خبر وتعليق أيحاسِب النصارى أشرافَهم ويتخاذل عن ذلك المسلمون
الخبر:
نشرت جريدة الحياة بتاريخ 2014/1/7، خبراً مفاده أن المحكمة العليا في جزر الباليار الإسبانية قضت بتوجيه التهمة للأميرة كريستينا ابنة الملك خوان كارلوس الصغرى، بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال، ما قد يمهد الطريق لمحاكمة غير مسبوقة لأحد أفراد العائلة المالكة.
وبعد تحقيقات مطولة، أعلن قاضي التحقيقات في بالما دي مايوركا، خوسيه كاسترو، في القرار الذي وقع في 200 صفحة، وجود أدلة تشير إلى أن كريستينا (48 سنة) ارتكبت جرائم، واستدعاها للإدلاء بأقوالها في 8 آذار (مارس) المقبل.
وكان زوج كريستينا لاعب كرة اليد الأولمبي السابق، إناكي اوردانغارين، اتُهم بالاحتيال والتهرب الضريبي وتقديم وثائق مزيفة واختلاس ستة ملايين يورو من الأموال العامة من خلال مؤسسته «نووس» التي لا تهدف إلى الربح. وكانت المؤسسة حصلت على عقود متعلقة بتنظيم مؤتمرات رياضية وأخرى متعلقة بقطاع الأعمال في مايوركا ومناطق أخرى في إسبانيا.
وبدأ القاضي كاسترو التحقيق مع الأميرة وزوجها منذ ثلاث سنوات وحرص على أن يوجه الاتهام لكريستينا. وفي نيسان (أبريل) من العام الماضي خلص إلى وجود أدلة تثبت أن الأميرة ساعدت زوجها وحرضته. لكن محكمة أعلى درجة أسقطت هذه التهم في أيار (مايو)، لافتة إلى أن الأدلة غير كافية لكنها أعطت كاسترو مزيداً من الوقت للتحقيق في تهمة التهرب الضريبي.
ويُتوقع أن تطعن الأميرة في التهم الموجهة إليها والتي يمكن إسقاطها مجدداً، أو إعطاء القاضي بضعة أشهر ليعد قضيته قبل بدء المحاكمة.
التعليق:
هذا الخبر أقرب إلى الخيال العلمي بالنسبة لبلداننا، ففي الوقت الذي توجه المحكمة الإسبانية التهمة لبنت الملك وزوجها، أي صهر الملك، بعد تحقيق دام لثلاث سنوات، ويحاسبان على أفعالهما كأي مواطن عادي، نعجز نحن عن محاسبة مسئول صغير في المغرب ما دام يتمتع بحماية شخص متنفذ، ولا يحاكم في بلادنا إلا صغار المذنبين، أو أولئك الذين قررت السلطات النافذة رفع الحماية عنهم لسبب أو لآخر. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فهذا وزير المالية السابق لا يزال حراً طليقاً رغم كل ما رشح من وثائق تثبت استئثاره بالهبات المالية، بل وبدل أن يحاكم، يعين وزيراً للخارجية، وقبله مستشار الملك حين اشترى أرضاً وقفية بعشر سعرها في السوق فلم يحاسبه أحد، وهذه وزيرة الصحة السابقة تهدد من يتجرأ على اتهامها بعد أن تناسلت الدلائل على شرائها شقة أو شقتين بباريس بمال لا يُعلم كيف اكتسبته وكيف أخرجته… هذا دون الحديث عن ثروة الملك التي تتضخم دون أن يجرؤ أحد على مجرد الإشارة إليها ولو من بعيد.
لقد مضى زمان على المسلمين، كان الخليفة يحاسب الوالي على ما أصاب من مال فيقول له: (انظر رأس مالك ورزقك وخذه واجعل الآخر في بيت المال) ولما يعين القاضي يوصيه: (آس – أي سَوِّ- بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك)، لم يكن فيه أحدٌ فوق القانون، ولم يكن لأحدٍ فيهم حصانةٌ تجعله في مأمن من أن يحاسب إن أخطأ. كان القاضي يُقعد فيه الخليفة، فضلاً عن كبار مسئولي الدولة، مع خصمه ليحكم بينهما، وقد يحكم للخصم على الخليفة إن كان الحق له، لا تأخذه في الله لومة لائم. وقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في الجرأة على محاسبة حكامهم، وكذا ضرب حكامهم أروع الأمثلة في قبول المحاسبة من رعيتهم بل والحض عليها والرضا بحكم القضاء والنزول عليه.
أما بعد أن غاضت أحكام الشرع، فقد أصبحت المسئولية، خصوصاً إن علت، مغنماً تبيح لصاحبها أن يصول ويجول في أموال الناس وحقوقهم وأعراضهم، لا يملك أحد أن يوقفه، خصوصاً إن حصّن نفسه، بحماية أحد كبار المتنفذين في الدولة، فإن تجرأ أحد على محاسبة المتجاوِز عوقب المحاسِب وكُرِّم المحاسَب!
أما في ديننا، فقد جعل الإسلام الناس متساوين في الحقوق والواجبات، أفضلهم عند الله أخوفهم له، لا يملك أحدهم في المال العام أكثر مما يملك أخوه، كائناً من كان، ووحدها العودة إلى ديننا وتحكيمه فيما بيننا يعيد إلى أموالنا وحقوقنا عصمتها، ويقطع أيدي المتطاولين عليها، ويزجر من تسول له نفسه الوصول إليها. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.
أما كيف نُحكِّم ديننا، فبإقامة الخلافة الراشدة التي أمرنا الله ورسوله بإعلاء صرحها، وهي عينها التي يعمل لها حزب التحرير منذ أكثر من ستين عاماً، حتى أصبحنا نرى اليوم تباشيرها ونمد أيدينا لقطف ثمارها.
وإن مما تبناه حزب التحرير لمشروع دستور دولة الخلافة:
المادة 6 – لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك.
فهلا التحقتم بالركب حتى لا يفوتكم الأجر.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله