خبر وتعليق ماذا أنجزت هيئة مكافحة الفساد “نزاهة” في السعودية؟
الخبر:
رئيس “نزاهة” يشكو لـ”الشورى” قلة الحيلة:
“… وما بين هذا وذاك حضرت شكوى الهيئة من قلة الحيلة وعدم تجاوب الجهات الحكومية مع مخاطباتها زمنيا ونوعيا، فيما فاجـأ رئيسها الشريف الأعضاء حينما كشف عن تجاهل جهات حكومية لطلبات “نزاهة” بتحديد أسماء المسؤولين المقصرين بالـرد على خطاباتها لإحالتهم إلى التحقيق.” (الوطن – 2014/1/13).
التعليق:
أنشئت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) بأوامر مباشرة من ملك البلاد عام 1432 هجري بعد أقل من شهرين على كارثة سيول جدة التي راح ضحيتها أكثر من مئة شخص، وقد صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمكافحة الفساد في العام الماضي، واللافت لكل متابع أن الهيئة في معظم الأحيان لم تصل إلى نتيجة ذات بال في مكافحة الفساد، بل إن معظم تحقيقاتها وتقاريرها تلقى تجاهلا حكوميا كما لم يخف رئيسها في الخبر المذكور..
إزاء هذا الأمر لا بد من تبيان حقيقتين أساسيتين:
أولا: لا بد لجميع أبناء بلاد الحرمين الشريفين أن يدركوا أن الفساد الحقيقي ليس برشوة أو محسوبية أو واسطة أو اختلاس… فقط، أي ليس بفساد مالي هنا أو إداري هناك فحسب، بل إن هذه مظاهر طبيعية وأعراض جانبية للفساد الحقيقي، فالفساد الحقيقي بمعناه الشرعي هو معصية الله تعالى وعدم تطبيق أحكامه، وعليه فالفساد الحقيقي إذن:
• هو عدم رعاية شؤون المسلمين بتأمين حاجاتهم الأساسية من مسكن أو ملبس أو مأكل، ومن صحة وتعليم وأمن، وتمكينهم من إشباع أكبر قدر ممكن من الحاجات الكمالية، وهو ما أوجبه الله تعالى على الدولة الإسلامية بحق رعاياها..
• هو نهب أموال الملكية العامة، التي جعلها الله ملكا للأمة وجعلتها الدولة ملكا لها..
• هو التمييز بين الشريف والضعيف في القانون والعقوبة، وما صرح به الوزير عن التجاهل الحكومي إلا خير دليل على ذلك، وصدق سيد البشر حين قال: «يا أيُّها الناسُ، إنَّما ضلَّ مَن كان قَبلَكم، أنهُم كانوا إذا سرَقَ الشَّريفُ تَرَكوه، وإذا سَرَقَ الضَّعيفُ فيهِم أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنتَ مُحمدٍ، سَرَقَت لَقطَعَ مُحمدٌ يَدَها» [البخاري].
• هو إنشاء فضائيات الفساد والإفساد التي تبث الرذيلة والجريمة والفساد في المجتمع، بدلا من غرس التقوى التي تمنع الناس من الفساد..
• هو التفرقة بين المسلمين على أساس الحدود التي رسمها الكافر المستعمر والتي تجعل المسلم الذي لم تشمله أقلام المستعمر أجنبيا في بلاد المسلمين..
• هو موالاة الكافرين والتزام اتفاقياتهم وشرائعهم بدلا من شريعة الله..
• هو إنفاق أموال المسلمين على الكافرين، لحل مشاكلهم وإنقاذ أزمات أنظمتهم المالية والسياسية، إما بتبرع مباشر لتنفيذ مخططاتهم السياسية أو بتبرع غير مباشر عن طريق المشاريع والصفقات والعقود التي تصب أموال الأمة في جيوب أعدائها..
• هو الانخراط في المنظومة الرأسمالية العالمية وتطبيق شريعتها على المسلمين في السياسة والاقتصاد…
• هو غياب الأجهزة الشرعية في الحكم والإدارة، والتي تمنع الفساد من الدولة، كمحكمة المظالم ومجلس الأمة الذي يحاسب الدولة، أو تمنعه من الأمة كقضاء الحسبة الذي يراقب أعمال الناس ويفض نزاعاتهم بما شرع الله..
• ورأس ذلك كله هو غياب دولة الإسلام الحقيقية ونظام الحكم الذي شرعه الله سبحانه وأقامه رسوله المسيّر بالوحي صلى الله عليه وسلم، وحافظ عليه صحابته الراشدون من بعده، نظام الخلافة، وإبداله نظاما ملكيا إقليميا ما أنزل الله به من سلطان..
وإن عدم وصول تحقيقات “نزاهة” في معظمها إلى نتيجة تذكر ليدل دلالة واضحة أن معظم ما تسمى قضايا الفساد مرتبطة ارتباطا وثيقا بفساد منظومة الدولة ونظامها السياسي والاقتصادي وليست مجرد مسألة فساد أشخاص أو هيئات..
ثانيا: إن مكافحة الفساد بشكل حقيقي لا يمكن أن تتم بالتغافل عن السبب الحقيقي للفساد، وهو غياب نظام الحكم الإسلامي الحقيقي، وغياب إقامة أحكام الله في السياسة والاقتصاد وأجهزة الدولة وعلاقاتها مع الدول الأخرى وعلاقاتها مع رعاياها، وغياب الإعلام والتعليم الذي يبث العقيدة ويغرس التقوى في النفوس، وغياب وسائل محاسبة الدولة، بل إن كل حديث عن مكافحة الفساد في ظل هذه المنظومة الفاسدة ليس إلا نفخا في رماد..
إن مكافحة الفساد بشكل حقيقي لا تتم إلا بإقامة نظام الحكم الراشد الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى، فأقامه رسوله صلى الله عليه وسلم وصانه صحابته رضوان الله عليهم من بعده، خلافة راشدة على منهاج النبوة، تؤمن الحاجات الأساسية لرعاياها وتقيم فيهم شرع الله بحق، وتحكم بين المسلمين وغيرهم بما أنزل الله، ولا تقيم علاقاتها إلا على ما شرع الله، ولا تأخذها في دين الله لومة لائم، ولا تلتزم إلا بما شرع الله، ولا تنتهي إلا عما نهى، تتقي الله في رعيتها، وتنقل إليهم تقوى الله.. هذه هي الدولة التي تكافح الفساد بحق وتقيم العدل بحق وتمنع الظلم بحق، عندها وعندها فقط يُقطع دابر الفساد وجميع أعراضه ومظاهره ويرتدع مقترفوه، وتتحقق للمسلمين الطمأنينة الحقيقية في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنّهُمْ أَقَامُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رّبّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مّنْهُمْ أُمّةٌ مّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾..
فالعمل العمل لذلك يا أبناء بلاد الحرمين فإن أمر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، ولتكن بلاد الحرمين مهد الخلافة الراشدة ومنطلق الخير إلى البشرية كما كانت في عهد النبوة ولتكونوا أنتم السباقين لوعد الله سبحانه وبشارة رسوله عليه الصلاة والسلام بعودة الخلافة الراشدة التي أظل زمانها وسطعت بشائرها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن إبراهيم – بلاد الحرمين