Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق الفضائح المالية في الغرب تُغذى من قبل أثرياء ومصرفيين

الخبر:

عرضت وسائل إعلام المملكة المتحدة تقاريرَ جديدة عن فضيحة مصرفية أخرى تتعلق ببنك “رويال بنك أوف سكوتلاند”، حيث ادّعى رجل الأعمال ومستشار الحكومة (لورانس توملينسون) أنّ البنك دفع الشركات إلى التخلف عن السداد؛ من أجل السيطرة على أصولها بأسعار رخيصة، وصرح نائب الرئيس السابق لبنك إنجلترا (أندرو لارج) بأنّ إقراض الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم لم يكن كافياً.

 

التعليق:

إنّ فضيحة بنك “رويال بنك أوف سكوتلاند: RBS” هذه لم تكن الأولى، ففي الشهر الماضي، وافق البنك على تسوية قيمتها 150 مليون دولار مع المنظمين في الولايات المتحدة، بسبب مزاعم بيعه سندات ملتوية قيمتها 2.2 مليار دولار مدعومة بالرهن العقاري، في عام 2007م. ويجري حالياً رفع دعوى ضد البنك من قبل عملاق الرهن العقاري (فاني ماي الأمريكية)، ويخضع حالياً للتحقيق اثنان من تجار البنك تم توقيفهما بتهمة تزوير العملات الأجنبية.

ولم تكن “رويال بنك أوف سكوتلاند” المؤسسة المالية الوحيدة التي تتعرض للفضح، حيث لم يصبح هناك أي تهاون في الكشف عن الفضائح المالية التي أقطابها المؤسسات المصرفية الرائدة في دول الغرب، منذ أسوأ أزمة مالية شهدها العالم في الذاكرة الحية، والتي مر عليها خمس سنوات. فمؤسسة “بنك باركليز” البريطاني مثلاً، كشفت في تشرين الأول/أكتوبر 2013م عن تجار قيد التحقيق لمحاولتهم استغلال أسواق الصرف الأجنبي بقيمة 4 ترليون دولار. وكُشف عن تورط كل من “باركليز” و”رويال بنك أوف سكوتلاند” و”HSBC” في تحديد أسعار الفائدة، التي تشمل كلاً من لندن ومعدلات اقتراض الفائدة الأوروبية المعروفة باسم “ليبور وايبور” على التوالي. إضافة إلى توريط “أيبور” بعضاً من أكبر بنوك أوروبا، مثل “دويتشه بنك”، و”كريدي اجريكول” و”سوسيتيه جنرال”.

أما عبر المحيط الأطلسي، فالقصة لا تختلف كثيراً، حيث إنّ البنوك الأمريكية غارقة في الفضائح المالية الضخمة. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2013م، توصلت “جيه بي مورغان تشيس” إلى اتفاق مبدئي مع وزارة العدل الأمريكية، قيمته 13 مليار دولار، لتسوية تحقيقات الوكالة الحكومية في قضية تتعلق بقروض الرهن العقاري قبل الأزمة المالية عام 2008م. وفي صيف عام 2013م، تورط “بنك أوف أميركا” في فضيحة رهن قيمته مليارات الدولارات. ويبدو أنّ تضليل المستثمرين هو السمة المميزة للبنوك الأمريكية، ففي عام 2010م، وافق بنك “جولدمان ساكس” على دفع غرامة قيمتها 550 مليون دولار؛ لتسوية اتهامات بالاحتيال وتضليل المستثمرين.

وعلى الرغم من الغرامات الباهظة التي دفعتها العديد من البنوك المذكورة آنفاً، إلا أنها استمرت بجني أرباح قياسية، فعلى سبيل المثال، نشر “رويال بنك أوف سكوتلاند: RBS” عن أرباح قدرها 658 مليون دولار تم جنيها في الربع الثالث من عام 2013م، ونشر “بنك أوف أميركا” عن أرباح بلغت 2.5 مليار دولار تم جنيها في الفترة نفسها.

