Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف إعطاء الدولة للأفراد

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم

روى النسائي في سننه قال: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أبي عَدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: “كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَقَدْ نَزَلَ بِنَا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: اخْتَارُوا مِنْ أموالكُمْ أو مِنْ نِسَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ، فَقَالُوا: قَدْ خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأموالنَا بَلْ نَخْتَارُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، فَإِذَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ فَقُومُوا فَقُولُوا إِنَّا نَسْتَعِينُ بِرَسُولِ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أو الْمُسْلِمِينَ فِي نِسَائِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ قَامُوا فَقَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، فَقَالَ الْمُهَاجرُونَ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.

جاء في حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ:

قَوْله: (إِنَّا أَصْلٌ)

أَيْ أَصْل مِنْ أُصُول الْعَرَب

(وَعَشِيرَة)

أَيْ قَبِيلَة مِنْ قَبَائِلهمْ

(مَنَّ اللَّهُ عَلَيْك)

الظَّاهِر أَنَّهَا جُمْلَة دِعَائِيَّة وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَصْدَر أَيْ كَمَنَّ اللَّه تَعَالى عَلَيْك فَهُوَ قَرِيب مِنْ قَوْله تَعَالى أَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّه إِلَيْك

(مِنْ أموالكُمْ)

لَعَلَّهُ زَادَ مِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ أموالهِمْ أو نِسَائِهِمْ مَا يَتَيَسَّرُ رَدُّهُ إِذْ الْعَادَة أَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ رَدُّ الْكُلِّ

(أَمَّا مَا كَانَ لِي إِلَخْ)

كَأَنَّهُ أخذ مِنْهُ هِبَة الْمُشَاع لَكِنْ الظَّاهِر أَنَّ الْمَوْهُوبَ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا نَظَرًا إلى ظَاهِرِ الْكَلَام بَيْن الْوَاهِب وَغَيْره لَكِنْ بِالتَّحْقِيقِ نَصِيب كُلِّ مُمْتَاز عَنْ نَصِيب غَيْرِهِ فَلَا شُيُوعَ ثُمَّ لَا شُيُوع بِالنَّظَرِ إلى الْمَوْهُوب لَهُ بَلْ الْكُلُّ هِبَة لَهُمْ عَلَى التَّوْزِيع بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ زَوْجَته وَأَوْلَاده إِلَّا أَنْ يَعْتَبِرَ صُورَة الشُّيُوع فِي الطَّرَفَيْنِ أو أحدهمَا فَلْيُتَأَمَّلْ.

كانت هوازن قد حاربت المسلمين في معركة حنين فهزمها الله تعالى وأفشل سعيها للقضاء على الإسلام, وجعل أموالها ونساءها وأَبناءها غنيمة للمسلمين. ثم إِن هوازن أَسلمت وجاء رجالها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون أن يَمُنَّ عليهم بإعادة أموالهم ونسائهم وأبنائهم ……فكان ما كان مِنْ مَنِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم, حيث وهبهم حصته وحصة بني عبد المطلب من نسائهم وأبنائهم ثم تبعه المهاجرون والأنصار في هبة باقي النساء والأطفال إلى أهليهم.

هذا الحديث فيه دلالة على مشروعية إعطاء أو أخذ الأفراد مالاً دون مقابل مال أو جهد فالرسول صلى الله عليه وسلم قد وهب حصته وحصة أهله من غنائم حنين لوفد هوازن دون أن يأخذ فداء منهم, وهوازن قد أخذت نساءها وأبناءها دون أن تدفع مالا أو جهدا مقابل استعادتهم.

