مع الحديث الشريف – القضاء
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى أبو داوود في سننه قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: “بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ؟ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ”
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
وَالْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْحَاكِم أَنْ يَحْكُم قَبْل سَمَاع حُجَّة كُلّ وَاحِد مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَاسْتِفْصَال مَا لَدَيْهِ وَالْإِحَاطَة بِجَمِيعِهِ. قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ: فَإِذَا قَضَى قَبْل السَّمَاع مِنْ أَحَد الْخَصْمَيْنِ كَانَ حُكْمه بَاطِلًا فَلَا يَلْزَم قَبُوله، بَلْ يَتَوَجَّب عَلَيْهِ نَقْضُهُ وَيُعِيدهُ عَلَى وَجْه الصِّحَّة أَوْ يُعِيدهُ حَاكِم آخَر. اِنْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مُخْتَصَرًا وَقَالَ حَدِيث حَسَن.
أحبتنا الكرام:
القضاء هو الإخبار بالحكم على سبيل الإلزام …. وهو إما يفصل الخصومات بين الناس، أو يمنع ما يضر الجماعة، أو يرفع النزاع الواقع بين الناس وأي ممن هو في جهاز الحكم حكاماً أو موظفين، خليفة فمن دونه، فتعريف القضاء يشمل هذه الأنواع الثلاثة من القضاء … فصل الخصومات، والحسبة، والمظالم.
أما مشروعيته فقد جاءت في الكتاب والسنة، أما في الكتاب فقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} المائدة … وقوله: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}…. النور.
وأما السنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم تولى القضاء بنفسه وقضى بين الناس، كما قلد القضاة … فقد عين معاذ بن جبل قاضياً على الجند، كما قلد علي بن أبي طالب رضي الله عنه قضاء اليمن كما جاء في حديثنا لهذا اليوم.
ويشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون مسلماً حراً بالغاً عاقلاً عدلاً فقيهاً مدركاً لتنزيل الأحكام على الوقائع، ويشترط فيمن يتولى قضاء المظالم زيادة على هذه الشروط أن يكون رجلاً، وأن يكون مجتهداً
والقضاء مما يجوز أخذ الرزق عليه، من بيت المال، فهو عمل استأجرتهم عليه الدولة لمصالح المسلمين، وكل عمل لمصالح المسلمين تستأجر الدولة من يقوم به على وجهه الشرعي فإن القائم به يستحق عليه أجراً، سواء أكان عبادة أم غيرها … فالله تعالى قد جعل للعاملين على الصدقات سهماً فيها، وعن أبي بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما عامل استعملناه وفرضنا له رزقاً فما أصاب بعد فهو غلول… والقضاء من مصالح المسلمين التي على الدولة أن تستأجر من يتولاها وتعين لهم أجرة تدفعها لهم من بيت المال.
والذي يتولى القضاء هم:
1- القاضي: وهو الذي يتولى الفصل في الخصومات بين الناس في المعاملات والعقوبات … ودليله فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعيينه معاذ بن جبل لناحية من اليمن وحديثنا لهذا اليوم
2- المحتسب: وهو الذي يتولى الفصل في المخالفات التي تضر حق الجماعة .. ودليله: ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ! قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي” وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يتعرض للغاشِّ فيزجره. وكذلك كان يأمر التجار في الأسواق بالصدق في التجارة، والصدقة، روى أحمد عن قيس بن أبي غرزة الكناني قال: «كنا نبتاع الأوساق بالمدينة، وكنا نسمّى السماسرة، قال: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن مما كنا نسمّي به أنفسنا فقال: يا معشر التجار، إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف، فشوُبوه بالصدقة».
3- قاضي المظالم: وهو الذي يتولى رفع النزاع الواقع بين الناس والدولة. ودليله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}, وكذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله, روى أحمد عَنْ أَنَسٍ قَالَ: “غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ”
والخليفة هو صاحب الصلاحية في تعيين القضاة، كما له أن يعين من ينوب عنه في ذلك ..
وفي الدستور الذي أعده حزب التحرير لدولة الخلافة القادمة قريباً بإذن الله يعين الخليفة جهازاً خاصاً للقضاء على رأسه والٍ يسمى قاضي القضاة تكون له صلاحية تعيين القضاة وتأديبهم وعزلهم ضمن الأنظمة الإدارية، ويشترط فيه ما يشترط في القاضي والحاكم، أي أن يكون رجلاً مسلماً بالغاً عاقلاً حراً عدلاً من أهل الفقه (لأن الكفاية في حقه أن يكون من أهل الفقه) فعمله محصور في القضاء، يضاف إليها شرط أن يكون مجتهداً إذا ما أعطاه الخليفة صلاحية تعيين قاضي المظالم وعزله ومن ثم صلاحية القضاء في المظالم …
ويجوز أن يقلَّدَ القاضي والمحتسب وقاضي المظالم تقليداً عاماً في القضاء بجميع القضايا في جميع البلاد، ويجوز أن يقلدوا تقليداً خاصاً بالمكان وبأنواع القضايا، أخذاً من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قلد علي بن أبي طالب قضاء اليمن (تقليداً عاماً)، وقلد معاذ بن جبل القضاء في ناحية من اليمن (تقليدا خاصاً بالمكان) وقلد عمرو بن العاص القضاء في قضية واحدة (تقليداً خاصاً).
هذا هو جهاز القضاء في دولة الخلافة باختصار … ومن أحب الاستزادة فليعد لكتاب أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة … لحزب التحرير أو كتاب مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له ـ القسم الأول ـ .
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.