خبر وتعليق تدخل روسيا في أوكرانيا يدلّ على تراجع أمريكا باعتبارها القوة العظمى في العالم (مترجم)
الخبر:
في الثاني من آذار/مارس، يوم السبت، منح البرلمان الرئيسَ الروسي بوتين سلطة استخدام القوة العسكرية في “كامل أراضي أوكرانيا” لحماية المصالح الروسية في البلاد المضطربة في أوكرانيا، وخصوصًا في شبه جزيرة القرم، حيث تحتفظ روسيا بالمنشآت العسكرية الهامة لها، مثل أسطول البحر الأسود. وما أن سمح البرلمان باستخدام هذه القوة، حتى انتشرت القوات المسلحة الروسية في شبه جزيرة القرم، التي يسكنها مواطنون من أصل روسي، ومن التتار المسلمين.
التعليق:
لقد كانت أوكرانيا دائمًا في قلب الصراع بين أوروبا وروسيا، الذي اشتد مع اندلاع الثورة البرتقالية التي جاءت بفيكتور يوشينكو – الموالي للغرب – رئيسًا لأوكرانيا في عام 2005م، على حساب رجل روسيا القوي (فيكتور يانوكوفيتش)، الذي أعادته روسيا في عام 2010م، من خلال استخدام الغاز الروسي كسلاح سياسي.
ويأتي التدخل الروسي الحالي بعد أن أطاح المحتجون المدفوعون من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفيكتور يانوكوفيتش من منصبه، مما جعله يهرب سرًا إلى روسيا، ويدّعى بأنه الزعيم الشرعي لأوكرانيا.
وردًا على تدخل روسيا في أوكرانيا، اتّهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما روسيا “بخرق القانون الدولي”، وأدان التدخل العسكري في البلاد، واصفًا إياه “بالانتهاك الواضح” للسيادة الأوكرانية، وذكر البيت الأبيض أيضًا أن الولايات المتحدة ستعلق مشاركتها في الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر G8 الاقتصادي، التي ستُعقد في سوتششي – روسيا في حزيران/يونيو القادم، وحذّر من “العزلة السياسية والاقتصادية الكبرى” لروسيا.
لكن السؤال الحقيقي هو: ماذا يمكن لأمريكا وأوروبا أن تفعلا لدحر الروس ومنعهم من الاستيلاء على شبه جزيرة القرم؟ فكل من أمريكا وأوروبا قد فشلت في التصرف بحزم تجاه غزو روسيا لجورجيا وتقسيم البلاد إلى قسمين في عام 2008م، حيث استولت روسيا على قطعة صغيرة من شمال البلاد، ويحتمل حدوث الشيء نفسه في أوكرانيا، باقتطاع الجزء الشرقي الموالي لروسيا في أوكرانيا، وإخضاعه لسيطرتها.
إنّ التدابير التي أعلنت عنها الولايات المتحدة لغاية الآن لا ترقى إلى ردع سلوك روسيا العدواني تجاه أوكرانيا، مما يكشف كيف أن مفهوم تربع أمريكا على العالم في القرن الـ21 ليس أكثر من ضجيج، “فالنظام العالمي الجديد” الذي تأمل جورج بوش الأب فرضه على العالم بعد حرب الخليج الأولى لم يكد يرى النور حتى غاب عن أعين الناس. وقد تم تحدي سيادة أمريكا واختبارها على جبهات متعددة:
– في أوروبا حلفاءُ أمريكا على خلاف مع السياسات الاقتصادية لواشنطن، وعلى دور الناتو خارج حدود أوروبا، وينتقدون السياسة الأمريكية في أجزاء عديدة من العالم.
– وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي العالم الإسلامي، أوجد اندلاع الربيع العربي عدم الاستقرار للولايات المتحدة، وخلق العداء نحوها، ما أطاح بستين عامًا من الاستقرار في المصالح الأمريكية، وأوجد فراغًا سياسيًا في السلطة.
– أما في الشرق الأقصى، فإن صعود الصين بشكل متزايد جعل حلفاء أمريكا التقليديين متحيرين للغاية.
وعلى الرغم من هذه التحديات العديدة، فقد تخلت أمريكا عن العقيدة العسكرية التي طالما تبنّتها، وهي الدخول في حربين كبيرتين؛ لإعادة توزيع جزء كبير من الأصول البحرية والعسكرية من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
إنّ تدخل روسيا في أوكرانيا يدعو إلى التساؤل عما إن كان أوباما سيعيد النظر في استراتيجيته في آسيا، الذي من شأنه أن يوفّر فرصة لبكين لحل النزاعات الإقليمية مع الدول المجاورة للصين كما يحلو لها، ويزيد قدرتها على استعادة تايوان.
والمخيب للآمال في هذا التحول للأحداث هو أن الأمة الإسلامية لا تزال غير قادرة على الاستفادة من صراعات القوى الكبرى وتخبطها، فتستقل عن الغرب، وتحدد مصيرها الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله والمؤمنين، وأن مسلمي القرم الذين عانوا كثيرًا تحت حكم جوزيف ستالين سيعانون مجددًا من هول الاحتلال الروسي الجديد.
إن المطلوب لمنع حدوث هذه المأساة مجددًا هو أن يقوم مسلمو تركيا بإعادة إقامة الخلافة، فالخلافة الإسلامية لن تحمي مسلمي شبه جزيرة القرم فحسب، بل وستقدم لأهل أوكرانيا عامة بديلًا ثالثًا، وهو الإسلام الذي يحقق لهم الأمن والأمان.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو هاشم