خبر وتعليق آخر ما تفتقت عنه أذهان المضللين
الخبر:
نشر موقع ال بي بي سي الخبر التالي: (نظمت مؤسسة “بلادي جزيرة للإنسانية” والجمعية الأهلية لتنمية الوعي الفكري والثقافي فاعلية بعنوان “إجري من السياسة” تستهدف التركيز على الهموم المباشرة للمواطن المصري وإخراجه من حالة الاحتقان السياسي التي تشهدها البلاد.
وتعتمد الفاعلية على الفن والرياضة كوسائل لجذب الجمهور في اتجاه العمل المدني وذلك من خلال حدث ماراثون يحمل نفس العنوان انطلق الثلاثاء.
ويريد المنظمون توصيل رسالة إلى المجتمع تتضمن أن الثقافة والفن مع الحضارة المصرية العريقة هي نقاط انطلاق نحو التقدم والرقي.
وقال جورج إسحق، السياسي وأحد مؤسسي حركة كفاية، لبي بي سي إن “الشعب المصري في حاجة إلى الهدوء والسلام بعد سنوات من الحراك السياسي حتى يتسنى له استعادة الرؤية الواضحة واتخاذ القرارات الصحيحة فيما هو قادم, فسيطرة السياسة على جميع فئات المصريين ليست بالأمر الجيد، حيث صرفت الناس عن معاناتهم الحقيقية ومشكلاتهم التي لا حصر لها ولا بد من العودة إلى العمل المدني لإصلاح ما فسد وإحراز تقدم”.
وأضاف أن “السياسة لها من يقوم عليها من قوى سياسية وثورية وأحزاب وحركات تنشغل في إقامة الدولة المدنية على أسس سليمة بينما ينصرف باقي المجتمع لحل مشكلاته وتوفير حياة أفضل”).
التعليق:
وأخيرا أعلن السياسيون رفع الراية البيضاء أمام الشباب الهادر الذي أفاق من سكرة التحليق وراء الأحلام الوردية التي ستجلبها له الديمقراطية على أيدي سياسيي بلادهم الملهمين، وخلع لباس الطفولة التي أُلْبِسَهُ زوراً وبهتانا، وقرر انتزاع المبادرة من هؤلاء السياسيين، الذين ساموه سوء العذاب بحماقاتهم وغبائهم وتبعيتهم للغرب… وعبثاً حاول السياسيون التقليديون لجم ثورة الشباب واندفاعهم لانتزاع حقوقهم في تقرير المصير وبناء حياة سياسية تليق بشباب أعرق أمة على مدى التاريخ الإنساني… ولما فشلوا في احتواء الشباب وثورتهم، وفي حرفهم عن مسارهم وتتضليلهم عن هدفهم… لجؤوا إلى استعمال سلاحهم التقليدي: العنف والشدة لإرهابهم وإعادتهم إلى حياة الخنوع والاستسلام التي طالما عاشها آباؤهم وشاركهم الأبناء فيها ردحا من الزمان، لكنهم فشلوا في هذه أيضاً، ولم تزد سياسة البطش والقتل هذِهِ الشبابَ إلا إصرارا على متابعة المسيرة مهما طال الزمن وعظمت التضحيات… فلا عودة بعدُ لحياة الذل والخنوع، ولا استسلام بعد اليوم لمشاريع الغرب وعملائه، بل سير حثيث نحو حياة كريمة ومستقبل مشرق يكون الإسلام فيه وحده هو المُوَجِّه، ودولته هي الخيمة التي تُظِلُّ المسلمين بل الخلق أجمعين… لكن الغباء أو الاستغباء هو آفة أنى لمن ابتلي بها أن يبرأ منها، أو لعله التعلق بأي خيط للنجاة حتى لو كان خيط عنكبوت… هذا هو حال السياسيين اليوم، المطالبين بالتزامات تعهدوا بها لأسيادهم من دول الغرب، أن لا يسمحوا للإسلام أن يمر أو أن يتركز في شباب الأمة.
