مع الحديث الشريف المسلمون شركاء في ثلاث
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روى أبو داوود في سننه:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ اللُّؤْلُؤِيُّ أَخْبَرَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَرْنٍ وحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو خِدَاشٍ وَهَذَا لَفْظُ عَلِيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا أَسْمَعُهُ يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ”.
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
(ثَلَاثًا): أَيْ ثَلَاث غَزَوَات
(فِي الْمَاء): وَالْمُرَاد الْمِيَاه الَّتِي لَمْ تَحْدُث بِاسْتِنْبَاطِ أَحَد وَسَعْيه كَمَاءِ الْقِنَى وَالْآبَار وَلَمْ يُحْرَز فِي إِنَاء أَوْ بِرْكَة أَوْ جَدْوَل مَأْخُوذ مِنْ النَّهَر.
(وَالْكَلَأ): بِفَتْحِ الْكَاف وَاللَّام بَعْدهَا هَمْزَة مَقْصُورَة وَهُوَ النَّبَات رَطْبه وَيَابِسه.
قَاَلَ الْخَطَّابِيّ: مَعْنَاهُ الْكَلَأ الَّذِي يَنْبُت فِي مَوَات الْأَرْض يَرْعَاهُ النَّاس لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصّ بِهِ دُون أَحَد أَوْ يَحْجُرهُ عَنْ غَيْره. وَأَمَّا الْكَلَأ إِذَا كَانَ فِي أَرْض مَمْلُوكَة لِمَالِك بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَال لَهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْرِكهُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ اِنْتَهَى.
(وَالنَّار): يُرَاد مِنْ الِاشْتِرَاك فِيهَا أَنَّهُ لَا يُمْنَع مِنْ الِاسْتِصْبَاح مِنْهَا وَالِاسْتِضَاءَة بِضَوْئِهَا، لَكِنْ لِلْمُسْتَوْقِدِ أَنْ يَمْنَع أَخْذ جِذْوَة مِنْهَا لِأَنَّهُ يَنْقُصهَا وَيُؤَدِّي إِلَى إِطْفَائِهَا.
وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالنَّارِ الْحِجَارَة الَّتِي تُورِي النَّار لَا يُمْنَع أَخْذ شَيْء مِنْهَا إِذَا كَانَتْ فِي مَوَات. قَالَ الْعَلَّامَة الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْل: اِعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيث الْبَاب تَنْتَهِضُ بِمَجْمُوعِهَا فَتَدُلّ عَلَى الِاشْتِرَاك فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة مُطْلَقًا، وَلَا يَخْرُج شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَخُصّ بِهِ عُمُومهَا لَا بِمَا هُوَ أَعَمّ مِنْهَا مُطْلَقًا، كَالْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَة بِأَنَّهُ لَا يَحِلّ مَال اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسه لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنهَا أَعَمّ إِنَّمَا تَصْلُح لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا بَعْد ثُبُوت الْمَال وَثُبُوته فِي الْأُمُور الثَّلَاثَة مَحَلّ النِّزَاع اِنْتَهَى.
إن مسألة الملكية هي مسألة هامة في حياة البشرية, فهي من ضرورات الحياة, فالإنسان لا يستطيع أن يشبع جوعاته الحيوية منها أو الغرائزية بدون أن يملك وسائل الإشباع, فهو يسعى لحيازة كل ما يحتاجه أو يشتهيه …وهذا ما يجعل الناس يتنافسون في حيازة الأموال بل ويتصارعون لأجل حيازتها وضمها إلى ملكيتهم …لذا فقد جاء الشارع بأحكام تنظم حيازة الإنسان للمال وتمنع الخلافات والمشاكل التي قد تحدث نتيجة السعي لتملكه …
وقد جعل الشرع الملكية على ثلاثة أقسام تبعا لحاجة الإنسان الفردية والمجتمعية.
الملكية الفردية, والملكية العامة, وملكية الدولة.
وفي هذا الحديث الشريف يعرفنا رسولنا الكريم على أحد أنواع الملكيات وهي الملكية العامة …. ومعنى الملكية العامة للشيء أن يشترك الناس جميعا في ملكية هذا الشيء ومن ثم يكون من حق كل منهم أن ينتفع به فلا يختص به فرد بعينه يملكه ويمنع غيره من الانتفاع به.
والأشياء التي جعلها الشرع ملكية عامة كما وردت في الحديث هي: الماء والكلأ والنار.
والذي جعل هذة الاشياء ملكية عامة ومنع امتلاكها من قبل الأفراد إنما هو حاجة الناس جميعا إليها, فهي من مرافق الجماعة التي لا تستغني عنها الجماعة أبدا بل تتفرق في طلبها إن شحت أو انقطعت ….وما الصومال عنا ببعيد حيث هجر الناس قراهم وبلداتهم بسبب القحط وانعدام الماء والمراعي وتفرقوا في البلاد بحثا عن هذه المرافق الحيوية, وعانوا ما عانوا في سبيل ذلك.
وقد أوكل الشارع للدولة مهمة التصرف بهذه الملكيات العامة وإدارتها وتمكين الناس جميعا من الانتفاع بها ومنع الأفراد من السيطرة عليها أو التحكم بها حفظا لحقوق الناس وحفاظا على استقرار المجتمع المسلم وطمأنينة أفراده.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.