ولقد شرع الإسلام أخذ الفرد للمال دون مقابل مال أو جهد في خمس حالاتٍ هي:

الصلة: سواء أكانت الصلة في حياة الواصل أو بعد مماته

ففي حياته تتمثل في حالتين: الهبة ودليلها حديثنا لهذا اليوم

والهدية لقوله عليه الصلاة والسلام: “تهادوا تحابوا”

أما بعد وفاته فتتمثل بالوصية, ودليلها ما رواه البخاري عن سعد بن أبي وقاص قال: “مَرِضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضًا فَأَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَتِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَبِيرٌ إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ أغنياء خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ”.

فالإنسان يملك الهبة الموهوبة له, والهدية المهداة إليه, كما يملك الوصية الموصاة له ملكاً شرعياً ولا شك.

استحقاق المال عوضاً عن ضرر من الأضرار التي تلحق بالفرد, ومثالها: دية القتل, وديات الجروح,

أما دليلها: فدليل دية القتل قوله تعالى: “وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنَاً خَطَاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةُ إلى أهْلِهِ”

ودليل ديات الجروح: ما رواه النسائي عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَأبا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وقد جاء في الكتاب: “وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحدةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ”.

وهذه الديات هي ملك شرعي لصاحب الحق.

استحقاق المهر وتوابعه بعقد النكاح:

ودليلها قوله تعالى: “وءَاتوا النساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً”.

فالصداق هو المهر, ونحلة أي عطية, فالمهر ليس بدل البضع كما يتوهم البعض بل هو هدية تقدم إلى المرأة ويجب أن تكون عن طيب نفس من الزوج لأنها فريضة من الله تعالى, والمرأة تملك هذا المهر على الوجه المفصل في أحكام الزواج.

اللقطة:

ودليلها: قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن اللقطة: “ما كان منها في الطريق المِيتاء (أي المسلوكة) أو القرية الجامعة, فعرّفها سنة, فإن جاء طالبها فادفعها إليه, وإن لم يأت فهي لك, وما كان في الخراب, يعني ففيها وفي الركاز الخمس”.

تعويض الخليفة:

ودليله: “أن أبا بكر رضي الله عنه أخذ مالا تعويضاً عن حبسه عن التجارة حين طُلِبَ منه أن يتفرغ لشؤون المسلمين وأقره الصحابة على ذلك.

فما يأخذه الخليفة من نفقة من بيت المال ليس أجرة له على عمله لأنه ليس أجيرا عند الأمة بل هو نائب عنها في تطبيق شرع الله, وما يأخذه من بيت المال إنما هو نفقة له بسبب حبسة عن القيام بعمل يكسب منه قوته وقوت عياله لانشغاله برعاية مصالح الأمة …..

حرص الإسلام على تداول المال بين الناس وعدم إبقائه في أيدي فئة قليلة من الأغنياء, في حين يحرم منه القطاع الأوسع من الناس, فجاء بأحكام تحدد أسباب التملك لتفتح الآفاق أمام الأفراد للسعي في طلب الرزق وتتيح للضعفاء من الأطفال وكبار السن والمرضى وأصحاب الاحتياجات الخاصة والبسطاء من الناس أن يعيشوا حياة كريمة سواء بكدهم أو بما شرع لهم من أسباب يحصلون على الرزق منها كالإرث والأموال التي تعطيها الدولة للناس والأموال التي يحتاجها الأفراد لأجل الحياة والأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد …….. فهي أسباب لم تبق أحداً محتاجا أو محروما… فأين هذه الأحكام من حياة البشرية التي تئن من الجوع والحرمان, وتشكو صباح مساء من بطر الأغنياء وبلادة إحساسهم بالفقراء والمعدمين ومن يقتاتون على حاويات النفايات, وتبكي دما على الطفولة البريئة التي تقضي بسبب الجوع والحرمان وجيوب الأغنياء وخزناتهم تنوء مما فيها من الملايين التي لا يدرون متى وأين وكيف ينفقونها …..فعجل اللهم لنا بدولة الخلافة لتطبق علينا أحكام ديننا العظيم …..دين الهداية والرعاية والرحمة ….فلا يبقى على الأرض سائل ولا فقير ولا محروم ….

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.