نداءات القرآن الكريم ح47 الأمر بطاعة الله والرسول وأولي الأمر من المؤمنين ج5
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). (النساء 59)
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثاني والعشرون نتناول فيه الآية الكريمة التاسعة والخمسين من سورة النساء التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). نقول وبالله التوفيق:
في هذه الحلقة نتناول أقوال الأئمة الأثبات الثقات من السلف الصالح، الذين أجمعت الأمة على إخلاصهم، وترفعهم عن مداهنة السلطان، وبعدهم عن شبهة كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى.
أيها المؤمنون:
يقول إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في معنى الإمامة والمحافظة عليها: “هي رياسة تامة, وزعامة عامة, تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا متضمنها حفظ الحوزة, ورعاية الرعية, وإقامة الدعوة بالحجة والسيف, وكف الجنف والحيف, والانتصاف للمظلومين من الظالمين, واستيفاء الحقوق من الممتنعين, وإيفاؤها على المستحقين، فنصب الإمام عند الإمكان واجب, وخالف ذلك من لا يسمى إلا عند الإنسلال عن ربقة الإجماع, والحيد عن سنن الاتباع, وهو مسبوق بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة, واتفاق مذاهب العلماء قاطبة، أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا البدار إلى نصب الإمام حقا, وتركوا بسبب التشاغل به تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه مخافة تتغشاهم هاجمة محنة, ولا يرتاب من معه مسكة أن الذب عن الحوزة والنضال دون حفظ البيعة محتوم شرعا, ولو ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع, ولا يزعهم وازع ولا يردعهم عن اتباع خطوات الشيطان رادع مع تفنن الآراء وتفرق الأهواء، لتبتر النظام وهلك الأنام وملك الأرذلون سراة الناس”. (غياث الأمم في التياث الظلم)
أيها المؤمنون:
وقال الإمام القرطبي في تفسير قول الله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة): “ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة إلا ما روي عن الأصم حيث كان عن الشريعة أصم”. (الجامع لأحكام القرآن 1/264) وقال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى في شرح العقيدة الطحاوية :”ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا, ولا ندعوا عليهم, ولا ننزع يدا من طاعتهم, ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل مالم يأمروا بمعصية, وندعوا لهم بالصلاح والعافية”.
أيها المؤمنون:
وقال الإمام البربهاري رحمه الله تعالى :”واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم جوره على نفسه وتطوعك وبرك معه تام إن شاء الله – يعني الجمعة والجماعة والجهاد وكل شيء من الطاعات نشاركهم فيه – وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى, وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله!”.
أيها المؤمنون:
وقال الفضيل بن عياض: “لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح, ولم نؤمر أن ندعو عليهم, وإن جاروا وإن ظلموا؛ لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين”.(طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى)
مثل هذه الدعوة المستجابة التي تحدث عنها الفضيل بن عياض تجعل للسلطان الذي يحكم بما أنزل الله وإن جار وإن ظلم, وليس لولي الأمر الذي يحكم بأنظمة الكفر, فمثل هذا لا يدعى له, والدعاء الذي يدعو به خطباء المساجد للحكام على المنابر يوم الجمعة هو في الحقيقة صورة من صور إعلان الطاعة والولاء لهؤلاء الحكام، وهذا لا ينبغي ولا يجوز؛ لأن من دعا لظالم فكأنما أحب أن يعصى الله ورسوله.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله :”ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه, ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد, بل كما ورد في الحديث أن يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله, وقد قدمنا في أول كتب السير أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة – أي ما حكموا بما أنزل الله – وما لم يظهر منهم الكفر البواح .. والأحاديث الواردة في هذا المبلغ متواترة ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ويعصيه في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”. (السيل الجرار 4/556)
ويقول الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله تعالى :فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان الإمام أو جائرا فخرج وجمع جماعة وسل سيفه, واستحل قتال المسلمين, فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن, ولا بطول قيامه في الصلاة ولا بدوام صيامه, ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج”.(الشريعة للآجري28)
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام وأن يعز الإسلام بنا وأن يكرمنا بنصره وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها إنه ولي ذلك والقادر عليه نشكركم لحسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد أحمد النادي