خذلان الجيوش للإسلام والمسلمين!!
في الوقت الذي أخذت فيه الأمة الإسلامية بالنهوض من كبوتها وراحت تطالب بالانعتاق من التبعية والهيمنة الغربية، شاهدت الأمة جيوش المسلمين تدافع عن الأنظمة الوضعية التي فرضها الغرب الكافر على الأمة الإسلامية، بدلا من الوقوف مع الأمة في مطالبتها بالانعتاق من الهيمنة الغربية من خلال التخلص من هذه الأنظمة واستبدال النظام الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للناس كافة بها، حيث راحت الجيوش تدافع عن تلك الأنظمة حتى لو وصل الأمر بها إلى حد ارتكاب المجازر بحق الشعوب المسلمة المنتفضة ضد حكامها العملاء، فبدت الجيوش وكأنها انحازت إلى الباطل ضد الحق وضد الأمة.
وإزاء هذه الصورة السوداوية لتصرفات الجيوش تجاه الأمة، والتي بلا شك لها أسبابها، كان لا بد لنا من وقفة على الأسباب التي حملت الجيوش على الوقوف إلى جانب الطغاة، لنتصور بعدها إن كانت هذه الصورة السوداوية سرمدية أم مجرد حالة عابرة يمكن التغلب عليها، في قابل الأيام لا سيما في ظل دولة الخلافة التي باتت قريبة إن شاء الله.
أما وقوف وانحياز جيوش المسلمين للأنظمة الموالية للغرب والتي تحكم بالكفر فيرجع إلى أسباب عدة أبرزها:
1- وجود قيادات عسكرية من ذوي الرتب الرفيعة موالية للغرب، جل همها استغلال مناصبها لإشباع غرورهم وجمع الثروات الطائلة، فأصبحوا يتشبثون بمناصبهم ويتنازلون عن شرفهم العسكري في سبيل الحفاظ على مناصبهم، وأصبح هناك جنرالات المال بدلا من جنرالات السلاح، فهذه القيادات ليست كفوءة لقيادة جيوش المسلمين، وهم بلا شك سبب هوان الأمة على أعدائها، وهم الجسر الذي يستخدمه الغرب للتدخل في شئون الأمة، بل وللتحكم بها من خلال حراستهم للنظام الغربي المفروض على الأمة.
أصبحت هذه القيادات تقود الجيوش في بلاد المسلمين لحماية عروش الطغاة والأنظمة الوضعية، وإن حصل أن قادوهم في حروب حقيقية فإنّهم يقودونهم في حروب ضد الأمة الإسلامية ولمصلحة الكافر المستعمر، من مثل مشاركة جيوش المسلمين في الحرب ضد العراق إلى جانب قوات التحالف الغربي الصليبي، ومن مثل مشاركة بعض جيوش المسلمين مثل الجيش الباكستاني وبعض كتائب من الجيش الإماراتي وغيرهم لمساعدة قوات التحالف الصليبي وعلى رأسهم أمريكا لاحتلال وتدمير أفغانستان، ولو كانت تلك القيادات كالقيادات العسكرية المسلمة التي عرفها التاريخ الإسلامي من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم في ظل حكم الإسلام على مدار قرون من الزمن لما لحق بهذه الأمة هذا الهوان والضعف، فشتان بين هذه القيادات وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قائد الجيش المسلم الأول، الذي (عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار قال: وهو مستنتل من الصف، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدح في بطنه، وقال : «استو يا سواد» فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالعدل، فأقدني، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «استقد» قال: يا رسول الله إنك طعنتني وليس علي قميص قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: «استقد» قال: فاعتنقه، وقبل بطنه، وقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟» قال: يا رسول الله، حضرني ما ترى، ولم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير)، وأين هم من القائد المسلم الذي قدموا له الطعام الشهي، فقال هل قدمتم مثل هذا للجنود، فقالوا لا، فقال إذن لا تقدموا لي إلا ما تقدمونه لعامة الجنود.
2- فصل العقيدة الإسلامية عن العقيدة العسكرية لدى جيوش المسلمين، فإنّه وإن كانت عقيدة الجيوش في العالم الإسلامي هي العقيدة الإسلامية، إلا أنّ العقيدة العسكرية في تلك الجيوش منفصلة عن العقيدة الإسلامية، لذلك تجد الجندي المسلم يقاتل أخاه في العقيدة على نزاع وطني أو عرقي أو أي أمر جاهلي، وكأن العقيدة الإسلامية التي تجمع بينهما لا أثر لها في نزاعهما أو اقتتالهما، وترى حمية العقيدة الإسلامية لا تؤثر في الجندي في جيوش العالم الإسلامي، فتجده يسمع ويرى مناجاة إخوانه وأخواته في مختلف بقاع الأرض ومنها البلد الذي هو فيه، ومع ذلك لا تجده يربط بين العقيدة الإسلامية التي تجمع بينه وبين المقهورين المظلومين ممن ينادونه لنصرتهم، والأمثلة كثيرة ليس أقلها استنصار المضطهدين من المسلمين في سوريا الشام، وفي بورما وفي فلسطين وكشمير وأفغانستان، فلا تجد الجندي في جيوش المسلمين يربط بين عقيدته التي يربطها مع صلاته وبعض العبادات وخصوصا النوافل منها فقط، وبين واجبه في نصرة إخوانه المقهورين، فهم وإن كانوا يقرؤون قوله تعالى ﴿…وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ… ﴾ إلا أنّهم لا يربطون هذه الآية بواجب نصرتهم لإخوانهم في الدين، وكذلك الأمر فإنّهم وإن كانوا يحفظون قصة المرأة المسلمة التي استنصرت بالمعتصم حين قالت “وا معتصماه” فهب المعتصم لنصرتها وحررها هي ومن معها من الأسر وفتح البلد التي كانت ماسورة فيه “أنقرة”، إلا أنّهم يقرؤون هذه القصة للتفاخر بأمجاد الأجداد وليس للسير على خطاهم.