إنّ ارتفاع أرباح البنوك الغربية يتزامن مع ارتفاع ثروة الأثرياء، وتناقص ثروة المواطنين العاديين في الدول الغربية. ففي أمريكا على سبيل المثال، أصبح الأثرياء أكثر ثراء منذ الأزمة المالية، فوفقاً لمجلة “فوربس” فإنّ أغنى 400 أمريكي من الذين تُقدر ثرواتهم بـ1.7 ترليون دولار، سجّلوا ارتفاعاً يصل إلى 2.02 ترليون دولار في عام 2012م، وهو ما يعادل ثروة الاقتصاد الروسي برمته. وعلى مدى السنتين الماضيتين زاد عدد البريطانيين الذين يحصلون على أكثر من مليون جنيه إسترليني إلى الضعف، حيث وصلوا إلى 18 ألفاً، ومعظم هؤلاء الأثرياء يعملون في القطاع المالي. وقال ماثيو ويتاكر (كبير الاقتصاديين في مؤسسة القرار، التي تعمل على تحسين مستويات المعيشة): “إنّ الأغنياء قد ازدادوا غِنى منذ الأزمة المالية في عام 2008م”، وأشار أيضاً إلى عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء، والذي هو في أعلى مستوياته منذ أي وقت مضى، حيث قال: “بالنسبة لثلاثة أرباع الناس أو نحو ذلك، فإنّ الأجور المتوقفة لم ترتفع إلى الحد المطلوب منذ عام 2003م، ولكن 10% من الناس، وخصوصاً أعلى واحد في المائة، يتحركون بعيداً عن بقية المجتمع”.

فمن الواضح تماماً أن عاصمة الأثرياء هي المسئولة عن الفرق الحاد في الثروة عند الغرب، فالأثرياء يودعون جزءاً من رؤوس أموالهم الكبيرة في البنوك، والمصرفيون يعملون بالنيابة عنهم في تضخيم رؤوس أموالهم، من خلال اعتماد استراتيجيات مشكوك في صحتها، منها: تحديد أسعار الفائدة، وتضليل المستثمرين، وبيع الأصول المالية غير السليمة. وعندما تُفضح مثل هذه التكتيكات للجمهور في الدول الغربية، فإنّ الأثرياء من خلال جيوش من السياسيين والنقاد ووسائل الإعلام المستأجرة، يقومون بهندسة الظروف التي تحمي ثرواتهم على حساب الأغلبية. فعلى سبيل المثال، يتم استخدام أموال دافعي الضرائب لدفع ثمن تهور المصرفيين أو لدفع الغرامات المالية المفروضة عليهم، والتي هي سهلة السداد.

لقد فشلت التشريعات الجديدة التي سنّتها الحكومات لمعاقبة سلوك المصرفيين السيئ في منع البنوك من استنزاف الناس العاديين؛ وذلك لأن التشريعات قد تم صياغتها أصلاً من قبل أنصار الأثرياء والسياسيين، وهي تضمن للمصرفي الجديد ما يكفي من الثغرات التي تساعده على ارتكاب المخالفات المالية دون محاسبة. وفي مقابل عمل الأثرياء الشيطاني، يقوم السياسيون بتأمين الدعم للأثرياء لإعادة انتخابهم مرة أخرى في المستقبل، وبهذه الطريقة يحتكر فاحشو الثراء الثروات بين أيديهم على حساب الأغلبية العظمى. وبالتالي فإنه ليس من المستغرب أن يتم الكشف عن فضائح المؤسسات المصرفية الجارية، وعن ازدياد ثراء الأثرياء وعجز السياسيين عن معالجة ذلك، بعد مرور سنوات عديدة على الأزمة المالية.

إنّ الإسلام يمنع هذا التزاوج بين الثراء الفاحش والمصرفيين والسياسيين من أجل سحب المال من غالبية الشعب، فقد قال تعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [سورة الحشر:7].

إنّ دولة الخلافة القائمة قريباً بإذن الله، ستجعل أعين الجماهير في العالم – وخصوصاً أولئك الذين يعيشون في دول الغرب – شاخصة نحوها، وبما أنّ تشريع الدولة الإسلامية قائم على أوامر الله الحكيم الخبير، فإنّ الدولة لن تقاسي أبداً مصير الدول الغربية، التي تعبث بالقانون على الدوام من أجل تلبية نزوات الأثرياء.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عابد مصطفى