الوطن الواحد لتكوين فكر اقتصادي جامع يعبر عن الهوية الاقتصادية الوطنية والمرجعية الثابتة والتي على ضوئها وضع الحلول للقضايا الاقتصادية المشتركة لوضع سياسات وبرامج متكاملة تقضي لاستغلال الموارد بصورة أفضل تعود بالنفع والنماء على أهل السودان.
وهذا يعنى أن الوزير حدد بأن المشكلة واحدة ولا حل لها إلا المعالجات الاقتصادية الأخيرة؛ والتي يعلم كل متابع من بدايتها أنها فرضت من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي الذي قدم ورقة في المؤتمر ولكن في محاولة من الوزير إلباسها ثوب الوطنية يتجلى فساد آخر هو المناداة بجعل الهوية الاقتصادية وطنية التي يعلم يقينا أنها لا فكر لها أصلاً حتى يعالج به الاقتصاد إنما الوطن هو محض تراب لا يصلح أساسا لربط الناس ببعضهم ناهيك عن أن يكون له فكر.
من كل هذا يتبين أن المشكلة هي في حكومة متناقضة ترتكز على معالجات لا تمس جذور المشكلة الاقتصادية، وتأتي بمعالجات رأسمالية تتخفى في ثوب الإسلام الذي لا يليق بها، ولو أنهم صدقوا الله لانجلت لهم الحلول، ولكن عُمّيت عليهم بسبب بعدهم عن معالجات الإسلام الاقتصادية التي تستند على عقيدة راسخة، لا يجمع لها مفكرون ليدلو كلٌّ دلوه الفارغ من كل معالجة، لا، بل يتم تبنيها استناداً على الكتاب وصحيح السنة المطهرة، مما يجلب رضى الله الذي بيده الرزق قال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
وذلك ما هو كائن بإذن الله في القريب العاجل تحت ظل الخلافة الراشدة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب غادة عبد الجبار