يجب أن تكون العقيدة الإسلامية أساس العقيدة العسكرية في جيوش المسلمين، فواجب الجيش المسلم هو حماية العقيدة الإسلامية وحماية المسلمين والدولة الإسلامية ونشر الإسلام رسالة للبشرية كافة، وكل أمر يهدد أيا من هذه الأمور فإنّ على الجيوش الإسلامية بذل أرواحهم للدفاع عنها والحفاظ عليها.
3- غياب الثقافة الإسلامية في جيوش المسلمين وتثقيفهم بالثقافات غير الإسلامية، فأصبحت هذه الجيوش مستهدفة من قبل الكافر المستعمر الذي يفرض عليها ثقافته كشرط لمدها بالسلاح، فتخضع الجيوش إلى أخذ دورات تمجد وتزين الحريات الغربية والديمقراطية ومحاربة الإسلام باسم محاربة الإرهاب، حتى باتت هذه الجيوش تستهدف شعوبها وتنظر إليهم بصفتهم إرهابيين يجب مكافحتهم، فتجد جهاز المخابرات العسكرية يستهدف الملتزمين بالإسلام والعاملين على نهضة الأمة بالإسلام ولا يأبه لما تكيده الدول الغربية الطامعة بالأمة الإسلامية، فمثلا تم تثقيف الجيش الباكستاني بالثقافة التي ترضي أمريكا وتخدم مصالحها، فاتخذ الجيش الباكستاني من”الإسلام السياسي والجهادي” عدوا له وليس العدو الخارجي مثل أمريكا والهند، فأصبح ينظر إلى المجاهدين الذين يقاومون الاحتلال الأمريكي للمنطقة على أنهم إرهابيون ومهددون للسلم “الوطني”، وراح جهاز الاستخبارات العسكرية يتجسس ويلاحق الغيورين على الإسلام من العسكريين والعاملين إلى نهضة الأمة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة.
يجب أن يُوفر في الجيش التعليم العسكري العالي على أرفع مسـتوى، وأن يُرفع المـسـتوى الفكري لديه بقدر المـسـتطاع، وأن يثقف كل شخص في الجيش ثقافة إسلامية تمكنه من الوعي على الإسلام، ولو بشكل إجمالي، وذلك حتى يكون الجندي قادر على معرفة عدوه الحقيقي ويعمل على هزيمته ومعرفة دوره الشرعي فيقوم به مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام «كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الْإِسْلَامِ، اللَّهَ اللَّهَ لَا يُؤْتَى الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِك».
والآن وبعد كل هذا هل من أمل في هذه الجيوش؟
الجواب هو بالتأكيد نعم، فبالرغم من أنّ جيوش المسلمين عموما قد خذلوا الأمة، للأسباب التي ذكرت أعلاه، فهانت الأمة على أعدائها، إلا أنّ هناك الكثير من المخلصين في جيوش المسلمين ممن ينتظرون الفرصة المناسبة لنصرة الإسلام والمسلمين وهم يعلمون أن آجالهم وأرزاقهم بيد الله سبحانه وتعالى، ونهضة الأمة موقوفة على عاتق هؤلاء من أحفاد خالد بن الوليد رضي الله عنه القائل “لقد شهدتُ مائة زحف أو زُهاءَها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربةٌ أو طعنة أو رَمْية، ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعين الجبناء”، فقد كان جنديا يستحق أن يطلق عليه سيف الله المسلول، المسلول على الكفار وأعداء الإسلام والمسلمين.
كما أنّ الأغلب الأعم من عناصر الجيوش في بلاد المسلمين إنما ينفذون حاليا الأوامر وقلوبهم تعتصر ألما، فهم جزء من الأمة، ولكن عندما تلوح أمامهم فرصة الانعتاق من التبعية للقادة العملاء فإنهم سيكونون سباقين إلى ذلك.
فالأمل بالجيوش كبير، ولن تعدم الأمة الرجال منهم، وقريبا ستنعتق الأمة وجيوشها من الغرب الكافر وستري الله منها ما يحب، قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نصير الإسلام محمود / ولاية باكستان