مع الحديث الشريف الإجارة على المنافع العامة والعبادات
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن أحق ما أخذتم عليه أجرا
روى البخاري في صحيحه: حَدَّثَنِي سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَصْرِيُّ هُوَ صَدُوقٌ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْبَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: “أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ، إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا! حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ “.
(1) رقاه: عَوَّذه
(2) الشاء: جمع شاة وهي الواحدة من الضأن أو الماعز
(3) بَرَأَ أو بَرِئ: شفي من المرض
هذا الحديث يبين أن إباحة الإجارة تشمل الإجارة على العبادات …فهذا الرجل قد رقى مريضاً بالقرآن (الفاتحة) وأخذ أجرة على فعله فلم ينهه الرسول عن ذلك بل أخبر بأن الإجارة على قراءة القرآن شيء مستحب ….والإجارة على الكتاب لا تكون فقط بالرقية بل بالتعليم أيضاً فمن عمل في تعليم القرآن كان أجره حلالا زلالا بإذن الله …ولقد عين عمر معلمين للقرأن ورزقهم من بيت المال وفي هذا دليل آخر على إباحة الإجارة على العبادات …كما فيه دلالة على أن المنافع العامة أيضاً هي مما يجوز الإجارة عليها ….فتعليم القرآن هي مصلحة عامة للمسلمين عين لها الخليفة عمر مدرسين وعين لهم أجرا من بيت المال.
ورد في مصنف ابن أبي شيبة:
حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن صدقة بن موسى الدمشقي عن الوضين بن عطاء قال: “كان بالمدينة ثلاثة معلمين يعلمون الصبيان، فكان عمر بن الخطاب يرزق كل واحد منهم خمسة عشر كل شهر”.
….كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل فداء من لا يملك مالا من أسرى بدر تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ….والتعليم هو من مصالح المسلمين والرسول قد أعطى من قام بهذه المصلحة من الأسرى أجرة على عمله …..وهي التحرر من الأسر ….ومن المعلوم أن فداء الأسرى هو من الغنائم التي هي حق للمسلمين فكان جعلها أجرة لمعلمي الأطفال يدل على أنه يجوز الإجارة على المصالح والمنافع العامة. ومن المنافع العامة التي تستحق استئجار الأجراء لتوفيرها التطبيب …ولقد جعل رسول الله طبيباً لمعالجة مرضى المسلمين وهكذا.
ومصالح الناس في المجتمع كثيرة منها توفير الكهرباء والماء وطرق المواصلات ووسائل المواصلات والاتصالات والمدارس والمستشفيات ونظافة الأماكن العامة والمؤسسات وحماية الأملاك والأموال وغيرها الكثير وكلها يجوز بل يجب استئجار من يقوم عليها لأنها مصالح للناس لا تستقيم حياتهم بدونها فكان واجبا على الدولة توفير هذه المصالح وتسييرها والقيام عليها لتيسير الحياة على الناس, فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
هكذا علمنا الإسلام ورسول الإسلام وإنه وإن لم يكن هذا الاهتمام بالمصالح العامة ملحوظاً في أيامنا فليس ذلك لأن هذا ليس من وظيفة الدولة، بل لأن دولة الإسلام غائبة ومنهجه معطل. أما حين كان للإسلام دولة تضع أحكامه موضع التطبيق فقد قرأنا لعمر بن الخطاب الخليفة الراشد قولة نقشت على جدار الدهر بحروف لم ولن تمحى أبدا ….إنها قولته الشهيرة: لو عثرت ناقة في أرض العراق لخفت أن يسألني الله لِمَ لَمْ اُسوِّ لها الطريق ….ناقة أيها الإخوة وليس إنسانا ويخاف خليفة المسلمين أن يحاسبه الله إن قصر في رعايتها…ولكم أن تتصوروا بعدها كيف كان اهتمام الخلفاء بالإنسان …..
أما يحرك مثل هذا القول شوقنا لرعاية خليفة يخشى الله فينا يرعى مصالحنا ويعين الموظفين الأكفاء لتسييرها وتيسيرها ولا منة ولا فضل…. بل خوفا من غضب الله وطمعا في رضوانه.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.