خبر وتعليق حل الدولة وحل الدولتين كلاهما مشاريع استعمارية
الخبر:
ذكرت جريدة “الشرق الأوسط” في خبر تحت عنوان “أبناء وأحفاد مؤسسي الحركات الفلسطينية بينهم نجل أبو مازن يفضلون حل الدولة الواحدة” أن طارق عباس، ابن رئيس السلطة الفلسطينية، جزء من مجموعة يزداد عدد أفرادها من الشخصيات الفلسطينية البارزة التي تؤيد إنشاء دولة مستقلة تمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط يحظى مواطنوها من اليهود والعرب بحقوق متساوية. وكحال كثير من الفلسطينيين، يرى طارق ضرورة تخلي والده عن محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة والمضي قدما باتجاه الدولة الواحدة عبر المنظمات الدولية. ويعتقد أن على الرئيس عباس حل السلطة الفلسطينية وإجبار إسرائيل على تولي كامل المسؤولية عن الضفة الغربية، بوصفها وسيلة ضغط، ويعارض تمديد المفاوضات.
التعليق:
يقول حزب التحرير في كتاب “قضايا سياسية” موضحا ومبينا حقيقة كل من حل الدولة وحل الدولتين وأهدافهما، “كانت بريطـانيا ذات الدهاء السياسي الخبيث ترى وجوب إقامة دولة علمانية ديمقراطية في كامل فلسطين، أي في فلسطين التي احتلت 1948 وفي ما بقي من فلسطين: الضفة التي كانت مضمومةً للأردن، وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية، لتصبح كلها معاً دولةً فلسطينيةً واحدةً على أساس ديمقراطي على غرار لبنان، فيكون الحكم في فلسطين كلها لليهود، ويشركون معهم بعض الوزراء من المسلمين والنصارى، وتصبح هذه الدولة التي يحكمها اليهود فعلاً عضواً في الجامعة العربية، وتقبلها المنطقة. وكان الإنجليز يرون أن هذا الحل يكفل بقاء اليهود عنصراً فاعلاً في المنطقة، أما لو تَمَيَّزوا في دولة وحدهم فإنهم سيبقون في نظر المسلمين أعداءً، وسيُقضى عليهم مهما طال الزمن كما حدث مع الصليبيين. وقد كان كثير من الساسة اليهود مقتنعين بهذا الأمر ويسعون إليه. وكانت بريطانيا تمهد لهذا الحل بإيجاد صلح بين يهود والحكام العرب في المنطقة – وهم في مجملهم آنذاك عملاء لها -، وبعد الصلح تسوى الأمور على النحو المذكور.
لكن بعد اجتماع ممثلي أمريكا الدبلوماسيين في الشرق الأوسط، في استانبول سنة 1950 برئاسة جورج ماغي الوكيل آنذاك في وزارة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط، بعد هذا الاجتماع قررت أمريكا أن تلقي بثقلها في المنطقة، وتتولى معالجة القضايا الساخنة منفردةً عن بريطانيا وبديلاً منها. ولقد كان من قرارات هذا الاجتماع: (تشجيع هيئة الأمم المتحدة على تنفيذ مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وتسوية قضية اللاجئين)، وبدأت أمريكا السير في هذا المشروع بإقناع الساسة اليهود بأنَّ دولةً يهوديةً لهم أقدر على بقائهم في فلسطين من اندماجهم مع غيرهم وذوبانهم فيهم، ومن ثمَّ عودة السلطان للعرب في فلسطين. إلا أن نفوذ بريطانيا السياسي مع الساسة اليهود الأوائل مثل ابن غريون وطموح هؤلاء اليهود على الهيمنة على كل فلسطين لَم يمكن أمريكا من السير بنجاح في مشروعها أول الأمر.
