المدارس الأجنبية في بلاد المسلمين معول هدم!
إن المدارس الأجنبية في بلاد المسلمين ليست بالموضوع الجديد، فهم في بلادنا منذ فترة طويلة تمتد إلى أواخر أيام الدولة العثمانية، ولكن الحديث عنها لا ينتهي لما لها من أثر متزايد يوما بعد يوم.. فقد كان من نتائج هدم الخلافة الإسلامية احتلال عسكري لبلاد الإسلام تبعه استعمار فكري وثقافي، عمل المستعمر فيه على تغريب الأفراد بمفاهيمهم وأخلاقهم وسلوكياتهم بشتى الوسائل، وكما قال المنصّر الأمريكي (روبرت ماكس): ” لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قدّاس الأحد في المدينة”.. (خسئوا وخابوا)، وكما نعلم فقد دخل هؤلاء المبشرون بلاد المسلمين من باب المساعدات والمعونات “المستشفيات، والمدارس، والملاجئ، والجمعيات” ينشئونها في المدن والقرى يتقصدون الفقراء والمحتاجين والمرأة المسلمة.. كما نرى نشاطهم في مخيمات اللاجئين السوريين.
ولإدراك المستعمر أهمية التعليم والمدارس والجامعات لتحقيق هذه الأهداف، فقد رأينا دانلوب في مصر يقوم بوضع برامج تخدم إنجلترا، والسلطة الفرنسية في الجزائر منعت التعليم باللغة العربية، وأغلقت كافة المدارس الإسلامية لتسود ثقافتها هناك. وحاليا أمريكا بمشروعها الشرق الأوسط الكبير وتدخّلها في المناهج والمدارس وسياسة التعليم..
وقد تم جلْب نظام التعليم الغربي بوساطة المدارس والجامعات الأجنبية المنتشرة في جميع بلاد العالم الإسلامي، من مدارس كاثوليكية ولوثرية وإنجيلية والمطران والفرير والشبان المسيحية.. الخ، وكذلك ما يسمى بالمدارس والجامعات الأمريكية والفرنسية والإيطالية والإسبانية وغيرها حسب الدولة التي تموّلها وتبث سمومها من خلالها. وهي في ظاهرها التعليم ومساعدة أبناء المسلمين وفي باطنها التبشير والتنصير والعلمنة وإبعادهم عن الإسلام وأفكاره وأحكامه، وجذبهم لحضارتهم الزائفة وإظهارها أنها أساس التقدم الذي سينقذهم مما يعيشونه من ظروف سيئة وتخلف حضاري، مركّزين نشاطهم في البلاد التي يسودها الفقر والجهل والتي بها صراعات واقتتال بحيث يتسللون إليهم بحجة مساعدتهم وتقديم المعونة لهم. ومركّزين أيضا على الإناث اللواتي سيصبحن أمهات يربين أبناءهن على ما يزرعنه في عقولهم من أفكار غربية بعيدة عن الإسلام، فليس صدفة أنّ أولى المدارس الأجنبية في بلاد المسلمين والتي كانت في بيروت كانت مدرسة للبنات في الدولة العثمانية سنة 1830م، وكما قال أحد المبشرين المدعو “هنري جسب” في كتابه (53 سنة في سوريا): “إن مدارس البنات في بلاد الإسلام هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت دائماً أن مستقبل الأمر في سوريا إنما هو بمنهج تعليم بناتها ونسائها”.. وها نحن نرى الآن مثل هذه البنات والأمهات اللواتي درسن في مثل تلك المدارس والجامعات!!
