خبر وتعليق مبادرة محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ
الخبر:
في يوم الثلاثاء 18 مارس/ آذار، 2014 وعلى موقع ال بي بي سي ورد خبرٌ يقول: أطلق الفاتيكان والأزهر مبادرة دولية للقضاء على العبودية الحديثة، في مشروع يمتد لخمس سنوات.
وقال صاحب فكرة المبادرة، الثري الأسترالي آندرو فورست، إن المشروع الذي سيكون مقره الكرسي البابوي في الفاتيكان، مفتوح لأتباع بقية الديانات.
وحسب أرقام لمؤسسة “ووك فري” نشرت العام الماضي فإن عشرات ملايين البشر ما زالوا يرزحون تحت نير العبودية، بشكل أو بآخر.
وذكر في صحيفة المصري اليوم
أن الزعماء الدينيين قالوا في بيان «نحن ندعو جميع المؤمنين وقادتهم وجميع الحكومات وأصحاب النوايا الحسنة إلى الانضمام إلى الحركة ضد العبودية الحديثة والاتجار بالبشر ودعم شبكة الحرية العالمية».
وأعلن القادة عن «يوم عالمي للصلاة» على ضحايا الرق ووضع هدف إنشاء صندوق عالمي للقضاء على الرق بدعم سياسي من 162 حكومة ودعم مالي من مجموعة (جي 20) التي تضم أكبر 20 نظامًا اقتصاديًا في العالم.
التعليق:
قبل مجيء الإسلام كان نظام استرقاق الأحرار والمتاجرة بهم والعبودية للبشر شائعا عند جميع الشعوب والأمم، ولما جاء الإسلام عالجه بالأحكام الشرعية معالجة قضى بواسطتها على جميع الأشكال والحالات التي يحصل فيها الاسترقاق وذلك:
بتحريم استرقاق الأحرار تحريما قاطعا، ففي الحديث القدسي: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره».
وبمنع استرقاق أسرى الحرب فهؤلاء يطبق عليهم الحكم في الآية: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء﴾ [محمد: 4] وترك للخليفة أن يختار بين الاسترقاق والإطلاق في حكمه على السبي، أي الذين يصحبون الرجال في المعركة من النساء والصبيان لتكثير السواد، فالخليفة يتصرف تبعا للموقف الذي تقتضيه السياسة الحربية مع العدو، والواقع الحالي يحتم عدم حصول السبي، فقد بطل خروج النساء والأطفال في الحروب الحديثة.
كما جعل عتق الرقبة سببا في استنقاذ المسلم لنفسه من النار، قال صلى الله عليه وسلم: «أيّما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله تعالى بكل عضو منه عضوا من النار».
وجعل من موجبات عتق العبد المملوك: إذا كان العبد مملوكا لقريب محرم، فيتم عتقه آليا جبرًا عن المالك، وكذلك إذا عذب المالك مملوكه بالحرق أو قطع عضو أو الضرب المبرح – لا ضرب التأديب – يجبر على عتقه وإلا عتقه الخليفة جبرا عنه.
كما جعل الإسلام عتق الرقبة كفارة لكثير من الذنوب مثل: قتل النفس المؤمنة خطأ، والحنث في اليمين، والظهار، وإفساد صوم رمضان بالجماع.
ولم يكتف الإسلام بذلك بل جعل للعبد مجالا لأن يعمل على عتق نفسه وبالتالي يعوض المالك ماله (ثمن العبد)؛ وذلك بطريقة المكاتبة، والتي يتم فيها الاتفاق بين العبد وسيّده على أن يدفع العبد مبلغا معينا في فترة معينة لقاء نيله لحريته، ويلزم المالك بعتقه في حال وفاء العبد بالاتفاق.
كما أن الله جعل عتق الرقبة أحد أبواب مصارف الزكاة الثمانية حين قال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
هذه هي الطريقة الفعالة للتخلص من العبودية والرق والتي أظهر تاريخ الدولة الإسلامية بتطبيقها للأحكام الشرعية السابقة الذكر تنظيف المجتمع المسلم من الرق.
أما طريقة القيام بمشروع دولي وبمشاركة كفار أعداء، وفي ظل نظام رأسمالي يعمق ويوسع مدى انتشار ما يسمونه بالعبودية الحديثة، فإن النتيجة الحتمية لهذا المشروع مهما كانت بنوده وجزئياته، هي الفشل، ولن يُعالج أي أمر لا في الخمس سنوات ولا حتى في الخمسة قرون، كما لن ينفعهم ما سيحصلونه من مال من الدول الداعمة للصندوق العالمي الذي سيتم إنشاؤه، فالحل الوحيد الصحيح القادر على القضاء على العبودية هو إيجاد الإسلام في معترك الحياة في ظل دولة الخلافة القادمة قريبا إن شاء الله.
وإن من أشد أشكال العبودية ألمًا هو رؤية العالِم المسلم يسير خلف الأحبار والرهبان فيُحرم ما يُحرمونه مما أحلّ الله ويُحل ما يُحلونه مما حرّم الله، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31].
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم راضية