Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق إهدار المال وإهراق الدماء

مجموعة من الأخبار:

عن مجلة الاقتصادية، تقول عناوينها:

بيع ساعة عمرها 115 عاما مقابل مليونين وربع مليون دولار.

مبيعات بخمسة وعشرين مليون دولار في دار كريستي في الصين.

مزاد تذكارات ممثل الكاوبوي جون وين يجمع خمسة فاصلة ثلاثة مليون دولار.

بيع لوحة فنية مقابل ثلاثة وأربعين مليون دولار.

بيع ورقة نقدية من فئة الألف دولار بقيمة ثلاثة فاصلة ثلاثة مليون.

… وهذا غيض من فيض..

 

التعليق:

لنضع هذه الملايين التي تهدر من أصحاب رؤوس الأموال أيًّا كانت جنسياتهم أو ألوانهم، مقابل ملايين البشر الذين يموتون جوعا في أصقاع الأرض. لا شك أن مَنْ دَفعَ هذه الملايين في هذه الصفقات الباهظة مسؤولٌ مباشرةً عن موت أولئك جوعًا في المخيمات أو قتلًا في مجازر يندى لها جبين العالم “المتحضر”، هذا العالم الذي يُعنى باقتناء ورقةٍ تافهةٍ أو لوحةٍ بائدة أو ميراثٍ لإحدى الشخصيات التي لم يكن لها أية مساهمة في بناء حضارة أو ارتقاء شعوب.

ملايين من الأطفال يموتون جوعا في بنغلادش وباكستان والهند والصومال وأثيوبيا، وعشرات الآلاف يموتون إبادة جماعية في ميانمار، وعشرات آلاف أخرى تقضي عليهم براميل المتفجرات في حلب وحمص، وآخرون يموتون في عرض البحر هربًا من الظلم، فلا يجدون ملجأ أو مهربا، يصدهم أولئك المتحكمون بخيرات البشر من أصحاب رؤوس الأموال المتنفذين ذوي السلطان على الدول والحكومات. فقد باتت هذه الحكومات خادمة وراعية لمصالحهم، تعمل على ازدياد وتكريس الثروات في أيدي السفهاء المتغطرسين الذين لا يعرفون الإنسانية ولا يتعاملون مع البشر أكثر من أنهم خدم وعبيد ومصدر تمويل وتشغيل، فينفقون هذه الأموال بهذا الترف المخزي وهذا الإسراف المزري، في صورة لم يشهدها العالم من قبل ولم يعرفها إلا في عهد نفوذ أصحاب رؤوس الأموال هؤلاء.

قَهَرَ الجوعُ البشريةَ وهم يفاخرون باقتناء رقمِ سيارة نادرٍ أو مخطوطةٍ باهتةٍ أو حتى فستانِ ممثلةٍ أو طابعِ بريدٍ أو غيرِه من سفاسفِ الأمور وسقطها.

إن هؤلاء مسؤولون بأشخاصهم وأعيانهم عن هذا القتل والتجويع والتدمير والتهجير، لأن الجشع المتراكم في عقولهم، والمترسخ في مبدئهم، والمتأصل في صدورهم أفقدهم كل رحمة وشفقة، هذا الفكر هو الذي جعل الناس يصلون إلى هذا الحد من الإذلال والاحتقار، والاسترقاق والاستعباد والاستعمار لتأمين الكسب والرفاه لشعوب أو طبقة من الناس فوق البشر.

يموت الملايين ليكسبَ هؤلاء ملايين ينفقوها على ورقةٍ تافهةٍ، وليس لديهم أدنى استعداد لينظروا إلى كوارث البشر ومصائبها وهي لا تخفى عليهم، بل إن أحدهم ربما يقول في نفسه: لو أنني ساعدت هؤلاء التعساء فإنهم سيتطلعون بعد شبعهم إلى نهضتهم، فمن أين سأتحصل على ثروتي إذن؟ وكيف سأحافظ على مكتسباتي؟!

هذه هي الرأسمالية عينها تبرز كل حين بأقبح وجوهها وأسوأ فكرها، وأخس عاداتها لتصفع البشرية من جديد، وتزيد البشرية انحطاطا فوق انحطاطها، وتعاسة فوق تعاستها، ولا تكاد تستطيع إخفاء سوءاتها.

إنه الإسلام وحده الذي كرَّم البشر ورفعهم حتى يتساوى بلال الحبشي وصهيب الرومي مع أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، كلكم لآدم وآدم من تراب.
إنه الإسلام وحده الذي جعل خليفَتَه يأمر أعوانَه لينثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين، لوفرة المال وكثرة الخيرات.

إنه الإسلام وحده الذي تنفق فيه زوجة الخليفة هارون الرشيد السيدة زبيدة أموالها لتشق قناة من الفرات حتى مكة المكرمة ليشرب منها حجاج بيت الله الحرام ابتغاء مرضاة الله.

إنه الإسلام وحده الذي يجعل الراعي مسؤولا عن رعيته أمام الله، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا بيعة الأول فالأول، أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم». متفق عليه.

إنه الإسلام وحده الذي جعل الحساب على الكسب والإنفاق من مسؤولية الدولة ومسؤولية الفرد أمام الله، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾، وقال سبحانه: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.

إلى هذا الإسلام الذي يساوي في الرعاية والمسؤولية والمحاسبة بين كل أفراد الرعية، غنيا أو فقيرا، حاكما أم محكوما، شريفا أم وضيعا، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

إلى هذا الإسلام ندعوكم لتكونوا جندا من جنوده، وشهودا من شهوده، عاملين لإحقاقه وإعادته ليطبق في الأرض، على منهاج النبوة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سيف الحق، أبو فراس