خبر وتعليق الخلافة تقض مضاجع الإعلام كما أقضّت مضاجع أسيادهم الحكام
الخبر:
أجرت قناة cbc مقابلة في برنامج “ممكن” مع الدكتور أسامة الأزهري المشرف على مكتب رسالة الأزهر، حاوره خلالها الإعلامي خيري رمضان، حيث تحدث الدكتور أسامة عن سقوط الخلافة، ونشوء فكرة القومية، ثم القومية العربية التي تركزت فيما بعد بفكرة الوطنية، ثم استمر بعد ذلك في الكلام عن الوطنية أكثر من نصف الحلقة، فكان مما قاله: ” فكرة الوطن قيمة إنسانية وقرها الدين وزكاها ونماها”.
وذكر موقع بوابة الأسبوع الإلكترونية: قال الدكتور أسامة الأزهري المشرف على مكتب رسالة الأزهر خلال حواره مع الإعلامي خيري رمضان في برنامج ممكن على قناة cbc كان لا بد لعلماء الأزهر منذ 70 عاما الانتباه للأفكار التي كانت تطرح وقتها، اليوم سنبدأ قراءة في التاريخ على مدى 80 عاما أو أكثر لتيارات الإسلام السياسي، سنتحدث عن قيمة الوطن في ميزان الدين والشريعة والإسلام وسنناقش قضية الخلافة أيضا.
وقال كلمة الوطن كان وقعها منذ زمن بعيد قاسي على الجماعات الإسلامية خاصة مع تحميل فشل الأمور وقتها لنظام الخلافة حدث تشويش لدى الشباب وأصبحت كلمة الوطن بديلا عن الخلافة الإسلامية بشكل سلبي.. وكانوا يحاولون أن يروجوا أن الوطن ضد الدين.
أما موقع جريدة الدستور فكتب: قال الدكتور أسامة السيد الأزهري، أن هناك جماعات دينية بمصر تحارب كلمة الوطنية بحجة أنها مناهضة لفكرة الخلافة التي يسعى المسلمون لإعادتها، رغم أنها تجعل الشخص يستميت في الدفاع عن بلده.
التعليق:
بداية ولعله من الإنصاف القول بأن من يستمع للدكتور لا يرى فيه كرهًا للخلافة أو حقدا عليها، لكن رغم اطلاعه الواسع على التاريخ، ووعيه على الأحداث، إلا أنه عندما يتحدث عن الخلافة وعن الوطنية، تجد أن لديه اللبس الذي عند غالبية أبناء الأمة على الفكرتين كليهما.
فهو عندما يصف الخلافة يقول: “الخلافة نظام إداري”، ويقول: “دين الله غير متوقف على صورة الخلافة بهيئتها”، ويقول: “دين الله يقدم صيغ المعيشة مهما كانت الأجواء والظروف”، ويطرح أن حل المشكلة بعد سقوط الخلافة كان ممكنًا أن يكون باتحاد فيدرالي كما هو الحال في الولايات المتحدة.
وهنا نقول لفضيلة الدكتور أن الخلافة بهيئتها كما تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تبعه من بعده الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا، على نفس الهيئة، هي فرض ووحي من الله سبحانه وتعالى، فالرسول عليه وآله الصلاة والسلام الذي ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ قد بين لنا شكل الدولة، وأجهزتها في الحكم والإدارة، فلا يجوز لنا أن نتقدمها أو نتأخر عنها بأي شكل من الأشكال، ولا بأي ظرف من الظروف أو حال من الأحوال، لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية أخرى: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
أما الوطنية فقد قال الدكتور: “فكرة الوطن قيمة إنسانية وقرها الدين وزكاها ونماها”، ثم ساق من أقوال العلماء، وأبيات الشعر ما يعزز قوله، وفي كل ما استرشد به لم يخرج عن مسألة حب “الوطن” ولم يتكلم عن الرابطة التي تربط بين الناس، وهنا نقول للدكتور أن الفرق كبير، والبون شاسع، بين حب الإنسان لبيته وحارته ومدينته أو قريته، وبلده، وميله إلى كل هؤلاء أكثر مما عداهم، وهو أمر طبيعي في الإنسان، وبين فكرة الوطنية من كونها رابطًا بين الناس يربط بينهم على أساس القبيلة التي ينتمون إليها، أو التراب الذين يعيشون عليه.
