خبر وتعليق إلى متى رموز الفساد في السودان ترتع في مال الأمة
الخبر:
أوردت صحيفة إيلاف العدد 456 الصادرة بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2014م تقرير المراجع العام لسنة 2012م – 2013م جاء فيه: (إن صافي المبالغ غير المستردة في جرائم المال العام في الأجهزة القومية خلال الفترة من 2012م إلى 2013م بلغ (3.7 مليون جنيهاً). وكشف التقرير عن وجود ما أسماه بمخالفات بإدارة الجمارك تتمثل في عدم وجود حسابات ختامية ولا نظام محاسبي يعكس الحقيقة لحسابات إدارات المخالفات).
التعليق:
لقد تواترت الأنباء عن وجود فساد مالي في كافة مؤسسات الدولة ومفاصلها، وليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها المراجع العام عن وجود فساد، فقد جاء تقرير العام الماضي بأرقام فلكية تكشف عن حجم التلاعب بالمال العام حتى على مستوى ديوان الزكاة حيث انتقد التقرير الصرف على بند “في سبيل الله” أحيانا دون تقديم مستندات والذي بلغ الصرف عليه 11.8 مليون جنيه وبند “العاملين عليها” بلغ 11.4 مليون جنيه. وأبدى المراجع العام ملاحظات، على رأسها التجاوز في عدد الوظائف.
كما جاء في التقرير الذي أعدته منظمة النزاهة العالمية في كانون الأول/ديسمبر 2011م أن السودان فقد 6 مليار و830 مليون بسبب الجريمة والفساد وأورد تقرير المنظمة حجم التدفقات غير المشروعة على مدى عشرة أعوام لأسوأ 25 بلداً حيث ورد السودان ضمن أسوأ الدول عالمياً في ممارسة الفساد.
لا تكاد تنتهي مجالس أهل السودان من قصة أحد محترفي الاختلاس والتلاعب بالمال العام من منتسبي الحكومة حتى تحل محلها قصة أخرى أكثر إثارة وتفنناً في مص دماء الأمة وابتلاع قوتها.. فقد تابعنا في الفترة الماضية الخبر الذي أوردته العديد من الوسائط وكان مفاده: (توقيف ابن وزير النفط بمطار دبي وبحوزته 20 مليون دولار بنكنوت)، ومن المعروف أن السودان به الكثير من المليونيرات من (قادة الدولة) فليس من النادر رؤية آخر موديلات السيارات الفارهة في شوارع الخرطوم قبل رؤيتها في أوروبا. فقد احتكر رموز الإنقاذ دولاب العمل الاقتصادي في السودان بأذرعهم في السوق، في الخفاء (تحت الظل) وفي العلن، فهو اقتصاد يقوده منتسبو الحكومة، وهي متهمة بتحريك الثروة التحتية لتحقيق أهداف منسوبيها بعيداً عن قضايا الفقراء وأصحاب الثروة الحقيقيين، فقد استشرى الفساد المالي في كل دواوين الدولة لدرجة جعلت منه هو الأصل وما دونه الشاذ، حتى إن الكثير من العاملين في الدولة أصبحوا يمتنعون عن القيام بواجباتهم تجاه المواطنين ما لم يرتشوا.
ولهذا فالفساد في السودان صار سرطاناً يضرب بخلاياه القاتلة كل جسم الدولة والسبب في ذلك يعود إلى طبيعة النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدولة كما قلنا؛ ذلك النظام الذي جعل من عقيدة فصل الدين عن الدولة قاعدة فكرية له، فقامت على أساسها شركات المساهمة والبنوك الربوية ومؤسسات سلب أموال الأمة – الضرائب والجمارك والجبايات المختلفة – وغيرها من أنظمة النظام الرأسمالي التي يعتمد عليها في جمع أموال من الفقراء، ليزدادوا فقراً على فقرهم، فتنشأ على جماجمهم الغابات الخرسانية والمشاريع العملاقة المرتبطة بشكل مباشر بالرأسمالية الطفيلية العالمية.
فمشكلة النظام الاقتصادي في السودان مشكلة بنّيوية في المقام الأول قبل أن تكون مشكلة فساد أشخاص، فطبيعة العقيدة الرأسمالية وما ينبثق عنها من أنظمة متعلقة بشؤون المال تفرّخ أشخاصاً فاسدين مفسدين. فعندما أبعد الدين عن الحياة وعن الدولة ووضعت التشريعات البشرية، وصُوّرت الحياة بأنها أكبر قدر ممكن من المتع والملذات، كانت النتيجة شقاء البشرية وتعاستها اليوم، ولا خلاص ولا ملاذ إلا بتبني أنظمة الإسلام في الاقتصاد وغيرها، فهي وحدها القادرة على مواجهة الفساد حيث جعل الإسلام المال والسلطة أمانة في يد المسؤولين، والأمة هي التي تحاسب الحكام على تقصيرهم في أداء الأمانة بل وحتى تخلعهم عن طريق محكمة المظالم التي تفصل في الخصومات بين الرعية والحكام. وهذا ما يسعى إليه العاملون لعودة الإسلام لتطبيقها في ظل دولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام أحمد أتيم
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان