معالم الإيمان المستنير م8 ح5 الدليل العقلي على أن القرآن من عند الله
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
ثالثا: بطلان كون القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم:
وإذا ثبت أن القرآن ليس من كلام العرب لعجزهم عن الإتيان بمثله، فهو كذلك ليس من عند محمد, ولا يقال: إنه كلام محمد؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم عربي ومن العرب, ومهما سما العبقري لا يمكن أن يخرج عن عصره. فإذا ثبت العجز على جنس العرب فقد ثبت العجز عليه؛ لأنه من جنس العرب وواحد منهم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو الآية ويقول الحديث في وقت واحد، ويلاحظ الاختلاف الشاسع في الأسلوبين. لقد روي عن محمد صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر كلام إذا قورن بالقرآن لا يظهر أي تشابه بين الكلامين, وكلام الرجل يبقى متشابها مهما حاول أن ينوعه؛ لأن الكلام جزء من شخصيته. فدل ذلك على أن القرآن ليس كلام محمد, وهو ما يثبت أنه كلام الله.
إضافة إلى أن أي كاتب يبدع في جوانب على حساب جوانب أخرى، وهذا ما لا نجده في القرآن! على أن جميع الشعراء والأدباء والكتاب والمفكرين والفلاسفة في العالم يبدأ الواحد منهم بأسلوب فيه بعض الضعف ثم يقوى شيئا فشيئا حتى يصل إلى ذروة قدرته وإلى أفضل مستوى يستطيعه، ولذلك يكون أسلوبهم مختلفا ومتفاوتا قوة وضعغا, فضلا عن وجود بعض الأفكار السخيفة, والتعابير الركيكة التي يخجل منها صاحبها حين يسأل عن بداياته في التأليف. لكن هذا الأمر لا نجده في القرآن؛ لأن القرآن قوي في أسلوبه في جميع آياته, من أول آية نزلت حتى آخر آية, كلها في الذروة من البلاغة والفصاحة, وعلو الأفكار, وقوة التعبير, ولا نجد فيه تعبيرا واحدا ركيكا, ولا فكرا واحدا سخيفا, بل هو قطعة واحدة, وكله في الأسلوب جملة وتفصيلا كالجملة الواحدة مما يدل على أنه فوق كلام البشر, المعرض للاختلاف في التعبير والمعاني. وذلك يثبت أنه كلام رب العالمين.
ولو كان القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم لما عاتب نفسه في شأن الأعمى، قال تعالى: (عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى). (عبس4) ولما هدد نفسه تهديدا شديدا، قال تعالى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا). (الإسراء75) وعلاوة على ذلك لم يدع العرب أن القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم. وكل الذي ادعوه: أنه يأتي بالقرآن من غلام نصراني اسمه جبر، وقد سبق أن فندنا هذا الزعم وهذا الادعاء.
ثم إن القرآن اعتمد على أساس فطري ثم خاطب الناس بما يتفق ومداركهم؛ لأن في الناس العالم والجاهل, والذكي والبسيط, وهؤلاء جميعا مدعوون ليؤمنوا بالله إيمانا عقليا, ويؤمنوا بالقرآن عن طريق العقل أيضا, وقد ورد في القرآن أخبار عن الماضين, كما ورد أخبار عن الغيب, وجاء الواقع كما أخبر به, فلو كان من عند محمد لما صدق الواقع ما يقول؛ لأن محمدا من البشر, وكل البشر لا يعلمون الغيب, فمن أين لمحمد ذلك؟ وقد أخبر القرآن أيضا عن بعض السنن الكونية, وجاء العلم فاكتشف هذه السنن, جاء العلم بوسائله وإمكاناته, ومعامله ومختبراته, فأدرك هذه السنن, فمن أين لمحمد ذلك؟ أكانت عند محمد مختبرات؟أم كانت عنده معامل؟ أم كان عالما من العلماء الذين يحيط علمهم بكل شيء؟
رابعا: القرآن كلام الله تعالى:
لم يبق إلا أن نقول: بما أن القرآن ليس من عند العرب، ولا من عند محمد صلى الله عليه وسلم وهو واحد منهم, ولا من عند العجم, فهو حتما من عند الله خالق الكون والإنسان والحياة سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. وما دام القرآن معجزا للبشر, فإن الذي أتى به دليلا على نبوته ورسالته يكون نبيا ورسولا حقا, وما دام القرآن لا يزال يتحدى البشر بإعجازه فهو معجزة دائمة. ومحمد إذن نبي لكل البشر حتى يوم القيامة, وهو خاتم الأنبياء والمرسلين, وهو الوحيد من بينهم الذي تمتاز نبوته بالدوام, ورسالته بالشمول والدوام.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.