خبر وتعليق غياب القيم الإنسانية في التعامل مع اللاجئين (مترجم)
الخبر:
نشرت مجلة تايمز التابعة لنيويورك تايمز مقالة بعنوان “كيف تبني نموذجاً لمخيمات اللاجئين”، ونشرت فيها بالتفصيل ظروف اللاجئين السوريين في مخيم للاجئين في كيليس داخل تركيا، ووصفت أوضاع المخيم بأنها فريدة من نوعها على مستوى العالم. بحيث إن وسائل الراحة الأساسية الموجودة كما لو كانت فاخرة، “فالبوابة الرئيسية للمخيم قابلة للإغلاق والحمام مزود بأنابيب خاصة وبه خزان مياه ساخنة والمطبخ مزود بثلاجة وفرن للطهي”. وقد عبر كمال كيريسي، مدير مشروع تركيا في مؤسسة بروكينغز، عن استثمار تركيا في مثل هذه المخيمات الدعائية المدروسة بقوله: “لا بد أن ينظر إليه في سياق سياسة تركيا لإنشاء سوق واحدة متكاملة في الشرق الأوسط … الفائدة تستحق الثمن”.
التعليق:
إن استخدام مخيمات اللاجئين كوسيلة للدعاية يكشف عن الطبيعة الحقيقية غير الإنسانية في التعامل مع قضايا اللاجئين في جميع أنحاء العالم، والعاطفة الفاترة في المقال تكشف عن غياب النظرة الإنسانية في التعامل مع اللاجئين. وهذا يتطابق تمامًا مع طبيعة الرأسمالية التي تُقَيِّم المساعدات والقيم الإنسانية بمقدار ما فيها من منفعة سواءً أكان ذلك على المدى القريب أم البعيد. ويوحي المقال بالامتنان للبلد المستضيف الذي فتح أبوابه لآلاف اللاجئين السوريين، إذ نقل عن أحد اللاجئين قوله: “إن كنت رجلًا طيباً، فلا بد أن أشعر بالامتنان لهم [تركيا]، فإنه ليس واجبا عليهم فعلُ ذلك”. إن هؤلاء الناس قد تركوا بلادهم هربًا من مذابح النظام السوري واضطهاده لهم بحثًا عن الأمن على حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وظنت الغالبية العظمى منهم أن هذا اللجوء هو لفترة قصيرة، فلم يحملوا معهم إلا القليل من ممتلكاتهم.
أين هي قيم تركيا الإنسانية وقيم حكامها؟! والأهم من ذلك أين هم حكام تركيا من أحكام الإسلام وقيمه وهي تعامل جيرانها المسلمين على أساس حدود مصطنعة؟! ألم يكفها خسة أن تتفاخر بتزويدها لبضع عشرات من اللاجئين المحرومين ببعض المياه أو تحاول أن تتكسب اقتصاديًا مستغلة أوضاعهم المأساوية؟! إن وصف المرافق والخدمات الأساسية بالفاخرة ليدل على مدى مستوى الانحطاط الذي وصل إليه المسؤولون الأتراك، حتى بالنسبة لمقاييسهم الإنسانية وهم يحاولون الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية باستغلالهم الحاجة الماسة لطالبي اللجوء.
لقد أكدت المقالة كذلك على أن اللاجئين، في مخيم كيليس، لا يجب أن يحظوا بكل وسائل الراحة حتى يبقوا حافزًا للتغيير كما عُبِّر عن ذلك بالقول: “لا فائدة إذا لم يعانِ اللاجئون”. والسؤال المطروح الآن هو كيف يمكن أن يكون اللاجئون حافزاً للتغيير؟ وهم يعانون أشد المعاناة في كل أنحاء العالم كما هو الحال في الأردن وأفريقيا وأفغانستان، وتبقى أوضاعهم لا تطاق بل وتسوء يومًا بعد يوم.
إن هؤلاء الذين هربوا من القتل من بلادهم لجأوا للمخيمات طلبًا للمأوى والأمان ولكنهم لم يجدوا إلا الأمراض وسوء التغذية والاغتصاب، ويتم تجاهل معاناتهم كلما انتقل التركيز الإعلامي والدولي على مخيمات جديدة في أفريقيا أو في غيرها. والمفارقة أن معايير المخيمات هذه دون مستوى مخيم كيليس الذي يحرض عليه من أشاد بمعاييره، ومعظم سكانه من النساء والأطفال، بزعم أن زيادة معاناتهم تحفز أكثر على التغيير. وإذا ما نظرنا إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أو الكينيين؛ فهل ساعدت معاناتهم في مخيمات اللجوء على تحرير أوطانهم؟ بدلًا من ذلك فقد تكيفوا مع الأوضاع المأساوية التي يعيشونها. إن النظرة الفكرية الرأسمالية التي عولجت بها قضايا اللاجئين، لم تترك أية فرصة للحفاظ على مصالح المتنفذين ولو كان وقود الحل هم اللاجئين أنفسهم.
أما بالنسبة لمخيمات اللاجئين في الأراضي التركية، سواء تلك التي تمتاز بأوضاع جيدة أم تلك التي يعاني فيها الناس أشد المعاناة، فإن اللاجئين فيها جميعًا يتوقون للعودة إلى بيوتهم وأوطانهم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم مهند