Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف كنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ورد في كتاب صحيح البخاري – كتاب المناقب – هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش

حدثني محمد بن المثنى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: “كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك”.

 

ورد في شرح الحديث في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري – كتاب الفتن – الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر

قوله: (باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة)؟ كان تامة، والمعنى ما الذي يفعل المسلم في حال الاختلاف من قبل ألا يقع الإجماع على خليفة .

قوله: (مخافة أن يدركني) في رواية نصر بن عاصم عن حذيفة عند ابن أبي شيبة: “وعرفت أن الخير لن يسبقني” .

قوله: (في جاهلية وشر) يشير إلى ما كان من قبل الإسلام من الكفر وقتل بعضهم بعضا ونهب بعضهم بعضا وإتيان الفواحش .

قوله: (فجاءنا الله بهذا الخير) يعني الإيمان والأمن وصلاح الحال واجتناب الفواحش

قوله: قال: (نعم، وفيه دخن) بالمهملة ثم المعجمة المفتوحتين بعدها نون وهو الحقد، وقيل الدغل، وقيل فساد في القلب، ومعنى الثلاثة متقارب. يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر. وقيل المراد بالدخن الدخان ويشير بذلك إلى كدر الحال، وقيل الدخن كل أمر مكروه.

قوله: (قوم يهدون) بفتح أوله (بغير هديي) بياء الإضافة بعد الياء للأكثر وبياء واحدة مع التنوين للكشميهني، وفي رواية أبي الأسود: يكون بعدي أئمة يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي”.

قوله: (تعرف منهم وتنكر) يعني من أعمالهم، وفي حديث أم سلمة عند مسلم “فمن أنكر برئ ومن كره سلم”.

قوله: (دعاة) بضم الدال المهملة جمع داع أي إلى غير الحق.

قوله: (على أبواب جهنم) أطلق عليهم ذلك باعتبار ما يئول إليه حالهم، كما يقال لمن أمر بفعل محرم: وقف على شفير جهنم.

قوله: (هم من جلدتنا) أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا  وفيه إشارة إلى أنهم من العرب. وقال الداودي: أي من بني آدم. وقال القابسي: معناه أنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون، وجلدة الشيء ظاهره، وهي في الأصل غشاء البدن، قيل ويؤيد إرادة العرب أن السمرة غالبة عليهم واللون إنما يظهر في الجلد، قال عياض: المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان، والمراد بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز، والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده، فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور قلت: والذي يظهر أن المراد بالشر الأول ما أشار إليه من الفتن الأولى، وبالخير ما وقع من الاجتماع مع علي ومعاوية وبالدخن ما كان في زمنهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق وخلاف من خالف عليه من الخوارج، وبالدعاة على أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله: “الزم جماعة المسلمين وإمامهم” يعني ولو جار ويوضح ذلك رواية أبي الأسود: “ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك”. وكان مثل ذلك كثيرا في إمارة الحجاج ونحوه.

قوله: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) بكسر الهمزة أي أميرهم

قوله: (ولو أن تعض) بفتح العين المهملة وتشديد الضاد المعجمة أي: ولو كان الاعتزال بالعض فلا تعدل عنه.

وقوله: (وأنت على ذلك) أي العض، وهو كناية عن لزوم جماعة المسلمين وطاعة سلاطينهم ولو عصوا. قال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان، وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم، أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: “عضوا عليها بالنواجذ”. ويؤيد الأول قوله في الحديث الآخر: “فإن مت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم”.

 

وقال ابن بطال: فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور، لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم “دعاة على أبواب جهنم” ولم يقل فيهم: تعرف وتنكر “كما قال في الأولين، وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق، وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة. قال الطبري:

 

اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة، فقال قوم: هو للوجوب والجماعة السواد الأعظم، ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان: عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة”. وقال قوم: المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم.

وقال قوم: المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين. قال الطبري: والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن قرط المتقدم ذكرها، قال ابن أبي جمرة: في الحديث حكمة الله في عباده كيف أقام كلا منهم فيما شاء; فحبب إلى أكثر الصحابة السؤال عن وجوه الخير ليعلموا بها ويبلغوها غيرهم، وحبب لحذيفة السؤال عن الشر ليجتنبه ويكون سببا في دفعه عمن أراد الله له النجاة، وفيه سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بوجوه الحكم كلها حتى كان يجيب كل من سأله بما يناسبه، ويؤخذ منه أن كل من حبب إليه شيء فإنه يفوق فيه غيره، ومن ثم كان حذيفة صاحب السر الذي لا يعلمه غيره حتى خص بمعرفة أسماء المنافقين وبكثير من الأمور الآتية، ويؤخذ منه أن من أدب التعليم أن يعلم التلميذ من أنواع العلوم ما يراه مائلا إليه من العلوم المباحة، فإنه أجدر أن يسرع إلى تفهمه والقيام به وأن كل شيء يهدي إلى طريق الخير يسمى خيرا وكذا بالعكس. ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلا خلاف الكتاب والسنة وجعلهما فرعا لذلك الأصل الذي ابتدعوه، وفيه وجوب رد الباطل وكل ما خالف الهدي النبوي ولو قاله من قاله من رفيع أو وضيع.

 

إن الناظر لهذا الحديث المتمعن في كلماته، يجد أنه يحمل أكثر من دلالة ويتناول أكثر من مسألة، أولها حرص الصحابي حذيفة بن اليمان على بقائه على الطريق الصحيح في حال وجود الفتن وإدراك الشر له، ليعلم كيف يكون سبيل النجاة وكيف يعلم غيره هذا السبيل.

أما المسألة الثانية هي إخبار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن الشر الذي سيأتي بعد الخير الذي أتى به الرسول الكريم سيأتي بعده شر ومن ثم يتلوه الخير، كما أشار إلى أناس يدعون أنهم دعاة إلى الخير وما هم إلا دعاة على أبواب جهنم كما وصفهم الحديث، رغم أنهم منا ومن جلدتنا ويظن السامع لهم أنهم يدعونه للخير، وهذا النوع من الدعاة حذرنا منهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان” (حديث رواه الدار قطني وقال موقوف أشبه بالصواب وزاد أحمد في رواية يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور).

أما المسألة الأخيرة التي تناولها الحديث هي حالة الأمة الإسلامية اليوم، وهي عدم وجود الخليفة وعدم وجود إمام.

ولا بد من الوقوف على هذه المسألة، ذلك أن بعض الناس فهموا أن المقصود من الحديث هو اعتزال الأحزاب والجماعات على عمومها، ولم يفهموا أن قصد النبي صلى الله عليه وسلم هو اعتزال الجماعات التي تضم هؤلاء الدعاة، وليس مطلق الأحزاب، فالعمل الحزبي واجب، ولا بد للمسلم أن يعمل مع جماعة تسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لاستئناف الحياة الإسلامية وتنصيب الخليفة الغائب ليحكم بأحكام الشرع ويكون لنا جنة، بل أن فهمهم هذا يخالف الأدلة المستفيضة التي أتت في القرآن والسنة والتي جاءت لتدل على وجوب قيام الأحزاب التي تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.