خبر وتعليق نساء نيجيريا يخاطرن بحياتهن أثناء ولادة أطفالهن (مترجم)
الخبر:
نشر الموقع الإخباري “allAfrica.com” يوم 8 نيسان/أبريل مقالاً بعنوان “النساء النيجيريات يمُتن أثناء ولادة أطفالهن”، تحدث عن ارتفاع معدلات حالات موت الأمهات أثناء الولادة في البلاد. بدأ المقال بالحديث عن قصة نكيتشي، وهي امرأة حامل في الشهر التاسع في نيجيريا فقدت مولودها ونزفت حتى ماتت نتيجة للتأخيرات المتتالية في الحصول على الرعاية الصحية عقب دخولها في مرحلة المخاض. وقد شملت هذه التأخيرات تحمّل أعباء رحلة مسافتها 25 كيلومتراً على مدى 3 ساعات من أجل الوصول إلى أقرب مستشفى، وبعدها انتظرت نكيتشي نحو 6 ساعات قبل أن يكشف عليها الطبيب، وذلك بسبب النقص في الموظفين، ثم رفضوا إدخالها إلى المستشفى بسبب عدم توفر الأسرّة. وقد علّق الكاتب على ذلك بالقول “إن إقدام المرأة في نيجيريا على الحمل يشبه إلى حد كبير إقدامها على الانتحار”. كما قدّرت مطبوعة أصدرتها منظمة الصحة العالمية في 2012 تحت عنوان “الاتجاهات في مجال وفاة الأمهات أثناء الولادة” قدّرت معدل حالات وفاة الأمهات أثناء الولادة في نيجيريا بنحو 630 حالة لكل 100000 مولود حي. ما جعل نيجيريا تحتل ثاني أعلى مرتبة في العالم في حالات وفاة الأمهات أثناء الولادة. لكن حكومة نيجيريا، وعلى الرغم من هذا كله، ما زالت تنوي القيام بمناقشة هذه المشكلة على أساس أنها قضية صحة عامة مثيرة للقلق.
التعليق:
ثمة بلدان أخرى كثيرة في العالم الإسلامي، كباكستان وأفغانستان واليمن، تتصارع هي أيضاً مع معدلات مرتفعة جداً لوفاة الأمهات أثناء الولادة، وذلك نتيجة للنقص في المعدات والتجهيزات وعدم كفاية الموظفين في المستشفيات. بل قد وصل الأمر في نيجيريا في الوقت الحالي، وحسبما أوردت دراسة أجرتها “الشراكة مع المجتمع المدني في ولاية لاغوس” ومنظمات أخرى في 2013 بشأن القدرة على الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية وجودتها في البلاد، حدّ أن تقع حالات الولادة في كثير من هذه المراكز حتى الآن تحت ضوء الشموع أو القناديل، كما يقدم العاملون فيها مساهمات من مالهم الخاص في بعض الأحيان من أجل إمداد المراكز بالكهرباء. وأضافت الدراسة أن نسبة الأطباء إلى المرضى في غالبية هذه المراكز تصل 1 إلى 1653 مريضاً. وقد علّق أستاذٌ في الأمراض النسائية والتوليد بجامعة أسيوط في مصر على هذا الموضوع قائلاً “إن النساء لا يمتن بسبب أمراض لا نستطيع معالجتها، وإنما يمتن لأن المجتمعات لم تقرر بعدُ ما إذا كانت حياتهن تستحق الإنقاذ”.
وقد تزامن هذا، بمحض الصدفة، مع تصنيف الخبراء الاقتصاديين لنيجيريا يوم الأحد 6 نيسان/أبريل، وعقب تقييم ناتجها الإجمالي، على أنها تحتل المرتبة الـ26 بين أكبر الاقتصادات في العالم وصاحبة أكبر اقتصاد في أفريقيا، وذلك بنسبة نمو تبلغ نحو 7% سنوياً. كما أنها تُعدّ أكبر مصدّر للنفط في أفريقيا وعاشر أكبر مصدّر له في العالم، وتملك بحسب شركة البترول البريطانية (BP) تاسع أكبر احتياطي من الغاز على مستوى العالم. بل وقدّرت منظمة البلدان المصدّرة للنفط (OPEC) قيمة صادراتها النفطية بنحو 94,64 مليار دولار، كما حققت نيجيريا إيرادات نفطية تجاوزت 600 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة الماضية. إلا أن الأمر لا يقف عند تهالك نظام الرعاية الصحية في البلاد، بل صنّف البنك الدولي نيجيريا، على الرغم من هذا كله، على أنها واحد من خمسة بلدان لديها أكبر عدد من السكان الذين يعيشون في فقر مدقع. وتضم هذه القائمة كذلك الهند، وهي بلدٌ ذو نسبة نمو عالية أيضاً. لكن 70% من سكان نيجيريا يعيشون في فقر مدقع، حيث يقدر دخلهم اليومي بأقل من 1,25 دولاراً.
