مع الحديث الشريف باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في سنن أبي داود كتابِ الحدود بابِ “الحكمُ فيمن سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم”
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: “أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ، فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ”.
شرح الحديث:
أُمُّ وَلَدٍ: أَيْ غَيْرُ مُسْلِمَةٍ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الشَّنِيعِ
وَتَقَعُ فِيهِ: يُقَالُ وَقَعَ فِيهِ إِذَا عَابَهُ وَذَمَّهُ
وَيَزْجُرُهَا: أَيْ يَمْنَعُهَا
فَلَا تَنْزَجِرُ: أَيْ فَلَا تَمْتَنِعُ
فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ: قَالَ السِّنْدِيُّ: يُمْكِنُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَانَ وَنَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ أَيْ كَانَ الزَّمَانُ أَوِ الْوَقْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ: أَيْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَاتِ لَيْلَةٍ ثُمَّ ذَاتُ لَيْلَةٍ قِيلَ مَعْنَاهُ سَاعَةٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي وَالذَّاتُ مُقْحَمَةٌ.
فَأَخَذَ: أَيِ الْأَعْمَى
الْمِغْوَلَ: بِكَسْرِ مِيمٍ وَسُكُونِ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ وَاوٍ مِثْلَ سَيْفٍ قَصِيرٍ يَشْتَمِلُ بِهِ الرَّجُلُ تَحْتَ ثِيَابِهِ فَيُغَطِّيهِ، وَقِيلَ حَدِيدَةٌ دَقِيقَةٌ لَهَا حَدٌّ مَاضٍ، وَقِيلَ هُوَ سَوْطٌ فِي جَوْفِهِ سَيْفٌ دَقِيقٌ يَشُدُّهُ الْفَاتِكُ عَلَى وَسَطَهِ لِيَغْتَالَ بِهِ النَّاسَ
وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا: أَيْ تَحَامَلَ عَلَيْهَا
فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ: لَعَلَّهُ كَانَ وَلَدًا لَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ
فَلَطَّخَتْ: أَيْ لَوَّثَتْ
مَا هُنَاكَ: مِنَ الْفِرَاشِ
ذُكِرَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
ذَلِكَ: أَيِ الْقَتْلُ
فَقَالَ أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا: أَيْ أَسْأَلُهُ بِاللَّهِ وَأُقْسِمُ عَلَيْهِ
فَعَلَ مَا فَعَلَ: صِفَةٌ لِرَجُلٍ وَمَا مَوْصُولَةٌ
لِي عَلَيْهِ حَقٌّ: صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِرَجُلٍ أَيْ مُسْلِمًا يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتِي وَإِجَابَةُ دَعْوَتِي
يَتَزَلْزَلُ: أَيْ يَتَحَرَّكُ
بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ قُدَّامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ: أَيْ فِي الْحُسْنِ وَالْبَهَاءِ وَصَفَاءِ اللَّوْنِ
أَلَا: بِالتَّخْفِيفِ
إِنَّ دَمَهَا هَدَرٌ: لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِالْوَحْيِ صِدْقَ قَوْلِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا لَمْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا ذِمَّةَ لَهُ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ، قَالَهُ السِّنْدِيُّ.
هكذا فقطْ تكونُ نصرةُ الحبيبِ صلى اللهُ عليه وسلم، لا بالشجبِ والاستنكارِ على استحياءٍ، ولا بمقاطعةِ المنتجاتِ فَحَسْبُ، بل تكونُ بقتلِ مَنْ تَجَرَّأَ على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكونُ القتلُ لِمَنْ هَجَا النبيَّ فقط، بلْ لكلِّ مَنْ يساعدُ ويَحمِيْ ويُوَفِّرُ الأمانَ لِمَنْ يَهْجُوْهُ.
ولقد جرت سنةُ الله فيمن افترى على رسولِه صلى الله عليه وسلم أن يقصمَه ويعاقبَه عقوبةً خارجةً عن العادة ليتبينَ للناسِ كذبُه وافتراؤُه، فقد روى الإمامُ مسلمٌ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان منا رجلٌ من بني النجارِ قد قرأَ البقرةَ وآلَ عمرانَ، وكان يكتبُ للنبي صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربًا حتى لَحِقَ بأهلِ الكتاب، قال: فَعَرَفُوْهُ، قالوا: هذا كانَ يكتبُ لمحمدٍ فأُعْجِبُوا به، فما لَبِثَ أنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فيهم، فَحَفَرُوا له فَوَارَوْهُ، فأصبحتِ الأرضُ قدْ نَبَذَتْهُ على وَجْهِها، ثم عادوا له فحفروا له فَوَارَوْهُ؛ فأصبحتِ الأرضُ قدْ نَبَذَتْهُ على وَجْهِها، وهكذا في الثالثةِ، فتركوه منبوذًا.
قال ابنُ تيمية رحمه الله: فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدريْ ما كُتِبَ له، قَصَمَهُ اللهُ وفَضَحَهُ بأنْ أخرجَهُ من القبر بعد أن دُفن مِراراً، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادةِ، يدلُّ كُلَّ أحدٍ على أن هذا عقوبةٌ لِمَا قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذْ كان عامةُ الموتى لا يصيبُهم مثلُ هذا، وأن هذا الْجُرْمَ أعظمُ من مجردِ الارتدادِ؛ إذْ كان عامةُ المرتدين يموتونَ ولا يصيبُهم مثلُ هذا، وأنَّ اللهَ منتقمٌ لرسولِهِ ممنْ طَعَنَ عليه وسَبَّهُ، ومُظْهِرٌ لدينِهِ ولِكَذِبِ الكاذبِ؛ إذا لم يتمكنِ الناسُ أن يقيموا عليه الحد.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} (الأحزاب:57)
ومن عجيب الأمر أن المسلمين كانوا في جهادهم إذا حاصروا حصنًا أو بلدة فسمعوا من أهلها سبًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم استبشروا بقرب الفتح مع امتلاء القلوب غيظًا عليهم بما قالوه.
واليومَ نرى هبةَ الأمة وثورتَها على الأنظمة الوضعية، وتزامنَ الإساءاتِ المتكررةِ على النبي صلى الله عليه وسلم والتي تدلُّ على تواطؤِ الأنظمةِ وخنوعِها في كلِّ بلادِ الإسلام. فعلى الأمةِ ألاّ تَسْمَحَ لحكامِها بسلبِ ثوراتِها وحَرْفِها، وإنْ نُصِّبَ عليهم حكامٌ يدّعون الحكم بالإسلام، فها نحن نشاهدُ ونسمعُ تصريحاتِهم التي يَنْدَى لها الجبينُ من خِزْيِ ما حَوَتْهُ من مواقفَ وتعليقاتٍ، فالوضعُ والموقفُ كما كان الحالُ في الأنظمةِ السابقة.
إن هذه الحوادثَ المسيئةَ للإسلامِ ورسولِهِ والقرآنِ الكريم لا بد أن تدفعَ المسلمين لأنْ يُعيدوا النظرَ بجديةٍ في غضبتِهم ووِجهةِ حركتِهم ومطالبتِهم بالحلولِ الجذريةِ واستئنافِ الحياةِ الإسلامية، ويطالبوا بكيان سياسي مخلص يرعى المسلمين وإسلامهم.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما الإمام جُنَّةٌ يُقاتلُ مِنْ ورائِه ويُتَّقَى به فإنْ أمرَ بتقوى الله عز وجل وعَدَلَ كان له بذلك أجرٌ وإنْ يأمرْ بغيرِه كانَ عليه منه” رواهُ مسلم
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.