مع الحديث الشريف الإرث
نحييكم أحباءنا في كل مكان في حديث نبوي آخر من برنامجكم مع الحديث الشريف, ونبدأ بخير تحية فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وارث من لا وارث له
روى أبو داود في سننه قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُدَيْلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ عَنْ الْمِقْدَامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ، وَرُبَّمَا قَالَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وارث مَنْ لَا وارث لَهُ أَعْقِلُ لَهُ وارثهُ وَالْخَالُ وارث مَنْ لَا وارث لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ”
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
(مَنْ تَرَكَ كَلًّا): بِفَتْحِ الْكَاف وَتَشْدِيد اللَّام أَيْ ثِقَلًا وَهُوَ يَشْمَل الدَّيْن وَالْعِيَال،
وَالْمَعْنَى إِنْ تَرَكَ الْأَوْلَاد فَإِلَيَّ مَلْجَؤُهُمْ وَأَنَا كَافِلهمْ، وَإِنْ تَرَكَ الدَّيْن فَعَلَىَّ قَضَاؤُهُ
(أَعْقِل لَهُ): أَيْ أُؤَدِّي عَنْهُ مَا يَلْزَمهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَات الَّتِي تَتَحَمَّلهُ الْعَاقِلَة
(وارثهُ): أَيْ مَنْ لَا وارث لَهُ.
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه: يُرِيد بِهِ صَرْف مَاله إِلَى بَيْت مَال الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
(وَالْخَال وارث مَنْ لَا وارث لَهُ):
فِيهِ دَلِيل لِمَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَام
(يَعْقِل عَنْهُ): أَيْ إِذَا جَنَى اِبْن أُخْته وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَة يُؤَدِّي الْخَال عَنْهُ الدِّيَة كَالْعَصَبَةِ (وَيَرِثهُ): أَيْ الْخَال إِيَّاهُ
إن الإرث من أسباب تملك المال, فالورثة يملكون ما تركه مورثهم من مال يتقاسمونه حسب الأنصبة التي حددها الشرع الحنيف.
وقد بين الشرع نصيبَ كلٍّ من أصحاب الفروض كما بين كيفية توزيع ما يتبقى من المال على العصبة إن زاد المال الموروث عن أنصبة أصحاب الفروض.
فالإرث حق للوارث في مال المتوفى لا يمنعه منه إلا مانع شرعي.
وهو طريقة عملية لتفتيت الثروة ومنع انحصارها في أيدٍ قليلة تتداولها وتحرم منها باقي أفراد المجتمع, فبتوزيع الإرث على الورثة يتوزع المال الذي جمعه الفرد في حياته يتوزع بين ورثته جميعا ولا يبقى في يدِ أحدهم ويحرم منه الباقون, وبذلك يتداوله قطاع عريض من أفراد المجتمع ويمنع انقسام المجتمع إلى طبقات:
مالكة ومُعْدَمَة. فالإسلام خير من ينظم المجتمع ويمنع إفساده بأي وسيلة من وسائل الإفساد
وكما شرع الإسلام الإرث فقد منع الوارث من هذا الحق في حالتين هما:
الأولى: اختلاف الدين
روى النسائي في سننه الكبرى
عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يرث الكافر المسلم ولا يرث المسلم الكافر”
وورد في مصنف ابن أبي شيبة:
عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تتوارث الملتان المختلفتان”.
والثانية: قتلُ الوارثِ للمُوَرِّثِ
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْقَاتِلُ لَا يَرِث”
ـما في غير هاتين الحالتين فلا يحق لأحد أن يمنع وارثاً من الحصول على حقه الذي أعطاه إياه الشرع, أيا كان ذلك الشخص فلا صاحب المال ولا الورثة ولا الحاكم يحق له أن يمنع وارثاً من حقه, فإن فعل فقد احتمل إثماً عظيماً
جاء في صحيح البخاري عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ”، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا ابْنَةٌ.
فسعد هنا أراد أن يوصيَ بماله كله مع أن له ابنةً واحدةً, فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن فعل ذلك لما في هذه الوصية من ظلم لابنته التي لن يتبقى لها من مال ترثه إن أوصى بماله كله أو حتى بنصفه حتى إنه حين سمح بالوصية بثلث المال جعلها أعلى نسبة يمكن أن يوصى بها ….فأين الذين يحرمون بناتهم من أخذ حقهن في ميراث آبائهن؟ ليتدبروا هذه الأحاديث الشريفة ليعرفوا أن ما تأخذه المرأة من الإرث هو حق لها وملك شرعي منحه لها الشرع، وليس منةً من إخوتها أو من أهلها يُعطونه لها إن أرادوا ويمنعوها منه إن أرادوا. لا ليس كذلك فها هو الرسول يبين متى يحرم الوارث من إرثه, وليس كون الأنثى متزوجة أو قد تتزوج من رجل غريب عن العائلة بسبب لمنعها من الحصول على حقها من إرث أبويها أو من لها حق في إرثه.
إن أحكام الله إنما أنزلها على نبيه لتوضع موضع التطبيق, فينتفع بها المسلمون, لكن هذا الانتفاع معدوم الآن ومحروم منه كثيرٌ من المسلمين, مع غياب دولة الإسلام التي تضع أحكام الله موضع التطبيق. فيا أيتها المرأة المسلمة إنك لصاحبة مصلحة ملحة في إعادة حكم الله, لأنك أكبر المتضررين من تعطيله. فغياب الإسلام أفقدك الكثير من حقوقك المالية التي شرعها لك رب العالمين ……ولو كانت دولة الخلافة قائمة لتمتعت بها ولما عانيت الذل والإهانة في سبيل حصولك عليها.
وإنك فوق ذلك مخاطبة بالعمل لاستئناف الحياة الإسلامية …. فكنت بذلك صاحبة مصلحتين في هذا السبيل:
مصلحة روحية: وهي إجابة أمر الله في العمل لتحكيم شرعه.
ومصلحة مادية: وهي تحقيق مصالح مالية ودنيوية أعطاك الشرع إياها وحرمك منها المجتمع الفاسد الظالم.
فحَرِيٌّ بك أن تهبي للالتحاق بركب الخير الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإعادة دولة الخلافة لتعيدي حقوقك المسلوبة وترضي من منحك هذه الحقوق.
أحبتنا الكرام وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر, نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.