وفي العام 1959م وفي نهاية حكم آيزنهاور تبنت أميركا مشروعها بشيء من التفصيل وبقوة، والتي يمكن تلخيصها في إقامة كيان للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وتدويل القدس وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بإعادة قسم ضئيل منهم إلى فلسطين المحتلة تحت حكم (إسرائيل) وتعويض الأكثرية الساحقة وتوطينهم خارج فلسطين”. انتهى
ويقول حزب التحرير أيضا في كتاب “مفاهيم سياسية”، “ومع سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينات القرن الماضي، ونجاح أميركا في غزو العراق، والسيطرة على الكويت ومنطقة الخليج، تغيرت معادلات القوة في العالم، وبدأت أميركا برسم خريطة جديدة للمنطقة، تحوَّل بموجبها البريطانيون إلى لاعب ثانوي، ولم يعودوا يقوون على مصارعة أميركا، وانحط مستواهم، وخف وزنهم، فاضطروا للعمل بالدسائس والحيل الضعيفة، واضطروا للاعتماد على الاتحاد الأوروبي لتمرير مخططاتهم، والتي كانت أصلاً مخططات باهتة، مثل اتفاقيات أوسلو التي حاولوا من خلالها الالتفاف على أميركا، لكن أميركا استطاعت أن تحولها إلى مسارات أخرى تخدم أهدافها. ثم أُجبرت بريطانيا على أن تعترف بفشل مشروعها المتمثل بالدولة العلمانية وأعلنت انتهاءه، وقبلت بالمشروع الأميركي القاضي بإقامة دولة فلسطينية عربية إلى جانب الدولة اليهودية، وتخلى عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً عن فكرة الدولة العلمانية في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي عقد في الجزائر في سنة 1988م، وأعلن رسمياً عن قبوله لفكرة الدولتين في جميع المحافل الدولية، منذ ذلك التاريخ.
وهكذا سقط مشروع الدولة العلمانية عملياً ورسمياً، ولم يتبق إلا المشروع الأميركي، وهو إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب (إسرائيل)، وأصبح هذا المشروع مطلباً دولياً تبنته الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، بالإضافة إلى أميركا، وشُكلت الرباعية الدولية من هذه الأطراف الأربعة لدعم فكرة إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب (إسرائيل)، من خلال عرض رؤية بوش المسماة بخارطة الطريق.” انتهى
هذه هي إذنْ حقيقة الحلول التي ينادي بها عباس وزمرته من جهة، وعباس الابن ومجموعته من جهة أخرى، فما هي إلا مشاريع استعمارية وضعها الغرب الكافر؛ لإنهاء قضية فلسطين، وبسط نفوذه على المنطقة، وتثبيت كيان يهود المسخ في أرض فلسطين، ومن ثَمَّ يحفظ له أمنه بجعله دولة طبيعية مقبولة بين المسلمين.
فأمريكا تريد القضاء على قضية فلسطين، من خلال إلهاء أهلها بدويلة في غزة وبعض أجزاء من الضفة، دويلة هزيلة ضعيفة، مقطعة الأوصال، منزوعة السلاح ليس لها جيش، معدومة السيادة، هدفها الأول ولعله الوحيد حماية كيان يهود وحفظ أمنه واستقراره، وبريطانيا كانت تسعى للقضاء على قضية فلسطين من خلال تذويب أهلها في كيان واحد مع يهود، يحكمه ويتحكم به يهود، وبذلك تحفظ أمن يهود، واستقرار كيانهم. وكلاهما تقوم بذلك وَفْقَ ما تقتضيه مصلحتها في بسط نفوذها على المنطقة، وبناءً على تصورها لإبقاء كيان يهود خنجرا مسموما في قلب الأمة الإسلامية، يعيق أو يعرقل أي مشروع نهضوي تقوم به الأمة الإسلامية لتنعتق من ربقة الاستعمار ومشاريعه.
كنا نتمنى أن يكون الأبناء والأحفاد الذين أشار إليهم الخبر، قد تيقنوا من خيانة وعمالة آبائهم وأجدادهم، وبدل تشكيل مجموعة تنادي بإحياء مشروع استعماري آخر عفا عليه الزمن، أن ينأوا بأنفسهم عن كل هذه المشاريع الاستعمارية، ويعلنوا انضمامهم جملة لأصحاب المشروع الحقيقي والجذري في حل قضية فلسطين، من وجهة نظر الإسلام، وحسب أحكام الإسلام، فيعملوا مع العاملين المخلصين الجادين إلى إعادة فلسطين كل فلسطين إلى حضن الأمة الإسلامية، بإقامة الخلافة الإسلامية.
ففلسطين فتحها عمر الفاروق رضي الله عنه، وحررها صلاح الدين رحمه الله من الصليبيين، وحافظ عليها السلطان عبد الحميد رحمه الله، وسيحررها قريبا بإذن الله خليفة المسلمين القادم من رجس يهود ومن مشاريع الصليبيين الجدد.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الملك