خبر وتعليق الطوق المُحكَم
الخبر:
بثت إحدى قنوات دبي الفضائية قبل يومين الفلم الوثائقي الحاصل على الأوسكار (Inside Job) “مهمة داخلية”، وقد أنتج هذا الفلم عام 2010 ولكنه عرض مترجما للعربية هذه المرة. والفلم يكشف الكثير من خبايا عالم المال والسياسة في أمريكا خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية والتي أرجع صاحب الفلم أسبابها إلى استشراء نفوذ أرباب المال والبنوك ووصول نفوذهم إلى داخل البيت الأبيض مباشرة بل وإلى الجامعات الأمريكية الكبرى مثل هارفارد وغيرها. ما أتاح لهم التغطية على كثير من الحقائق على الأرض والتي كانت تشير إلى حصول أزمة اقتصادية هائلة وخسارة ملايين الناس لوظائفهم وبيوتهم علاوة على الأموال والإفلاس. كيف لا وقد وصل حجم الاقتصاد الوهمي إلى أكثر من 600 ترليون دولار، ومما فضحه الفلم التمويل الضخم للحملات الانتخابية من قبل البنوك فقط والذي وصل إلى 5 مليارات دولار، وإلى المبالغ الطائلة التي كان يتلقاها أساتذة الجامعات المشهورين من أجل كتابة تقارير مالية للدول من أجل إخفاء أو تأجيل انكشاف المستور وبناء المزيد من الأوهام الاقتصادية للشعوب حتى حصلت الأزمة فخسر من خسر وأفلس من أفلس وأغلقت مصانع وشركات وبنوك وفقدت وظائف… ثم مع كل ذلك يقوم الساسة في أمريكا بإنقاذ البنوك وأصحابها مع أنهم هم أس الداء.
ولا يخفى هنا دور الإعلام مع الساسة وأصحاب المال في تزوير الحقائق والتعمية عن حقيقة فشل النظام الكامل وبناء قصور في الهواء للناس، فالطوق محكم على الحقيقة لا ينفذ منه إلا القليل، هذا في بلد كأمريكا…
التعليق:
إذا كان هذا هو حال أقوى الدول “الديمقراطية” في العالم، مؤامرات وخداع وتضليل ونهب وسلب ورشا، فكيف لا يزال المسلمون يثقون بفكر الغرب ومفاهيمه وديمقراطيته؟ كيف يقبلون بالرأسمالية أو مشتقاتها التجميلية “الدولة المدنية” “الحرية” “العدالة الاجتماعية” … الخ.
ثم ألا يتكرر هذا الواقع في بلادنا؟
نظرت إلى الواقع المصري فوجدته صورة مصغرة عن الأم أمريكا ولكن الصورة هذه المرة فاضحة وكالحة أكثر، إعلاميا وسياسيا وماليا؛ فـ”شِلة” أصحاب المال أمثال ساويروس ينفقون بسخاء على “شِلة” من الإعلاميين المقززين فيصبح في مقاييس هؤلاء الأسود أبيض والأبيض أسود، وجهاز القضاء ـ والذي أقسم أمامه مرسي بحفظ النظام الجمهوري ومدحه ومدح رجالاته يوما ـ ما هو إلا “شلة” من شهود الزور والجلادين لا غير.
أما “شِلة” الساسة فهم ألعوبة في يد “شلة” العسكر التي تمسك بزمام الأمن والاقتصاد والإعلام والمشايخ أيضا… فكل تلك “الشِلل” تقوم بدورها المطلوب منها لتمرير مخططات أمّهم أمريكا، والمواطن العادي أصبح ألعوبة في أيديهم، ويراد تسييره كالروبوت إلى صندوق الاقتراع لتكتسب تلك “الشلل” مصداقية وقانونية أكثر… في زمن السنوات الخداعات هذا.
هذا الواقع المصري الذي أصبح مفضوحا هو نفسه في بلاد المسلمين الأخرى، وإن كان يحاول إخفاء وجهه الحقيقي الكالح بمساحيق كثيرة… ولا حاجة أن نخوض في واقع الحال في دول أخرى كالسعودية التي ينهب آل سعود ثرواتها ويعيش أغلب الناس ضنكا ثم تجد الأبواق الإعلامية تلهي الناس ومشايخ السلطان تخدرهم…
ولكن لنأخذ الواقع السوري، فهناك تجتمع “شلل” السياسة والإعلام والمال على مستوى عالمي لتحرف الثورة عن مسارها الصحيح…أما “شلل” نظام الأسد ومن ورائه إيران فهي واضحة مفضوحة، وأما حكام الخليج وعلى رأسهم السعودية وقطر فيتحركون بقوة لشراء ولاءات الكتائب والألوية المقاتلة للنظام، والأردن يقوم بالعمل الاستخباراتي على أكمل وجه، وتركيا ترعى الائتلاف وتضع اللاجئين تحت الاعتقال، والإعلام العربي وعلى رأسه الجزيرة والعربية يلعب الدور المرسوم له جيدا، من تشويه لحقيقة الثورة ومسعاها، بل هو تشويه “ذكي للأسف” لمطلب أهل الشام الواضح للإسلام ودولته، ولن يصعب على الساسة وأرباب المال والإعلام الإتيان بما يسمونهم “الخبراء” و”المحللين” وأصحاب المعاهد البحثية و و و…كي يحرفوا الوقائع ويوجهوا الرأي العام إلى حيث يراد، حيث أصبحت تجد الكثير من الناس يساوي بين ثوار الشام ونظام الأسد، ولا شك أن بعض الفصائل تساهم في هذا التضليل بحسن نية أو بسوئها، ولكن قبل ذلك بسبب المال والسلاح المشروط وعدم وجود الوعي على حبائل الدول ومخططاتها.
وفي المحصلة فإن الطوق المضروب على الحقيقة محكم أيما إحكام، فهل يمكن كسر هذا الطوق يوما؟ وما هي الوسائل المتاحة في أيدي المخلصين الواعين؟ وهل ستنتهي هذه السنوات الخداعات التي يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب؟
لقد سبق وكسر مثل هذا الطوق يوما، كسره محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام، لما أذن الله سبحانه وتعالى بذلك، فتقلبت الأوضاع والظروف في سرعة البرق وانقلب السحر على الساحر وحصل التمكين في الأرض وحطم نافوخ الكفر ودالت الدنيا عليه…
وهكذا يكون بحول الله تعالى في قابل الأيام… بإيمان صادق، وبنوايا صادقة، وهمم عالية، وتجرد واضح لله تعالى، يصاحب العمل المتواصل لكسر الطوق بكل ما أوتي المخلصون من قوة في الفكر وإبداع في الأساليب، وبدون كلل ولا ملل، فإن الشروخ في ذلك الطوق أصبحت تظهر بين الحين والآخر وآن أوان كسره نهائيا… يوم تشرق شمس الخلافة على الدنيا ويعلو صيتها ليملآ الآذان، وترفرف راياتها في عنان السماء.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. حسام الدين مصطفى