خبر وتعليق كيف يكون التغيير مثمراً
الخبر:
أصدر المشير عمر البشير رئيس السودان مراسيم جمهورية قضت بتعيين بكري حسن صالح نائباً أول لرئيس الجمهورية، وحسبو محمد عبد الرحمن نائبا للرئيس، وإبراهيم غندور مساعداً للرئيس، بالإضافة إلى تعيين الوزراء ووزراء الدولة، على أن يؤدي أعضاء الحكومة الجدد القسم في الثانية عشرة من ظهر اليوم “الاثنين” بالقصر الجمهوري. وتضم الحكومة (60) وزيرا. [2013/12/9م صحيفة اليوم التالي]
التعليق:
أخيراً وبعد طول انتظار وترقب عُرضت مسرحية التغيير الوزاري في حكومة السودان بالرغم من أن هذه المسرحية تكاد تتكرر سنوياً. ففي نهاية العام 2011م كان هنالك تغيير، وكذلك العام 2012م، إلا أن الجديد في هذا العام هو عنصر التشويق الذي أضيف إليها وذلك لحجم التغيير وأنه سوف يطال كبار الرؤوس، ولطول الانتظار الذي استمر الحديث عنه لأكثر من شهر. ويعتبر مخرج هذه المسرحية قد حقق قدراً كبيراً من النجاح في تشويق الناس بطول الانتظار، ويقال أن طول الانتظار كان بسبب عسر المخاض وقوة التجاذب بين الأطراف المتصارعة داخل المؤتمر الوطني والذي طالما كثر نفيه ولكنه يرشح من حين لآخر في تصريحات المسؤولين.
وما إن رأى هذا المولود النور حتى تناولته الألسن والأقلام بالتشريح والتحليل والتعليق عن أسبابه ومبتغاه. ففي الوقت الذي يرى رجال الدولة أنه تغيير كفاءات بأخرى أعلى يرى آخرون ومن داخل الحكومة أن الأمر لا يعدو أن يكون أمراً روتيناً القصد منه ضخ دماء جديدة تكون أكثر نشاطاً وحيوية. إلا أن بعض المنتسبين للمؤتمر الوطني والمختلفين معه يرون أن المسألة هي صراع داخلي القصد منها محاولة استرضاء قطاع كبير من الساخطين من قطاعات الشباب واحتواء صراع الأجيال داخل المؤتمر الوطني. أما الصنف الآخر من الخارجين عن المؤتمر الوطني فالمسألة عندهم إنما هي لإبعاد المنافسين الكبار على انتخابات الرئاسة القادمة. أما قطاع كبير من المعارضة فزاوية النظر عندهم عدم جدية الحكومة في إشراكهم في السلطة وتفردها بها، مما يمكنها من الفوز في الانتخابات القادمة والاستمرار بالتفرد بالحكم.
أما القطاع الكبير من الناس فينظرون للمسألة بأنها عبارة عن مسرحية سيئة السيناريو ضعيفة الإخراج قصد منها احتواء التذمر وتنفيس الاحتقان من جراء الأوضاع المتردية اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، ولهم على ذلك عدة شواهد آخرها البرنامج التلفزيوني الذي تقدمه قناة أم درمان الفضائية والذي سمح له بمساحة واسعة للنقد. (بينما توقف بعض الصحف عن الإصدار بشكل مستمر) ولكنه نقدٌ محسوب (أي ضرب تحت الركب)، ويأخذون على هذا البرنامج كشاهد على صدق رؤيتهم إشادته ببعض الأشخاص الذين تم تعيينهم في الوزارة الجديدة.
إذا صحت أي من هذه التحليلات أم لم تصح جميعها فما علاقة كل ذلك بمشكلة أهل السودان؛ فالمواطن في السودان يعيش أزمة اقتصادية طاحنة تسببت في معاناة الناس في أكلهم وشربهم ومعاشهم وبوجود جيوش جرارة من العاطلين عن العمل وبهجرة للآلاف من الكفاءات، وهذه الهجرة لو فتح بابها للجميع لا أحسب أن الحكومة ستجد من تحكمهم، وقد فشلت كل المعالجات التي طرحت وعلى مدار الفترة الماضية وآخرها المعالجة الأخيرة بما سمي برفع الدعم عن المحروقات والتي أقر وزير المالية المُقال بفشلها في خفض التضخم والذي يقدر بـ 42% حسب الأوساط الرسمية وربما بين 60 – 80% حسب بعض الخبراء الاقتصاديين، وأفق الحلول صار مسدوداً أمام الكثيرين.
أما في المجال الأمني فحدث ولا حرج؛ فالدولة تتآكل من أطرافها وحتى رجال الإنقاذ يتحدثون عن مؤامرة لتمزيق السودان، وصار القتال القبلي هو سمة الحياة السائدة في كل الولايات الغربية. أما في المجال السياسي فأظهر دليل على عدم الاستقرار السياسي أنه منذ خروج المستعمر من السودان وحتى الآن لا يوجد دستور دائم لحكم البلاد، أما الدساتير المؤقتة التي يضعها الحكام فهي تحت أقدامهم متى ما ظهر تعارض بينها وبين مصالحهم. وكذلك النظام الاجتماعي وسياسة الدولة الداخلية وسياسة التعليم وغيرها، فالبلد في حالة شبه انهيار وهو إنما يسير نحو الهاوية، إذن ما هو التغيير الذي يؤدي إلى الخروج من هذه الهوة التي وقعنا فيها بما كسبت أيدينا؟ إن الدولة تريد بهذا الأمر أن توهم الناس بأنها تعمل من أجل تغيير أوضاع الناس إلى ما هو أفضل وهذا غير صحيح؛ فتغيير الأشخاص لا يؤدي إلى تغيّر الواقع طالما النظام الذي أدى إلى هذه الأوضاع باقٍ. إن التغير لا بد أن يتعلق بالأفكار التي على أساسها تتم المعالجات، ومن هنا كان لا بد أن تقوم الدولة على فكرة وهذا ما يجعل الدول ثابتة ومستقرة.
فإذا قامت الدولة على فكرة بغض النظر عن هذه الفكرة فإنها تحقق لها نوعاً من الاستقرار، أما إذا كانت هذه الفكرة مبنية على العقيدة فإن الدولة تكون مستقرة وثابتة. فإذا كانت هذه العقيدة عقيدة صحيحة فإنها تحقق فوق الاستقرار والثبات ديمومة أطول. وإذا نظرنا إلى الدول التي قامت في العالم نجد أن ألمانيا النازية قد حققت نوع من الاستقرار مع أنها قائمة على فكرة عنصرية، أما الاتحاد السوفيتي فإنه قد حقق استقرارا أكثر من ألمانيا ولأنه قائم على عقيدة تتصادم من غرائز الإنسان لم يدم طويلا. أما المبدأ الرأسمالي فإنه قائم على عقيدة فصل الدين عن السياسة، وإن إرهاصات زواله من كثرة الأزمات التي يمر بها صارت ظاهرة للعيان. أما الدولة الإسلامية والتي عاشت لأكثر من ثلاثة عشر قرناً وبالرغم ممّا اعتراها من حالات الضعف فقد كانت الأطول عمرا.
فالإجابة على السؤال هي أننا نريد تغييراً يحقق الاستقرار والنهضة وهذا لا يمكن أن نصل إليه بتغيير بعض أو جل الوزراء، ولا يمكن أن نحصل عليه بإدخال المعارضة أو حرمانها من المشاركة، ولكن بتغيير فكري جذري يلقي بهذا النظام الفاسد بعيداً ويأتي بنظام صالح يطمئن له الجميع ويعتقدون بصحته وصلاحه، لمثل هذا فليعمل العاملون.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسب الله النور سليمان