مما لا شك فيه أن هذه المدارس والجامعات معاول هدامة تنفث سمّها القاتل في الفكر والمفاهيم والسلوك. وأن الغرب الذي أنشأها ويدعمها ويموِّلها يهدف إلى إفساد عقول الأطفال والشباب وإبعادهم عن أصول دينهم وعقيدته وأحكامه وحتى لغته العربية، وإلى الترويج للثقافة الأمريكية والأجنبية وأسلوب حياتها بين الطلبة فيها يجعلهم مبهورين بها ومفضلين إياها على حضارتهم، بل وينظرون لها باحتقار على أنها سبب التخلف عن التقدم العالمي، وأن الحل هو في البعد عن هذا الدين إما بالإلحاد أو بالعلمانية أو بالتنصير والعياذ بالله.. فمثلا في العديد من هذه المدارس يكلَّف الطلبة أن يصلوا صلاة النصارى في صباح كل يوم قبل الدخول إلى الصفوف! وكذلك القراءة في الإنجيل وتشويه صورة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، وإظهار النصرانية على أنها الدين الصحيح الذي فيه خيرهم، وغير ذلك من سلوكيات أفكار تبعدهم عن الإسلام وتقربهم من النصرانية. وكذلك تهدف إلى نشر الاختلاط والرذيلة والانحلال الخلقي بالتعليم المختلط وما ينتج عنه.. فيصبحون بعد كل هذا أغرابا عن دينهم وعقيدتهم ولغتهم وتاريخهم وماضيهم المشرق، بل وربما يقفون هم بأنفسهم حجر عثرة أمام العودة إلى الإسلام والعقيدة.. فتصبح عقولهم مليئة بالعلمانية والديمقراطية الكاذبة والوطنية والقومية والحرية الخاطئة والاختلاط والانحلال الخلقي والنفعية وكل إفرازات الرأسمالية العفنة مما سيبقي الأمة تحت سيطرتهم وتحكمهم في كل شيء؛ في الثروات والحكومات والأنظمة والأفراد.. هؤلاء الأفراد الذين يريدونهم مضبوعين بالحضارة الغربية الزائفة مروّجين لها عند غيرهم. وهذا ما نراه حاليا في عدد من أبناء وبنات هذه الأمة. فلعنة الله على الظالمين الذين يبغونها عوجاً وبالآخرة هم كافرون.
ما هو واجبنا كأهل نحو أبنائنا بالنسبة لدخول تلك المدارس الأجنبية؟
«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» قول كريم من رسول عظيم، ومن رعاية الرجل لأهل بيته أن يحسن تربيتهم ليكونوا شخصيات إسلامية قوية ثابتة على دينها وعقيدتها، فماذا أنتم قائلون لرب العزة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم حين يسألكم عن أولادكم؟! إنهم أمانة في أعناقكم فلا تدفعوهم إلى تلك المدارس والجامعات مغترّين بها وبأنها تحوي مدرسين مهرة أو تجهيزات ومستوى أفضل، فإن هذا كله مدروس ومقصود لتنطلي الحيلة والخدعة على أبناء المسلمين، يوفرون لها أمهر المدرسين وأفضل التجهيزات جذبا لكم ولأولادكم ليتناولوا السم المدسوس في العسل بكل طيب خاطر! وتيقنوا أن من جاء من الغرب تاركا بلده وراحته ليس حبا بنا ولا قلقا على مصلحتنا ولا اهتماما بأولادنا، بل لهم أهداف معينة ضد الإسلام. وما وجود المدارس والجامعات الأجنبية إلا حلقة في مخططهم للحيلولة دون إيجاد جيل فيه مثل محمد الفاتح وسليمان القانوني وصلاح الدين وأسامة، جيل يعيد مشاهد الفتوحات الإسلامية مرة أخرى.. جيل ينادي بالخلافة ويعمل لها.. ولكن خسئوا وخابوا فإن الله متم نصره ولو كره الكافرون.
إن الحديث عن المدارس الأجنبية مهمّ جداً، وهو خاص بكل بلاد المسلمين، حتى في السعودية “بلاد الحجاز”. وهي كلمة تحذير للمسلمين كلهم وبيان للمخاطر الكبيرة التي تتعرض لها البلدان التي فيها هذه المدارس التبشيرية والتي يزداد نشاطها وتتنوع أساليبها مما يتطلب الوعـي واليقظة والحذر. فعليكم أن ترفضوها وتبيِّنوا عوارها وادعوا غيركم لذلك وبصِّروهم بتلك المؤامرات والخطط. فإن “أولادكم أكبادكم تمشي على الأرض”، تنفقون السنين الطويلة في توفير عيشة كريمة لهم في الدنيا دار الفناء، فكيف بالآخرة دار البقاء! ساعدوهم على الاحتفاظ بدينهم وعقيدتهم لينالوا خير الدنيا والآخرة.. واحذروا هذه المدارس الاستعمارية، واحموا أولادكم من شرها لما فيها من أسباب الفساد والإفساد والفسوق والعصيان.
وتلك المدارس دليل آخر على ضرورة العمل لإعادة تحكيم شرع الله بحيث تختفي هذه المدارس والقائمون عليها كما تختفي الخفافيش عندما يعم النور.. نور الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وعسى أن يكون قريبا.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم صهيب الشامي