فالوطنية التي ننكرها هي الوطنية التي أنكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، بعد غزوة بني المصطلق، لما تنادى المهاجرون يا للمهاجرين وتنادى الأنصار يا للأنصار، والتي أنكرها عليهم لما أغرى بينهم اليهودي الحاقد شاس بن قيس، لما حمل الأوس والخزرج السلاح على بعضهم، فقال لهم عليه وآله الصلاة والسلام، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها إنها منتنة.
نعم إن ارتباط الناس فيما بينهم على أساس القومية التي ينتمون إليها، أو التراب الذي يعيشون عليه، ارتباط نتن حذرنا منه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فيجب علينا أن نحذره، ولعل من أبلغ ما قيل في الرابطة الوطنية، ما قاله حزب التحرير في كتاب نظام الإسلام، حيث قال: “تَـنْشَأُ بينَ الناسِ كُلَّما انْحَطَّ الفِكرُ رابِطَةُ الوَطَنِ، وذلكَ بِحُكمِ عيشِهِمْ في أرضٍ واحدةِ والتصاقِهِمْ بها، فتأخُذُهُمْ غريزةُ البَقاءِ بالدفاعِ عنِ النفسِ، وتَحْمِلُهُمْ على الدفاعِ عنِ البلدِ الَّذي يَعِيشونَ فيه، والأرضِ الَّتي يعيشونَ عليها، ومنْ هنا تَأْتي الرابطةُ الوطنيَّةُ، وهيَ أقلُّ الروابطِ قُوَّةً وأكثَرُهَا انْخِفاضاً، وهيَ موجودةٌ في الحيوانِ والطيرِ كما هيَ موجودةٌ في الإنسانِ، وتأْخُذُ دائِماً المَظْهَرَ العاطِفِيَّ. وهي تَلْزَمُ في حالةِ اعتداءٍ أَجْنَبِيٍ على الوطنِ بِمُهاجَمَتِهِ أو الاسْتيلاءِ عَلَيْهِ، ولا شأْنَ لها في حالةِ سَلامةِ الوطنِ منَ الاعتداءِ. وإذا رُدَّ الأَجْنَبِيُّ عنِ الوطنِ أوْ أُخْرِجَ مِنْهُ انتهَى عملُهَا، ولذلكَ كانتْ رابطةً منخفضةً.” وقال أيضا في الكتاب نفسه: “وعلى ذلكَ فالرابطةُ الوطنيَّةُ رابطةٌ فاسِدَةٌ لِثَلاثَةِ أسْبَابٍ: أَوَّلاً: لأنَّها رابطةٌ مُنْخَفِضَةٌ لا تَنْفَعُ لأنْ تَربُطَ الإنسانَ بالإنسانِ حينَ يسيرُ في طريقِ النهوضِ. وثانِياً: لأنَّهَا رابطةٌ عاطفيَّةٌ تنشأُ عنْ غريزةِ البقاءِ بالدفاعِ عنِ النفسِ، والرابطةُ العاطفيَّةُ عُرْضَةٌ للتغيرِ والتبدلِ، فلا تصلُحُ للربطِ الدائمي بينَ الإنسانِ والإنسانِ. وثالِثَاً: لأنَّهَا رابطةٌ مُؤَقَّتَةٌ تُوجَدُ في حالةِ الدفاعِ، أمَّا في حالةِ الاسْتِقْرارِ – وهيَ الحالةُ الأصْلِيَّةُ لِلإنسانِ – فلا وجودَ لها، ولذلكَ لا تصلحُ لأنْ تكونَ رابطةً بينَ بَني الإنسانِ”.
ويبدو أن فكرة الخلافة باتت تقض مضجع الإعلام، كما أقضت مضاجع أسيادهم الحكام، فقاموا يرمونها عن قوس واحدة، قوس الوطنية النتنة المفرقة، التي سيطرت على عقول المسلمين عقودا من الزمن، ثم بدأوا يكتشفون عوارها، ويتجهون نحو الرابطة الوحيدة الصحيحة، العقيدة الإسلامية، والوحدة الوحيدة الحقيقية، الخلافة الإسلامية، فيريدون أن يركسوهم عن صحوتهم هذه ويعيدوهم أو يبقوهم في ظلام الوطنية وفُرقتها.
﴿أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الملك