خبر وتعليق الأحزاب السودانية تجاهر بعمالتها للمستعمر
الخبر:
أوردت صحيفة الجريدة الصادرة في 24 ربيع الثاني 1435هـ 24 شباط/فبراير 2014م في عددها رقم (1012) خبراً في الصفحة الأولى، بالخط العريض تحت عنوان: (المهدي: أحزاب اليسار تقبض 10 ألف دولار شهرياً من أمريكا)، وقد أدلى الصادق المهدي بهذه المعلومة خلال الحوار الذي أجرته معه الصحيفة، وعندما سألته الصحفية التي أجرت الحوار مستفسرةً عن الذي كشف عن هذه المعلومات، ومن أجل ماذا 10 ألف دولار شهرياً للأحزاب؟ أجاب الصادق المهدي: (هذه المعلومات وردت في ميزانية الحكومة الأمريكية والهدف هو استمالة أحزاب التجمع للموقف الأمريكي، حتى لا يعملوا موقفاً مختلفاً وقد استمروا على هذا الوضع حتى وقّع قرنق دون أن يسألهم).
التعليق:
هذا الخبر يعتبر قنبلة نووية من العيار الثقيل بالنسبة للسياسي الواعي، فدعونا نعيد النظر مرة أخرى ونذكر أنفسنا وإياكم بالحقيقة التاريخية المرة التي تمت فيها هذه الصفقة. فكما ذكر الصادق المهدي في نفس الخبر أن مبلغ الـ(10) آلاف دولار كانت تأتيهم في التجمع الوطني الديمقراطي لاستمالة الأحزاب السودانية للموقف الأمريكي؛ الذي كان مفروضاً في ذلك التاريخ، فما هو الموقف الأمريكي الذي يجعل الولايات المتحدة تدفع الدولارات لأجله؛ لقد أفصح الأمريكان عن ذلك في أكثر من مناسبة عندما قالوا صراحة بأنهم يعملون على مساعدة جنوب السودان حتى ينال استقلاله بحسب زعمهم.
إذنْ فالموقف الأمريكي هو تهيئة الوسط السياسي في السودان واستمالتهم للقبول بانفصال جنوب السودان عن شماله وذلك من خلال طرح فكرة حق تقرير المصير، تلك الفكرة التي اعتبرتها الأحزاب السودانية جريمة، بل مجرد طرحها كان يعتبر خيانة للأمة، ولكن الدولارات الأمريكية هذه أكثر سحراً، وأكثر تأثيراً على الوسط السياسي في السودان من كل المصالح الحيوية لأهل السودان، ولعل هذه ترجمة حقيقية لتلك المقولة التي قالها جد الأمريكان كولمبوس عندما أرسل رسالة لملكة إسبانيا قال فيها: (إن للذهب سحرًا عجيبًا فإنك تستطيع بالذهب أن تفعل كل شيء حتى إنك تستطيع أن تدخل الأرواح إلى الجنة)، ولعل أحفاد كولمبوس قد جعلوا من هذه المقولة عقيدة لهم، فهم بالدولارات يُطوّعون المواقف فيجعلون من الجريمة والخيانة أمراً مشروعاً مسكوتاً عنه، كما حدث مع التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يضم أغلب الأحزاب السودانية التي ارتضت لنفسها أن تكون أرجوزة وأضحوكة في يد الأمريكان يحركونها بالدولارات لبيع البلاد والعباد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا الموقف من التنظيمات السياسية ليس بغريب على تنظيمات تستورد فكرها ووجهة نظرها من الغرب، ولا ترى في ذلك عمالة أو خيانة، ولم يبق لها إلا أن تستورد الهواء الذي تتنفسه، فتلك أحزاب عرفناها بعمالتها الفكرية والسياسية، وها هي تفضح نفسها وتكشف لنا عن بعض فواتير المعاملات والصفقات المشبوهة التي مزقت بها البلاد لتمتلئ (كروشهم) وجيوبهم بالدولارات الأمريكية وتمتلئ بلادنا بالحروب والشقاء والتعاسة المصنوعة بالدولارات الأمريكية. إن الذي أرادته أمريكا من الأحزاب السودانية هو القبول بفكرة حق تقرير المصير، وقد قبلت بها القوى السياسية، تلك الفكرة التي أسست لتفتيت البلاد، وما تزال هي حجر الزاوية في المشروع الأمريكي لتفتيت ما تبقى من السودان.
إن الدعوة لحق تقرير المصير لجنوب السودان ظهرت لأول مرة في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965م، حيث طالبت الأحزاب الجنوبية، حزب سانو وحزب جبهة الجنوب، بثلاثة خيارات؛ إما خيار الوحدة أو الاتحاد الفدرالي أو الانفصال. هذا الاقتراح رفض من قبل كل الأحزاب السودانية، ولم يظهر مجدداً إلا في العام 1992م في محادثات بين الإنقاذ والحركة الشعبية وتم فيها الاتفاق على حق تقرير المصير، بعدها مباشرة في العام 1994م كان هناك اتفاق بين الحركة الشعبية وحزب الأمة والذي وافق فيه حزب الأمة كذلك على حق تقرير المصير.
وأيضاً في العام نفسه رفعت منظمة الإيقاد إشارة إلى حق تقرير المصير، بعدها في العام 1995م كان مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا بين الحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي؛ متمثلاً في أحزاب الأمة، الاتحاد الديمقراطي، الحزب الشيوعي، مؤتمر البجا وغيرهم، فقد وافقوا على حق تقرير المصير بعد أن كانوا يعتبرونه خيانة بل جريمة.. ولكن الظاهر أن الدولارات الأمريكية قد طوعت تلك المواقف، وسحرت أعين الأحزاب! وهذه هي الفترة التي قبضت فيها هذه الأحزاب الرشوة الأمريكية، وفق شهادة الإمام الصادق المهدي. وفي العام 1996م وافقت الحكومة مع الجناح المنشق من الحركة الشعبية بقيادة لام أكول، رياك مشار، كاربينو على حق تقرير المصير. وفي العام 1997م أبرمت اتفاقية الخرطوم للسلام مع الأجنحة المنشقة من الحركة الشعبية والتي أيضاً وافقت على حق تقرير المصير، وفي العام نفسه كانت اتفاقية فشودة مع فصيل د. لام أكول.
أما في العام 2002م فقد جاءت اتفاقية مشاكوس والتي قصمت ظهر البعير حيث تم فيها تحديد فترة انتقالية مدتها ست سنوات تبدأ من 9 تموز/يوليو 2002م ويحق لأهل جنوب السودان أثناءها إدارة شؤون منطقتهم والاشتراك على حد سواء في الحكومة القومية الانتقالية، ويتم تنفيذ العملية السلمية بطريقة تجعل وحدة السودان جاذبة (حسب زعمهم) بعد انتهاء الفترة الانتقالية والتصويت إما لصالح الوحدة أو الانفصال. وأخيراً وفي العام 2005م كانت الاتفاقية القاتلة التي سميت باتفاقية السلام الشامل في نيفاشا والتي تم فيها الإجماع على حق تقرير المصير، وسكوت أصحاب الدولارات عنها. هذه هي الرغبة الأمريكية وهي تقرير مصير يقود إلى الانفصال، وقد كان، ولا تزال الزيارات المشبوهة والعلاقات المشئومة بين الأمريكان والقوى السياسية السودانية قائمة، كانت آخرها زيارة كارتر ولقائه بهم.
إن آفة الساسة في السودان تكمن في ارتباطهم الوثيق بالخارج، وها هم يفضحون بعضهم بعضا، مما يتيح للأمة محاكمتهم على عمالتهم للمستعمر وعلى قبض الدولارات الأمريكية من أجل تنفيذ أجندتها في بلادنا.
وبعد أن بان لكل ذي بصر وبصيرة من خلال تصريحات الصادق المهدي التي أقر فيها بأنهم في التجمع الوطني الديمقراطي كان يأتيهم رزقهم من الخزانة الأمريكية، فهل يعقل بعد كل ذلك أن ننظر لهذا الوسط السياسي نظرة إخلاص!! وهل هذا الوسط السياسي بانغماسه في العمالة، هل هو جدير بقيادة الأمة؟ إن الأمة بحاجة لقيادة واعية ناضجة تدرك مطامع الكافرين وتفكر في الوقائع والأحداث من زاوية العقيدة الإسلامية فتكون بذلك ثلة واعية مستنيرة تأخذ معالجاتها من العقيدة الإسلامية، وتقطع يد المستعمرين والعملاء والخونة فتصدهم، وتخرجهم من بلاد المسلمين. وهذا الطريق يوصل بالطبع إلى قيام دولة مبدئية تطبق عقيدة الأمة وتتعامل مع أعدائها وفق أحكام الإسلام، تلك هي دولة الخلافة الراشدة التي تجعل من السيادة للشرع قاعدة لها، ومن مصلحة الأمة العقدية والحيوية منطلقاً لسياساتها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام أحمد أتيم
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان