مع الحديث الشريف الحمى
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا حمى إلا لله ورسوله
روى البخاري في صحيحه قال :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ “
قال ابن شهاب :” وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشَّرَفَ والرَّبذَة”
وَقَالَ (اي يحيى ) : بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ
جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر :
قَوْله : (لَا حِمَى)
أَصْل الْحِمَى عِنْد الْعَرَب أَنَّ الرَّئِيس مِنْهُمْ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مُخْصِبًا اِسْتَعْوَى كَلْبًا عَلَى مَكَان عَالٍ فَإِلَى حَيْثُ اِنْتَهَى صَوْته حَمَاهُ مِنْ كُلّ جَانِب فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْره وَيَرْعَى هُوَ مَعَ غَيْره فِيمَا سِوَاهُ ، وَالْحِمَى هُوَ الْمَكَان الْمَحْمِيّ وَهُوَ خِلَاف الْمُبَاح ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمْنَع مِنْ الْإِحْيَاء مِنْ ذَلِكَ الْمَوَات لِيَتَوَفَّر فِيهِ الْكَلَأ فَتَرْعَاهُ مَوَاشٍ مَخْصُوصَة وَيَمْنَع غَيْرهَا ، وَالْأَرْجَح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْحِمَى يَخْتَصّ بِالْخَلِيفَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَق بِهِ وُلَاة الْأَقَالِيم ، وَمَحَلّ الْجَوَاز مُطْلَقًا أَنْ لَا يَضُرّ بِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَاسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ لِمَذْهَبِهِ فِي اِشْتِرَاط إِذْن الْإِمَام فِي إِحْيَاء الْمَوَات ، وَتُعُقِّبَ بِالْفَرْقِ بَيْنهمَا فَإِنَّ الْحِمَى أَخَصّ مِنْ الْإِحْيَاء وَاللَّه أَعْلَم . قَالَ الْجُورِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة :
لَيْسَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ مُعَارَضَة ، فَالْحِمَى الْمَنْهِيّ مَا يُحْمَى مِنْ الْمَوَات الْكَثِير الْعُشْب لِنَفْسِهِ خَاصَّة كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّة ، وَالْإِحْيَاء الْمُبَاح مَا لَا مَنْفَعَة لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ شَامِلَة فَافْتَرَقَا ، وَإِنَّمَا تُعَدّ أَرْض الْحِمَى مَوَاتًا لِكَوْنِهَا لَمْ يَتَقَدَّم فِيهَا مِلْك لِأَحَدٍ ، لَكِنَّهَا تُشْبِه الْعَامِر لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَة الْعَامَّة .
لقد حفظ الإسلام لكل فرد من أفراد الرعية حق الانتفاع بالمنافع العامة على الوجه الذي وجدت من أجله , فله السير في الطرقات , والرعي في المراعي العامة , والسقي من الينابيع الغزيرة والأنهار الكبيرة , والصيد في البحار والأنهار والمحيطات , والاستشفاء في المشافي ، والصلاة في المساجد وحضور دروس العلم فيها بل وإلقاء الدروس وهكذا …..
وحرّم الإسلام استعمال المنافع العامة بغير ما وجدت من أجله , من مثل الجلوس في الطرقات , أو الوقوف فيها لإجراء معاملات البيع والشراء, فالطرق وجدت للمرور وليس للجلوس الذي يسبب عرقلة مرور الناس والإضرار بهم .
والحديث يؤكد على حق الرعية بالانتفاع بالمنافع العامة إذ يمنع حماية هذه الأماكن وتخصيصها لأفراد معينين ومنع غيرهم من الانتفاع بها لأن الحماية تعني منع العامة من الاستفادة من الأرض المحمية
ويكون الحمى عادة في الأرض الموات أو في الأرض التي هي من الملكية العامة ,
أما الأرض الموات , وهي الأرض التي لم يسبق أن امتلكها أحد أبداً : فالأصل فيها جواز إحيائها من قبل الأفراد وهي ملكية فردية مُسْتَحَقَّةٌ لمن يحييها , وإِن حمايتها من قبل أفراد لَتَحْرِمُ المسلمين من إمكانية إحيائها والاستفادة منها وهذا فيه إضرار بالمسلمين , لذا فقد حرم الشرع حمايتها من قبل الأفراد حرصاً على مصلحة الجماعة ومنعاً للإضرار بهم .
وأما الملكية العامة : فإن لكل مسلم حق الانتفاع بها , ولذلك فإنه لا يجوز حمايتها من قبل أفراد لأن ذلك يَحرم باقي الرعية من منفعتها وهذا فيه أيضاً إضرار بالجماعة .
والحديث اذ حرم حماية الأفراد للملكيات العامة وللأرض الموات فإنه استثنى من المنع رئيس الدولة (الخليفة) , فللخليفة أن يحمي من الأرض ما فيه مصلحة للمسلمين وفق رأيه واجتهاده .
روى أحمد في مسنده قال:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ لِلْخَيْلِ ، قَالَ حَمَّادٌ: فَقُلْتُ لَهُ: لِخَيْلِهِ ؟ قَالَ: لَا لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ”.
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:” أتى أعرابي عمر فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام تحميها؟ قال: فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه ، وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ ، فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر: المال مال الله والعباد عباد الله ، والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر”.
مما تقدم نرى أن الدولة كانت تحمي المراعي للخيول المعدة للجهاد , ومواشي الزكاة إلى أن يتم توزيعها على مستحقيها , فكان الحمى دائماً لمصلحة من مصالح المسلمين
ولا يقتصر الحمى على ما تقدم من مصالح ، فللخليفة القادم قريباً بإذن الله أن يحمي من الملكيات العامة أو الموات ما يراه في مصلحة المسلمين حسب رأيه واجتهاده , فقد يحمي أحدَ آبار البترول , أو أحَد مناجم اليورانيوم , أو الحديد مثلا ويوقفه في سبيل الله , وقد يحمي بعض الأراضي الموات ويجعلها خالصة للجيش يبني فيها المعسكرات وقد وقد …..حسب رأيه واجتهادة في تعيين مصالح المسلمين ورعايتها , لكن يشترط أن لا تتسبب الحماية في الإضرار بأحد من الرعية , لما روى الحاكم في المستدرك : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لا ضرر ولا ضرار، من ضارّ ضارّه الله ، ومن شاقّ شاقّ الله عليه “
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.