إن هذا كله يكشف عدم وجود أية علاقة مطلقاً بين الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي للدول الرأسمالية وبين مستوى معيشة المواطنين العاديين في مجتمعاتها. كما يوضح بجلاء أن النمو في الثروة في ظل النظام الرأسمالي لا يستمتع به سوى النخبة الثرية، وتترك الجماهير الغفيرة من الشعوب لتعيش حياة الفقر المدقع وتجبر على القبول بمستوى مهين من الخدمات العامة نتيجة للسياسات الاقتصادية الخاطئة التي تركز على وجود الثروة في أيدي حفنة من الناس بدلاً من توزيعها بإنصاف بين أفراد المجتمع كله. كذلك يشير ما هي عليه الحال في نيجيريا بأصابع الاتهام إلى الأنظمة غير الإسلامية الحاكمة في بلادنا الإسلامية، التي أثبتت المرة تلو الأخرى أن أولوياتها لا تكمن في رعاية احتياجات الناس، وإنما تتركز في زيادة ثرائها. ويثبت فوق ذلك، أنه لم يعد مجال للشك في أن أنظمة الكفر التي يطبقونها على الناس لم تُجدِ البتَّة في إدارة شؤون شعوبها وثروتها، فضلاً عن سماحها للفساد بأن يستوطن في سياساتها وسياسييها ودولها عموماً.
إن علاج مشكلة ارتفاع معدلات وفاة النساء أثناء الولادة في بلادنا يتطلب حكماً من قبل نظام يقدّر بحق قيمة الحياة البشرية وأولويات رعاية شؤون الناس وإشباع حاجاتهم. ويتطلب نظاماً لا يقيس نجاحه على أساس أرقام الناتج المحلي الإجمالي أو مقدار ارتفاع أبنيته، بل على أساس العدل والمساواة والطمأنينة التي يحققها لرعاياه وحسن الرعاية التي يلقونها منه. ودولة الخلافة وحدها، التي يكون فيها الحاكم هو الحارس والخادم للشعب، هي التي يتحقق فيها هذا الصنف من القيادة، كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته».
فلقد كان النمو الاقتصادي والازدهار في دولة الخلافة، عبر تاريخها كله، يرافقه ارتفاع في مستوى معيشة الرعية وجودة الخدمات العامة. وذلك كما كانت عليه الحال في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي تم فيه استئصال الفقر من شمالي أفريقيا تماماً. وفي ظل هذا النظام الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، كان الخلفاء يتبارون في تشييد أفضل المستشفيات والمدارس لخدمة رعيتهم، فكانت محطّ أنظار العالم حينها، بما في ذلك توفير مستوصفات متنقلة لمعالجة سكان الأرياف. وها هو الدكتور سام ليف، الخبير في خدمات الرعاية الصحية عبر العالم، يقول في كتابه “من الشعوذة إلى صحة العالم” عند حديثه عن الخلافة العباسية بأنه كان لكل مدينة مستشفاها الخاص بها، حتى إن بغداد وحدها كان فيها 60 مستشفى حسن التجهيز وحسن التنظيم ينفق عليها بسخاء من خزينة الدولة. وكان المريض يتلقى العلاج فيها، ويستكمل علاجه خارجها، دون مقابل. وقد باتت هذه المرافق الطبية هي النموذج والمثال للمستشفيات العصرية في وقتنا الحاضر. هذه هي الثمار التي أكرم الله عز وجل بها هذه الأمة عندما جعلت الإسلام وأحكامه وحدهما أساس نظامها ومجتمعها. وهي ثمار لن ترجع إلا بإعادة إقامة دولة الخلافة، الدولة التي لا تُجارى، في بلادنا الإسلامية.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتورة نسرين نواز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير