مع الحديث الشريف إن هذا المال خضرة حلوة
الحديث:
جاء في صحيح البخاري – كتاب الزكاة – حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ”.
شرح الحديث:
قوله: (عن عروة بن الزبير وابن المسيب) هو سعيد بن المسيب
قوله: (أن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى المكي ابن أخي خديجة أم المؤمنين، أسلم يوم الفتح وصحب، وله أربع وسبعون سنة، ثم عاش إلى سنة أربع وخمسين أو بعدها وكان عالما بالنسب.
قوله: (إن هذا المال خضرة حلوة) أنث الخبر لأن المراد الدنيا شبهه بالرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة، فإن الأخضر مرغوب على انفراده بالنسبة إلى اليابس، والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض. فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد.
قوله: (بسخاوة نفس) أي بغير شره ولا إلحاح أي من أخذه بغير سؤال وهذا بالنسبة إلى الآخذ، ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي أي بسخاوة نفس المعطي أي انشراحه بما يعطيه، والظاهر هو الأول.
قوله: (ومن أخذه بإشراف نفس) أي بطمع أو حرص أو تطلع وهذا بالنسبة إلى الآخذ ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي أي بكراهيته من غير طيب نفس بالإعطاء كذا قيل، والظاهر هو الأول.
قوله: (وكان) أي السائل الآخذ الصدقة في هذه الصورة لما يسلط عليه من عدم البركة وكثرة الشره والنهمة.
قوله: (كالذي يأكل ولا يشبع) أي الذي يسمي جوعه كذابا لأنه من علة به وسقم فكلما أكل ازداد سقما ولم يحدث شبعا.
قوله: (واليد العليا خير من اليد السفلى) المراد من اليد العليا هي المنفقة ومن اليد السفلى هي السائلة.
قوله: (لا أرزأ) بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الزاي بعدها همزة أي لا أنقص ماله بالطلب منه.
قوله: (ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا) قال الحافظ: إنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فيتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، إنما أشهد عليه عمر لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه.
التعليق:
قال تعالى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”.
إن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى؛ فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملا.
وهذا معنى قوله عليه السلام: (فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع). وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همته جمعها؛ وذلك لعدم الفهم عن الله تعالى ورسوله؛ فإن الفتنة معها حاصلة وعدم السلامة غالبة، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه.
فلا نقول إلا كما قال عمر بن الخطاب – فيما ذكر البخاري- اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه.
اللهم إنا نسألك أن تعيننا على إحسان العمل بحق والإنفاق في حق ،، اللهم آمين آمين.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.