فها هي المبادرات المتنوعة للعمل المدني التطوعي تعود لتدعو الشباب للعمل من خلالها لتحقيق ما يصبون إليه بأقل التكاليف وأقصر الطرق… فهل حقاً تستطيع هذه المبادرات حل مشاكل المجتمعات؟ وهل العمل التطوعي يغني عن تولي الدولة لمسؤولياتها تجاه رعيتها؟ وهل الهروب من السياسة هو الحل لمن نزل إلى الشارع ورفع صوته يطالب بإسقاط الأنظمة الظالمة وإعادة الحكم الرشيد؟
هل الشباب الذي وصل إلى هذه المرحلة من التضحية والإقدام، يمكن أن ينخدع بهذه الدعوات الجوفاء؟
ماذا تعني عبارة “إجري من السياسة”؟
أليست السياسة هي رعاية الشؤون؟ أليس هذا هو دور الدول في العالم؟ أليس لهذه الغاية أقيمت المجتمعات الإنسانية؟ فإن كان الأفراد سيتولون رعاية مصالحهم بأنفسهم فما فائدة الدولة؟ وما دور السياسيين إذن؟ ماذا يتبقى لهم من عمل بعد أن يهتم كل بمصالحه ويديرها وفق هواه؟
حقاً إنه الاستغباء… إذا كنت ناقماً على وضعك راغباً بالتغيير فاذهب إلى ماراتون واركض حتى تعجز قدماك عن الركض، لتخرج ما بداخلك من غليان وتعود إلى البيت مهدوداً فتستغرق في النوم ولا تتذكر مأساتك، أما إن كنت طامحاً إلى حياة العزة والفتوحات والانتصارات، فالتحق بناد رياضي، وتحدى الفرق الأخرى، ثم قاتل بكل قوتك لتفوز عليهم وتهزمهم في ساحات الملاعب، وتعود بالكؤوس والميداليات، وتصبح أنت شخصية العام، فذلك هو النصر المبين. أما إن كنت جائعاً أو مريضاً، فاذهب إلى الشارع لتشاهد فرقة فنية تغني لك أو ترقص أو تقوم بما تخصصت فيه من إبداع فإنك حينها ستنسى الجوع والمرض وتعود إلى بيتك قرير العين مكتف بما ملأت به عينيك وأذنيك من أصوات شجية وصور بهية.
ولا تنسَ! إن كان الطريق في بلدتكم أو حيكم غير معبد أو مليء بالحفر والتشققات فكن أنت المبادر وشكل مع بعض الشباب جمعية مدنية، واجمع من أهل الحي المال وقوموا أنتم بتعبيد الطريق وإصلاحها، فهذا ليس من السياسة القذرة بل هو عمل محمود لأنك تخفف من أعباء الدولة المسكينة، فالدولة ليس عندها وقت لهذه الخدمات العادية… لا! أنتم بحاجة إلى مستشفى؟ أو مدرسة؟ التجمعات المدنية التطوعية هي الحل… اجمعوا التبرعات من الناس وابنوا المدارس والمستشفيات والمستوصفات والمكتبات والمتنزهات وأي شيء آخر يلزمكم فالدولة عندها أمور أعظم من هذه الخدمات التقليدية لتقوم به… إنها على موعد مع صندوق النقد الدولي ليجدول لها ديونها ويعطيها دفعة أخرى من الديون، فتكاليف السفر للحكام باتت باهظة وأسعار المواد التي يحتاجونها هم وأسرهم وأبناؤهم ارتفعت ولم تعد أموال الضرائب وعائدات الملكيات العامة قادرة على تغطيتها، وعلى الدولة أن تسعى لهذه الغاية النبيلة، وتبذل في سبيلها كل غال ونفيس، ولا تضيع وقتها في تقديم الخدمات للرعية، ومن غير الشباب يمكنه أن يكفيها ذلك كله؟ ما عليه سوى القيام بحملات تطوعية.
تقول ال بي بي سي في خبرها (ورغم ضعف الموارد، فإن الشباب تمكن من تأسيس “بلادي جزيرة للإنسانية”، المؤسسة المنظمة لماراثون “إجري من السياسة” من تقديم خدمات للمجتمع في قطاعات هامة وحيوية أهمها التعليم والنظافة ومكافحة التحرش. يؤكد ذلك ما صرح به الناشط السياسي عبد العظيم عبده لبي بي سي إن “الاتجاه إلى العمل المدني وتقديم الخدمات التطوعية للمجتمع هدف نبيل في حد ذاته ويمكن للشباب تحقيقه بإمكانات بسيطة لتعود فائدة كبيرة على المجتمع).
باختصار… بدل أن تشغلوا أنفسكم أيها الشباب بالعمل لتحقيق المستحيل، اعملوا على المتاح… فهذا الشعار رغم ما جره علينا من الويلات لا زال وحده هو المتاح.
قاتل الله المنافقين، وحمى شبابنا من كل ماكر لئيم، وعَجَّلَ لنا بالنصر والتمكين، اللهم آمين
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم جعفر