خبر وتعليق قوة الاقتصاد السعودي لا قيمة لها في ظل المنظومة الرأسمالية
الخبر:
ذكرت جريدة الرياض بتاريخ 2014/3/23 أن المملكة احتلت المركز الثامن عالمياً والأول عربياً كأقوى اقتصاد عالمي من بين الدول الأعضاء الأكثر تأثيراً في قرارات صندوق النقد الدولي.
التعليق:
من المعلوم أن صندوق النقد الدولي مؤسسة اقتصادية رأسمالية، ويعتبر المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي، وهذا النظام النقدي الدولي الرأسمالي، نظام مغاير للنظام الإسلامي في كافة تفاصيله.. فعقيدة الرأسمالية هي فصل الدين عن الحياة ومنه الدولة ومنها الاقتصاد، وتصوير الحياة فيه هو المنفعة بلا اعتبار لحكم ديني بخلاف الإسلام، وأساس الاقتصاد مؤسسات تخالف الإسلام من بنوك ومؤسسات ربوية وشركات تأمين وشركات مال وهمية، ومرجعية النقد هي الدولار بخلاف النظام النقدي في الإسلام المبني على الذهب والفضة، وأساس المشكلة الاقتصادية في الرأسمالية هي الندرة النسبية وحلها زيادة الإنتاج، وذلك لإشباع جشع المنتجين على حساب المستهلكين، أما الإسلام فيرى أن المشكلة تتمثل في حسن التوزيع وأن التوزيع الصحيح للثروة يكفي لإشباع حاجات الناس، بخلاف الرأسمالية التي تتميز بغنى فاحش في مقابل فقر مدقع، وهذه مجرد أمثلة بسيطة تبين الفرق الهائل بين الرأسمالية والإسلام من حيث النظرة الاقتصادية، وعليه يتبين مدى بعد المنخرط في هذه المنظومة الاقتصادية عن الأسس الاقتصادية للشريعة الإسلامية..
ومن المعلوم أيضا أن صندوق النقد الدولي كغيره من المؤسسات الرأسمالية العالمية ليس مؤسسة اقتصادية فحسب، بل هو مؤسسة سياسية استعمارية تستخدم من قبل الدول الكبرى، كأداة تدخل وضغط في سياسات الدول الاقتصادية، وقد اعترف كل من لورنس إيجلبرجر وزير خارجية أميركا السابق، وميشيل كامديسو رئيس صندوق النقد الدولي، بأنهما استخدما الصندوق في الإطاحة بنظام سوهارتو عن طريق فرض سياسة تعويم العملة، وحرمانه من القروض إن لم يقبل بهذه السياسة، فخضع للطلب، وعوَّم العملة وأطيح به، فالسائر في ركاب هذه المؤسسات إما جاهل لا يعذر بجهله يسير ببلاد المسلمين نحو الهاوية، وإما عميل يسيّر بلاد المسلمين لما يخدم أسياده ويحقق مصالحهم، فالحجر عليه وتخليص الأمة من شره واجب في الحالتين..
ومن المعلوم كذلك حجم الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم بصمت في الدول الغربية جلها، وسعيها المتوحش لافتراس اقتصادات البلدان العربية والإسلامية لإنقاذ نفسها وحماية مصالحها، وأن المشاركة في مثل هذه المؤسسات هو مساندة لها في ذلك وإطالة لعمر ظلمها وطغيانها وإفسادها في الأرض..
إن قوة اقتصاد بلاد الحرمين حقيقة، لا تثبتها دراسات المؤسسات الاستعمارية، وإنما أثبتها الله سبحانه في إجابته لدعاء نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 126]، إلا أن هذا الاقتصاد القوي وهذا الرزق الذي بسطه الله في هذه البلاد، إنما هو حق لكل مسلم وليس حكرا على فئة دون فئة كما هي الحال في النظام الرأسمالي، وإن ذلك ليدل دلالة واضحة على فساد النظام القائم في هذا البلد، الذي جعل الثروة ملكا لفئة دون فئة، ورهن اقتصاد البلاد بيد الدول الاستعمارية ومؤسساتها، وأغفل أحكام الشريعة الإسلامية التي جعلت من الملكية لعامة الرعية نصيبا، وللدولة لتنفق على رعيتها نصيبا، وجعلت في أموال الأغنياء للفقراء حقا معلوما، وجعلت للنظام الاقتصادي أحكامه التي تضمن لأفراده الحياة الكريمة، وتؤمن حاجاتهم الأساسية جميعها، وتشبع قدرا كبيرا من حاجاتهم الكمالية.. وعلى ذلك فإن ما نراه في هذه البلاد من مشاكل فقر وبطالة وسكن وعلاج وغيرها ليؤكد فساد هذا النظام وعدم إقامته لشريعة الله في الاقتصاد، عدا عن عدم إقامتها في السياسة الخارجية والحكم بانصهاره في بوتقة الرأسمالية العالمية المحاربة لله ودينه دون تورية أو مواربة..
لقد أكد القرآن الكريم أنه ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 22]، أفلا يثير هذا الود الكبير بين النظام السعودي والأنظمة الرأسمالية الغربية ومؤسساتها الاستعمارية وذوبانه في منظومتها تساؤل المخلصين في هذه البلاد حول حقيقة هذا النظام وشرعيته؟ ولقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «… الأَمِيرُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه، أفلا يثير ذلك انتباههم حول مسؤولية هذا النظام عن أحكام الله الغائبة عن هذه البلاد في اقتصادها وسياساتها الداخلية والخارجية..؟؟ كما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ»، فهل نختار لأنفسنا أن نكون ممن يعمهم الله بعقابه، ونختار خيار بني إسرائيل لأنفسهم ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة: 79]، أم نختار لأنفسنا ما كنا عليه من قبل ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]؟..
إن القوة الاقتصادية الموجودة في بلادنا كفيلة بأن تقضي على ما فيها من فقر وبطالة ومشاكل اقتصادية، بل وعلى ما في كافة بلاد المسلمين من فقر واستضعاف، ولكن ذلك لن يكون في ظل حكم فئة جعلت الدول الغربية قبلتها، والمؤسسات الاقتصادية الرأسمالية مرجعيتها، بل إن ذلك لن يكون إلا في ظل حكم كحكم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وإن ذلك لن يكون إلا بأيد طاهرة، تمزج هذه القوة الاقتصادية بقوة العقيدة الإسلامية المتجذرة في قلوب أبنائها، وبسلطان يستمد قوته وشرعيته من كتاب الله، وبنفوس جعلت رفع راية دين الله فوق مشارق الأرض ومغاربها قضية حياتها المصيرية..
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو صهيب القحطاني – بلاد الحرمين الشريفين